هل خسرت المعارضة في حرب الفضاء؟
إذا كان الإعلام هو عصب الحرب، فلا شك في أن المعارضة اللبنانيّة التي تتعرّض لحملات تشويه منهجيّة ومنظّمة، من جانب الفضائيات السعودية تحديداً، وصحافة الأنظمة العربيّة المرتبطة بالسياسة الأميركيّة، (فضلاً عن الإعلام الغربي طبعاً)، خسرت معركة حيويّة في حرب «الفضاء» خلال الأيام الأخيرة. كيف ولماذا؟
علاء اليوسفي
المعارضة حسمت الموقف على الأرض في معركة بيروت، لكنّ الحديث يبدو مختلفاً بالنسبة إلى الفضاء، وخصوصاً بعد صدمة إسكات «المستقبل»… صورة المبنى المحترق الذي تبرز إلى جانبه صورة الشهيد رفيق الحريري وقد أصابتها الندوب، رجّحت كفّة المعركة الإعلامية ـــــ لدى الرأي العام العربي ـــــ لمصلحة الحكومة والموالاة. وإذا كانت صورة «حزب الله» لم تتعرّض للتشويه، فعلى الأقلّ يمكن القول إنّها أُصيبت بالخدوش. حصيلة الموقف: خسرت المعارضة إعلامياً أقلّه بالنقاط.
هذا الافتراض لا ينسجم مع مَن يرون أن «المنار» تتمتّع بنسبة مشاهدة أكثر من «العربية» التي حاولت تكثيف هجومها على «حزب الله» والمعارضة، تعويضاً عن غياب الصورة على وسائل إعلام «المستقبل»… فهل انتبهت المعارضة إلى الجانب الإعلامي في تحرّكها؟ أم أنّ حساباتها كانت تتركّز فقط على إيجابيات السيطرة الميدانية؟
«انقلاب حزب الله» عبارةٌ لم تكتمل معها الصورة على شاشة «العربية» إلا مع تصوير مقاتل مقنّع يصوّب سلاحه باتجاه العلم اللبناني، بينما النيران تشتعل أمامه. بهذه الصورة رافقت «العربية» أحداث لبنان في تغطية تجاوزت خلالها القناة موضوعيةً تدّعيها، وكانت بالأمس القريب تقترب منها وتلامسها أحياناً، على الأقل من خلال عرض وجهتي النظر. لكن وجهة نظر المعارضة غابت هذه المرة عن أثير «العربية» التي ذكرت أنّها حاولت الاتصال بالمعارضة من دون أن تفلح… لا بدّ من قدر كبير من السذاجة لتصديقها: ألم يكن ممكناً الاتصال بصحافيين أو سياسيين يقدّمون الرأي الآخر للمشاهد العربي؟ يمكن أن نفهم اليوم، من جديد، أهميّة سيطرة المال السعودي على الفضاء العربي.
أفردت القناة تغطيةً واسعة للأحداث، واستمرّت في عرضها اللبناني في وقت كانت تنصرف فيه «الجزيرة» أحياناً إلى برامج وأخبار أخرى، وخصوصاً مع بروز أحداث السودان التي فرضت نفسها على التغطيات الإخبارية.
كيف بدا منطق «العربية» إذاً؟ قرارات تتخذها الحكومة وتواجَه بعنف من الطرف الآخر… حرب أهلية من طرف واحد. أما كيف أبرزت شاشتها الأحداث؟ فيمكن الاكتفاء بنشرة منتصف ليل الجمعة ــــــ السبت التي استمرّت ساعة كاملة حتى نستنج سياستها. طوال فترة الأخبار، لم نعثر على تصريح واحد من طرف المعارضة أو على تعقيب من أحد المقربين منها للتعليق على الأحداث، باستثناء تصريح ميشال عون، في وقت حظيت فيه تصريحات وبيانات السلطة بالعرض الكامل.
أما التقارير الإخبارية، فجاءت على نسق التقرير الذي نُسج عن استهداف الإعلام في لبنان، وقد جرى فيه، عن قصد، الربط بين الاغتيالات التي طالت الإعلاميين من سمير قصير إلى جبران تويني ومحاولة اغتيال مي شدياق، وبين الاعتداء على مؤسسات «المستقبل» الإعلامية… بدأ التقرير بعبارة «ليست المرة الأولى التي يهاجم فيها الإعلام والمؤسسات الصحافية في لبنان…»، مروراً بزجّ كلمات إيحائية كالقول بأن «عناصر «حزب الله» هاجمت جريدة «المستقبل» تحت جنح الظلام» (التشديد على جنح الظلام، بينما الهجوم تم في الصباح الباكر حسب مقدمة النشرة).
في الواقع، عوامل متعددة أدت إلى تراجع المعارضة إعلامياً أمام مدّ المنطق السلطوي. فما هي أبرز هذه العوامل؟ لعبت «العربية» دوراً دعائياً مكشوفاً لمصلحة الحكومة والموالاة. بينما وقفت قناة «الجزيرة» على حياد موضوعي بين طرفي الأزمة، ما أدى إلى كسر التوازن لمصلحة الموالاة نظراً إلى ما تمثله «العربية» من حالة إعلامية فرضت نفسها على المشاهد العربي والخليجي تحديداً، وقد ساعدت التجاوزات، إضافةً إلى الاعتداء على المؤسسات الإعلامية التابعة لتيار «المستقبل»، على توفير مادة ثرية حاضرة للاستخدام الدعائي في تشويه صورة الحركة المسلحة داخل العاصمة. وهي أحداث ضخّمتها «العربية» ونسبتها كلها إلى «حزب الله»، كما نسبت الاعتداء المسلح على المشيعين في الطريق الجديدة إلى «حركة أمل». فكيف إذا أضفنا إلى ذلك، صور الملثّمين والمقنّعين وما تثيره لدى المشاهد من انطباعات عن أعمال «ميليشاوية»، وهي صور لم تقتصر فقط على قناة «العربية»؟
صحيح أن «العربية» انقلبت على «موضوعية» تدعيها… لكن في المقابل كان يفتزض بوسائل إعلام المعارضة أن تعترف فوراً، من باب «الموضوعية» أيضاً، بهذه التجاوزات وتدينها. والنزاهة الإعلامية التي تستحقّ وسامها قناة «الجديد»، زادت من إحساسنا بتقصير «المنار» من دون شكّ. فالمحطة لم تشجب أو تستنكر إسكات «المستقبل»، بل كالت للمحطة المقفلة بقوة السلاح كل أشكال الاتهام (اتهامات صحيحة ربما، لكن في غير مكانها)، قبل أن تنتقل إلى مسألة العثور على قنابل يدوية عليها كتابة عبرية في مراكز تيار المستقبل!
مرحلة إعلاميّة جديدة
أعلن السيد نصر الله خلال مؤتمره الصحافي عن بروز مرحلة جديدة في التعاطي السياسي والأمني في لبنان، لكنّ تلك المرحلة الجديدة، انسحبت ــــ من حيث لم نكن نتوقّع ــــــ على الإعلام. مرحلة جديدة جاءت على «العربية» قاطعةً ما قبلها، متجاوزةً حالة الخلاف الأولى بين الموالاة والمعارضة، لتضعف في نظر المشاهد من حجج المعارضة. فالأحداث كما نقلتها «العربية» هي عبارة عن انقلاب مسلّح قام به «حزب الله» كرد فعل على قرار حكومي، لا امتداداً لأزمة موجودة أصلاً برزت خلالها ميليشيات السلطة، وتخلّلتها اغتيالات وعمليات قنص بدءاً من شهيد المعارضة الأول في التظاهرة المليونية، مروراً بقناصة الجامعة العربية، من دون أن ننسى ما حصل في عرمون…
وبالعودة إلى السؤال السابق… كلمة «المعارضة» كانت قبل الأحداث تعبّر عن أربعة تيارات أساسية على الأقل داخل هذا التكتل… فهل كان من الأنسب، حرصاً على الدقة، الاستعاضة عن عبارة «المعارضة» بـ «بعض أطياف المعارضة» أو بتسمية أطراف المعارضة التي شاركت في المعركة المسلّحة، وعلى رأسها «حزب الله» و«حركة أمل» والحزب السوري القومي الاجتماعي؟
العمل الإعلامي يحتم الاختصار واختيار عبارة للإشارة إلى الذي كان وراء المظاهر المسلحة (المعارضة أم حزب الله؟)… فكيف إذا تحوّل الاختصار إلى اجتزاء مقصود ومحاولة لاختزال المعارضة في «حزب الله»؟ أم بالعكس إلى محاولة توريط ميشال عون؟ عندها، نبدأ بعدّ نقاط الخسارة الواحدة تلو الأخرى، وصولاً إلى تحوّل حزب الله (أو المعارضة) إلى هدف مكشوف وربما «ساقط عسكرياً» على المستوى الإعلامي.
ربما فرضت طبيعة الأحداث التباساً لدى الرأي العام العربي غير الملمّ على الأرجح بتشعّبات السياسة اللبنانية. إذ أصبح من اليسير ذهنياً اختصار المعارضة بـ «حزب الله»، وخصوصاً أن الأحداث بدأت عبر تظاهرة شاركت فيها المعارضة، قبل أن تتحوّل إلى أحداث أمنية انسحب منها الطرف المسيحي ولم يشارك فيها الطرف الدرزي.
عدد الاثنين ١٢ أيار ٢٠٠٨