رأفة بالوطن الصغير
أمين قمورية
حتى لا يكون 6 ايار 2008، 13 نيسان 1975 جديدا اوقفوا اللعب بالسلاح والعصبيات قبل ان تحرق ايديكم وقلوبنا والوطن.
حتى لا ندفع بالآلاف من الامهات الى الصفوف الطويلة من الثكالى والارامل المنسيات من الحروب الماضية لا تدعوا النار المستعرة تلتهم اولادنا.
حتى لا نرمي بالآلاف من شبابنا الى اتون الموت والقتل والدمار او الفرار الى المهاجر، اوقفوا عجلة آلة الحرب القاتلة، اوقفوا قبل ذلك مماحكاتكم السياسية الاشد فتكا.
حتى لا نخسر مقاومتنا وتتيه في الزواريب المعتمة لانها لا تزال حاجة ماسة وطنية وعربية، وحتى لا يفقد استقلالنا الرمق الاخير المتبقي منه لان استعادته هذه المرة قد تكون مهمة مستحيلة.
وحتى نحافظ على الحد الادنى من حريتنا لانها اغلى ما عندنا.
وحتى يبقى الامل بغد افضل… لا تجرونا مرة اخرى كالنعاج الى المسلخ.
قد يحلو لبعضكم ان يشبّه ما حصل في لبنان بغزة قبل اشهر. لكن غزة هي الحد الادنى. فما ينتظرنا اذا تمادينا في الغي، نموذجا اشد بلاء يجمع ما بين غزة والعراق. فاقطعوا دابر الفتنة قبل ان تلتف على اعناقنا جميعا، ولن تترك من براثنها منطقة او حي او شارع او اخ او ابن او صديق.
ان ما يحصل على الارض تجاوز الخلاف السياسي على انتخاب رئيس. واقرار بالمشاركة، وتأليف حكومة، والمس بالنظام وبالطائف. هذه كلها باتت في غضون ايام في خلفية الصورة، وتصدر الواجهة مصير الوطن فارحموه وارحموا اهله ولا تدفعوهم الى تجرع الكأس المرة مرة اخرى.
لقد وقع المحظور: ظهر السلاح وتغلب منطق القوة. طفت على السطح كل الاحقاد المدفونة. اطلقت الغرائز والعصبيات، وارتفع منسوب الشحن المذهبي… ومع ذلك فان الباب لم يغلق بالكامل، ولا يزال انبعاث الضوء ممكنا من بين الشقوق.
الترياق لن يأتي من دمشق ولا من الرياض، لان فاقد الشيء لا يعطيه. واذا كان البعض ينتظر خشبة نجاة من واشنطن، والبعض الآخر رافعة من طهران لاعلائه فانتظار الاثنين مثل انتظار “غودو” الذي لن يأتي ابدا مهما طال الانتظار.
واذا كان البعض يعتقد ان اسرائيل في غاية الانزعاج مما يحصل وتتحين الفرصة “لتقويم الاعوجاج اللبناني” فاطمئنوا الى انها الآن تضحك في سرها اذ لا شيء يعوضها هزيمتها في تموز سوى رؤية اللبنانيين يتقاتلون ويتذابحون.
الترياق الحقيقي موجود فقط في “الصيدلية” اللبنانية جنبا الى جنب مع كل الادوية الفاسدة عندنا… فابحثوا عنه وليس من الصعب ان تجدوه.
ان ما حدث في الايام الاخيرة عله يشكل عبرة للجميع وناقوس خطر مما ستؤول اليه الاوضاع اذا لم يسارع اللبنانيون الى تداركها بانفسهم قبل فوات الاوان.
“انتصارات” المعارضة في بيروت قد يحملها اعباء لا شأن لها بتحملها ولا طاقة، ويضعها في صورة من وسّع نطاق المخيم في الوسط الى ارجاء المدينة، يجرجرها في المنزلقات الحادة، ويجعلها مثل افعى ابتلعت فيلا اذا لم تتمكن سريعا من صرف وجودها المستجد على الارض اتفاقات سياسية شاملة مع الفريق الآخر من شأنها حفظ التوازنات الدقيقة وحماية هواجس الفئات المختلفة ومخاوفها في هذا البلد الملعون بالمذهبية والطائفية المريضة.
في المقابل ان اصرار فريق الاكثرية على العناد والمماحكة والاستئثار بالسلطة، وان تكن اطلالا، من شأنه ان يقزم مكانتها من كونها حكومة لوطن الى مجرد ادارة مدنية لكانتونات حكم ذاتي مذهبية مغلقة على نفسها ومتناحرة مع ما حولها، فلا يفيدها بعد ذلك لا الدعم الدولي ولا كل بيانات التأييد والتشجيع التي لن تجد مصرفا لتصرف فيه.
الغمامة سوداء لكن الخروج من المأزق لا يزال بسيطا ولا يحتاج الى معجزة لاجتراحه، وهو ببساطة اقرار الجميع فعلا لا قولا بان لبنان اغلى من الجميع.
فهل تفعلوها يا “سادة” يا “كبار” رأفة بهذا الوطن الصغير وبأهله الذين يستحقون الحياة؟
ويا للاسف لم يعد في امكاننا تصديقكم!