لماذا “الأعصاب باردة” في واشنطن والكيان؟
سعد محيو
الهدوء الكامل الذي تتعاطى به واشنطن وتل أبيب مع صخب الانفجار اللبناني، مدعاة للتساؤل والقلق.
في السابق، كان أي تحرك يقوم به “حزب الله”، سواء في لبنان أو فلسطين أو المنطقة، ومهما كان حجمه، يستجلب بيانات غاضبة من الإدارة الأمريكية ضد سوريا وإيران، وتهديدات صاخبة من الحكومة “الإسرائيلية” ضد لبنان.
الآن، تبدو الأعصاب في العاصمتين مضبوطة وهادئة، برغم أن ما جرى في بيروت يرقى إلى مستوى الإخلال بموازين القوى بين المشروعين الإقليميين الأمريكي والإيراني لمصلحة الثاني.
كل ما خرج من واشنطن خلال الأيام القليلة الماضية، كان بيانات إدانة مقتضبة. وحين نطق مسؤول كبير في الإدارة (يعتقد أنه وزيرة الخارجية رايس)، حرص على عدم ذكر اسمه، وأطلّ على تطورات بيروت وكأنها حدث عادي: فالحرب الأهلية، برأيه (أو رأيها) مستبعدة. وحزب الله لن يتجاوز الخطوط الحمر ليقلب نظام الحكم. وسوريا وإيران لن تصعّدا الموقف لأنهما تخشيان امتداد لهيب الفتنة المذهبية إليهما.
هذا برغم أنه قبل يوم واحد من تسريبات المسؤول، أو المسؤولة، كانت “واشنطن بوست” تنسب إلى مصادر عليا في البيت الأبيض قولها إن تطورات بيروت، وجهت ضربة قوية جديدة لاستراتيجية بوش في الشرق الأوسط التي كانت تراهن على أن الديمقراطية اللبنانية ستكون نموذجاً للشرق الأوسط الجديد، وموقعاً متقدماً في الصراع ضد الشرق الأوسط “القديم” الإيراني السوري.
ما هذا الذي يحدث هنا؟ ثمة تفسيران لا ثالث لهما:
الأول، أن واشنطن، ومعها باريس، ربما تعدان العدة لتحَرك دولي كثيف في مجلس الأمن الدولي وخارجه، يدفع باتجاه التدويل الكامل للأزمة اللبنانية. وإذا ما تطلب الأمر في مرحلة ما سحب القوات الدولية (اليونيفيل) من جنوب لبنان فليكن، طالما أنه قد يعيد خلط الأوراق من جديد في بلاد الأرز لغير صالح حزب الله وسوريا وإيران.
والثاني، أن واشنطن، ومعها هذه المرة تل أبيب ترغبان، بل وربما تسعيان أيضاً، لدفع الأمور إلى المزيد من التدهور في لبنان، وصولاً إلى إغراق حزب الله في حرب أهلية شاملة كوسيلة مثلى لتدميره. الرئيس “الإسرائيلي” كان أول من ألمح إلى هذا الخيار، حين شدد في اليوم الأول لمعارك بيروت على نقطتين تبدوان متلازمتين: “إسرائيل” تعتبر ما يجري “شأناً داخلياً لبنانياً”.. و”تتوقع أن يقود حزب الله لبنان إلى التقسيم وإلى حرب جديدة”.
كلا التفسيرين متكاملان: فالتدويل الخارجي يقود إلى التأزيم الداخلي. والانفجار الداخلي يسَهل التدويل الخارجي. وهذا ما يجعلنا نشعر بقلق مضاعف من سلوكيات الأمريكيين و”الإسرائيليين”. فحين يتصرف خصمك ب “برودة أعصاب” وسط حرارة أحداث لاهبة، سيتعين عليك ليس فقط أن تراجع مواقفك، بل أيضاً أن تتحسس رأسك.
ورأس لبنان، ومعه كل المشرق العربي، على المحك الآن، أو حتى على شفرة المقصلة