لبنان مجدداً أمام مفترق طرق مصيري
سعد محيو
هل صحيح ما يقوله المحللون الغربيون إن “حزب الله” ابتلع أكثر بكثير مما يمكنه هضمه بعد معارك بيروت الأخيرة، وإنه بهجومه الأخير نقل البلاد من حال الشلل السياسي المستمر منذ 18 شهراً إلى حالة المجهول السياسي؟
ثمة بعض الصحة في هذه المقولات. وهو بعض يصبح كثيراً حين نضع في الاعتبار ان الحزب، ومعه باقي قوى المعارضة في “8 آذار”، لا يمتلكون برنامجاً سياسياً محدداً لإعادة بناء الدولة، ولا خطة عمل اقتصادية خارج وصفات حكومة السنيورة الليبرالية و”الخدماتية” المتطرفة، ولا حتى اجماعاً حول طبيعة العلاقة بين الدولة والمقاومة.
هذه النقطة الأخيرة تبرز أكثر ما تبرز في علاقة العماد ميشال عون وتياره المسيحي بالمقاومة الإسلامية، أو بالأحرى بفهمه لطبيعة المقاومة ومستقبلها. فبرغم انه دعّم، ولا يزال، حزب الله ضد حملات “14 آذار” على سلاحه، إلا انه (وفي حال أصبح رئيساً للجمهورية) سيصّر على إدماج هذا السلاح في منظومة استراتيجية دفاع وطني تشرف عليها الدولة. وهذا ما قد يضعه سريعاً في مواجهة مع الحزب الذي يريد أن يبقي مقاومته خارج أطر الدولة اللبنانية ومؤسساتها.
ثم هناك نقطة تباين أخرى للحزب، لكن هذه المرة ليس مع عون فقط، بل أيضاً مع حلفاء آخرين مثل سليمان فرنجية وسليم الحص وعمر كرامي وطلال أرسلان وغيرهم، الذين قد لا يوافقون على تحويل لبنان إلى “ساحة المجابهة الاولى لتقويض الكيان الصهيوني”، كما طالب قبل أشهر الرئيس الإيراني أحمدي نجاد.
هذه بعض مواد الطعام التي قد لا تكون قابلة للهضم في معدة حزب الله. لكنها ليست الوحيدة.
فالأسئلة الكبيرة التي أطلت برأسها غداة تقويض حكم “آل الحريري” في بيروت، لا تزال كبيرة:
من سيكوّن السلطة الآن في البلاد على صعيدي الدولة والمجتمع؟ هل ستولد سريعاً سلطة مركزية جديدة قادرة على وقف تحلل جسم الدولة والمجتمع وكيف؟ أم ستحل مكانها سلطات إقليمية في المناطق، تؤدي في النهاية إلى إعلان الوفاة الرسمية للبنان ككيان وشعب موحّد، كما تنبأت بالأمس صحيفة “فاينانشال تايمز” الرصينة؟
ومن سيحل مكان التيار الحريري في لبنان، بفرض ان هذا التيار لن يستطيع الوقوف على رجليه مجدداً، بعد الضربة المذلة التي تلقاها في بيروت؟ هل هي القوى القومية العربية والعلمانية التي سيطرت تاريخياً على الشارع البيروتي، أم الجماعات الإسلامية المتطرفة التي كانت تعتبر تيار الحريري “المعتدل” العقبة الرئيس أمام جماهيريتها السنّية؟
قد يرى حزب الله انه ليس مضطراً للإجابة عن كل هذه الأسئلة. فهو لم يقل مرة إنه يريد، أو يستطيع، أن يحكم بمفرده لبنان. لكنه بإطلاقه أحداث بيروت الأخيرة نسف، أو يكاد، الأمر الواقع السابق، من دون أن يوضح طبيعة الأمر الواقع الجديد الذي يريد.
هذا ما يدعم وجهة النظر التي تقول إن التهام الطعام شيء وهضمه شيء آخر. وهذا أيضاً ما يعزز القناعة بأن احداث بيروت ستكون بداية، وليست نهاية، لأحداث جسام مقبلة