خرائــط
ساطع نور الدين
الصورة ليست سوداء كما تبدو. هي لا تزال رمادية: الجميع امام اختبار الفصل بين الكثير من الاساطير التي راجت في الاعوام الثلاثة الماضية، وبين القليل من مظاهر الحكمة التي ابدتها مختلف اطراف الازمة، في الداخل والخارج. السير نحو التسوية ما زال محفوفا بالمخاطر، والوقوع في شرك الحرب الاهلية لا يحتاج إلى جهد كبير.
يقف الجميع الآن على حافة تلك الحرب، وتسببت بجرح عميق لا يندمل في جسد الوطن وفي العلاقة بين طوائفه ومذاهبه، لا سيما على الضفة الاسلامية. كان هناك اجماع محلي على تفادي الانتحار. لكن مثل هذا الاجماع لا يمكن العثور عليه في الخارج، الذي لم يفقد الرغبة بالتسوية، لكنه يكاد يعبر عن اليأس، ويستعد لتحويل لبنان مرة اخرى الى ميدان قتال لا ينتهي الا بانتهاء جميع الازمات الاقليمية الكبرى.
لم يصدر مثل هذا القرار الخارجي بعد. لكن صدوره يعتمد على واحدة من اهم نتائج حرب الايام الستة الماضية، وهي تصدع صورة الجيش اللبناني وقيادته، التي جرى اكتسابها من خلال السير الدقيق والمتوازن بين خطوط التماس السياسية الداخلية، ومن خلال معركة نهر البارد التي عبدت طريق رئاسة الجمهورية امام قائده العماد ميشال سليمان.. لكنها لم تفتحها.
كان الجيش ولا يزال حتى اللحظة عماد المشروع الذي قام في اعقاب الخروج العسكري السوري من لبنان في نيسان العام .2005 لكن التجربة الاخيرة، التي لم تنته بعد، مالت به نحو المعارضة، اكثر بكثير مما كان يستدعيه قرار تفادي المواجهة المباشرة مع قوى امنية وعسكرية توازيه عدة وعددا، واقل بكثير مما كانت تتوقعه الحكومة التي كانت تبحث عن مخرج من قراريها الخاطئين، فلم يأتها من اليرزة الا ما يزيد من صعوبة وضعها وحراجة وضع الموالاة بأسرها.
الفرصة الخارجية لم تقفل بعد امام الجيش وقائده، الذي نجح فقط في حماية بعض الخطوط الحمراء، وتعاون مع الموالاة لتفادي تهديد بعض ضباطه بالاستقالة.. لكنه لم يستعد موقعه المتوازن، وهو لن يستعيده الا اذا اعطاه فريق المعارضة المساحة الجدية للانتشار وتنفيذ قراره الاخير بمنع الظهور المسلح بالقوة، اعتبارا من ساعة الصفر التي حددها، ولم يلاحظها احد من الرأي العام.. وصولا الى فتح المطار الذي كان تسليم المؤسسة العسكرية بإقفاله، مصدرا لخيبة امل كبرى في مختلف العواصم المعنية.
القرار الاميركي والاوروبي والعربي العام هو الآن يقضي بإعادة ترميم صورة الجيش واطلاق خطة جديدة (هي التاسعة او ربما العاشرة من نوعها منذ بدء الحرب الاهلية) لتسليحه وتجهيزه، تتعدى الخطة التي نفذت على عجل في خلال معركة نهر البارد.. واختبار رد فعل حزب الله وحلفائه في الداخل والخارج. فإذا جرى التجاوب، قضي الامر، وإذا جرى التعارض، فإنه لا يبقى هناك من بديل سوى اعادة دراسة خرائط الانتشار الامنية الداخلية، التي تخضع هذه الايام لمراقبة دقيقة في غرف عمليات مختلف العواصم المعنية.