بعض من ظلام “مشروع قانون تفتيت سورية”
نساء سورية
حين رفضنا مشروع قانون تفتيت سورية، قلنا بوضوح أن هذا الرفض مبني على أن كل كلمة في هذا المشروع تتناقض مع الإنسان، وتحول الرجال والنساء والأطفال إلى كائنات جنسية خاضعة لمواليدها الطائفية أولا، ومن ثم لمجموعة من مدعي الدين ثانيا.
وفي هذا الإطار، وإلى جانب الدراسات التي نعمل على استكمالها لتفتكيك المشروع الأسود وإبراز خطورته الحقيقية على سورية، مجتمعا ودولة، تاريخا وحاضرا ومستقبلا، نضيف اليوم بضعة نقاط عامة.
1-إن قانون الأحوال الشخصية المعمول به حالياً وضع منذ أكثر من خمسين عاماً. وفي ذلك الوقت لم تكن أي امرأة لتجرؤ أن تمشي في مدينة دمشق أو غيرها دون لباس الجلباب والملاية، باستثناء قلة قليلة من نساء الطبقة العليا التي ما زلنا نرى آثارها في الصور، ويقول البعض أنها عكست حال المرأة السورية في تلك الفترات. بينما الواقع أن المرأة السورية في 95 بالمئة من مساحة سورية كانت منقطعة عن الحياة نفسها، كما الرجل، أولا وقبل كل شيء بحكم انقطاع أغلب جغرافية سورية عن بعضها بسبب غياب الطرقات المناسبة وآليات النقل والتواصل والكهرباء و….
أما الآن، في 2009، ففي سورية نساء هن نائبات لرئيس الجمهورية، ووزيرات، وقاضيات، ومحاميات، ومدرسات في الجامعات، ومديرات عامات، ومديرات فروع وأقسام، وصاحبات شركات… فكيف يمكن أصلا تجاهل كل هذا الفرق الهائل عندما يتحدث أحد عن القانون؟ وألا يحق لهذه المرأة اليوم أن يسن قانون يحمي هذا التطور ويدفعه قدما؟ لا أن يخرج علينا مشروع قانون لا يعمل إلا على تعقيد الحياة ودفعها إلى التعصب والإلغاء والتجاهل لكل هذا التطور؟
2- كيف يمكن وصف المادتين 21 و22 من المشروع، أي ما يسمى بدعوى “الحسبة”، حيث يمكن للنيابة ما، أو أي فرد أن يرفع على آخرين دعوى قضائية بهدف فسخ زوجهم، بل وايضا تشكيكا بابوتهم وأمومتهم، إلا بانطلاقة ليس فيها إلى التطرف الواضح والمتشدد والأصولي؟ وربما كانت هناك إمكانية ليرفع محام ما دعوى تحت هذه الذريعة بناء على مواد متفرقة من قانون الأحوال الشخصية المعمول به حاليا (دون أن ننسى أنه وضع عام 1958!)، أما نص المشروع فقد جعلها مشرعة بنص واضح وصريح، وأعطى صلاحيتها لأي كان؟! بل إنه منح رافع الدعوى حصانة مطلقة من عدم حضور الدعوى وعدم تبلغها ووجوب النظر بالدعوى من القاضي.. وهذا يعني ان باب رفع الدعوى فتح على مصراعيه حتى لدعوى النكايات والانتقام!
بل إن المشروع لا يشير من قريب أو بعيد إلى أي عقوبة في حال لم تكن الدعوى صحيحة! فماذا عن كل التشهير والضرر الذي وقع على الزوجين؟ وكيف أصلا يمكن تقرير إن كانت الدعوى صحيحة أم لا؟
3- فيما يخص زواج الطفلات، أو ما سميناه “اغتصاب الطفلات”، أجاز القانون المعمول به حاليا هذا “الزواج” مع شرط وهمي في الحقيقة هو “موافقة القاضي”. لكن المشروع قد أطلق ذلك أيضا باعتبار الموضوع متعلق بصدق ادعاء المراهقين أنهما بلغا!!
وتشهد المحاكم السورية على أن زواج الطفلات لم يكن شيئا آخر سوى اغتصاب بكل معنى الكلمة. في إحدى المحاكم في ريف دمشق، على سبيل المثال، ( وهو أمر مكرر في أرياف أخرى كريف حلب وحمص وغيرها..) عقد رجل عمره نحو 55 سنة، و”تحته” زوجتين، زواجه على فتاة في الثالثة عشرة من عمرها! وقد حضر إلى المحكمة بثياب عمله المليئة بالشحم. وحين سأله كاتب المحكمة عن عمله ودخله قال: ميكانيكي وأحصل على 15 ألف شهريا. أبدى الكاتب استغرابه كيف يغطي تكاليف اسرتين بهذا المبلغ حتى يتزوج بثالثة؟ فامتعض “الزوج” كما لو كان هذا شأن لا علاقة للمحكمة به أصلا! المثير أن والد الطفلة، وهو أصغر من الزوج عمرا، كان يقف بجانبه صامتا بابتسامة صفراء شاحبة. وعندما سأل محامي صادف تواجه الكاتب إن لم يكن من “الحرام” أن يتزوج رجل في هذا العمر طفلة في هذا السن؟ ضحك الكاتب وقال له: إنظر إلى دفتر الزواج لدي لتجد أن أغلب الفتيات في هذه المنطقة يتزوجن في مثل هذا العمر! وما بعده تبدأ تدخل في عمر “العنوسة”! لذلك يبحث الأهل عن أي زوج “ليسترها”.
لكن الواقع أن أغلب هؤلاء الطفلات سوف ينتهين سريعا في بيوت أهاليهن مطلقات. فكيف يمكن أصلا بناء أسرة بين زوج في هذا السن، وطفلة؟ بعد أن “يشبع” منها جسديا، وينجب منها بضعة أولاد، ستكون قد صارت مستهلكة بالنسبة له مثل غيرها!
يحدث هذا في الوقت نفسه الذي نرى فيه المرأة في الأرياف هي قوة العمل الرئيسية. فهي تقوم بكامل العمل المنزلي، وتضيف إلى ذلك عملها في الحقل أو الصناعات المنزلية الريفية (لبن، جبن.. ). وحيث يحدث ذلك يمكننا أن نلاحظ أن عمل المرأة قد فرض درجة احترام للمرأة تفوق ما هو عليه الوضع في الأرياف التي يستأثر الرجل فيها بالانتاج الاقتصادي. الأمر نفسه نلاحظه، طبعا، في المدن. فحيث تعمل المرأة وتنتج يكون لها مشاركة في الأسرة حتى لو كان الرجل “متزمتا”.
قنا أن هذه بعض النقاط السريعة فقط، وهي تدل بوضوح على أن مشروع القانون لا يأخذ حياة الناس بالحسبان، وطبعا هو لا يساعدهم على التطور والتطوير، بل يدفعهم دفعا إلى الوراء.
والقانون ليس نصا ميتا. بل له دور في تغيير عقلية وسلوك الناس. فحين يمنع، مثلا، الزواج تحت سن السادسة عشرة، مع عقوبات صارمة وواضحة ومنفذة بجدية حين المخالفة، سنرى أن الناس ستعتمد هذا العمر في ثقافتها اليومية بصفته السن المناسب والمعقول للزواج.
وحين يشرع لهم اغتصاب الطفلات بحجة “البلوغ”، فإنه بالطبع سوف يعتبرون ذلك أمرا جيدا، وسوف يدعم الذين يقومون به اليوم بناء على القانون الحالي!
القانون ليس مجال العقاب فقط، بل هو مجال تنظيم العلاقة بين الناس. وليس صحيحا أنه يقوم فقط بتنظيم ما هو قائم، بل إنه يضع حدودا وضوابط تمنع الرجوع إلى الوراء، وتساعد على التقدم إلى الأمام. من هنا فإن أي مشروع لا يأخذ هذا بالحسبان سوف يكون مشروعا مرفوضا وناقض الحياة نفسها..
نساء سورية