كتاب صدر 1919 كشف سلبياتها وإيجابياتها: حكومة محمد علي باشا في سوريا
محمد الحمامصي
محمد الحمامصي: صدر هذا الكتاب “إبراهيم باشا في سوريا” عام 1919 من المطبعة العالمية ليوسف ببيروت، وتم إعادة طبعه ليصدر هذا الأسبوع عن دار الشروق بتقديم ودراسة ومراجعة وتعليق د.لطيفة محمد سالم وتصدير للراحل المؤرخ الكبير يونان لبيب رزق، والكتاب كما أشير على غلافه الأصلي “هو تاريخ بدء النهضة الحديثة في الشرق الأدنى وأحوال سوريا في عهد محمد علي وثورات السوريين ودروز حوران على حكومته وصفحة من تاريخ المسألة الشرقية ومطامع دول أوروبا في البلاد العثمانية”، والكتاب في إطار هذه الكلمات يتناول نشأة محمد على وتربيته وقدومه إلي مصر، والأوضاع فيها وصراعه مع المماليك وخطته في تولي منصب الولاية، وموقف الدولة العثمانية وإجماع الجند والعلماء والأعيان على تنصيبه حاكما وتوله ذلك، ثم يتتبع الأحداث في بداية حكمه وحملة فريزر على مصر 1807 والحملة المصرية على شبه الجزيرة العربية “1811 ـ 1818” لإسقاط الوهابيين، وصفات محمد على وحملة السودان والسياسة وما تطلبت من التزامات، وحملة المورة والحصول على تكريت، والخبرة التي اكتسبها إبراهيم باشا عن العثمانيين في هذه الحملة.
ثم يتطرق إلي طموح محمد على في التوسع والاستيلاء على سوريا، ويوضح الروابط بين مصر وسوريا ورغبة محمد على في الاستيلاء على سوريا منذ عام 1810 والعقبات أمام ذلك، ويستمر الكتاب في طرح قضاياه دون أن يترك حدثا مهما في تلك الفترة خاصة بالشام وسوريا تحديدا إلا تطرق لها.
ومما يستلفت الانتباه في مجمل الكتاب هو القيادة العسكرية العظيمة إذا شئنا القول لإبراهيم باشا، وحسن تنظيم وتدريب وحيوية وحركة وتفوق الجيش المصري، أكد ذلك انتصاراته في المعاركة التي خاضها للاستيلاء على سوريا وانتصاره بشكل خاص في موقعة حمص وموقعة ببلان على الجيش العثماني، ويرى المؤلف أن انتصار إبراهيم باشا في موقعة قونية أعظم انتصار ناله منذ ابتداء زحفه على سوريا وكانت خسائر الجيش العثماني في هذه الموقعة ثلاثة آلاف قتيل وعشرة آلاف أسير واثنين وتسعين مدفعا، أما جيش إبراهيم باشا فبلغت خسائره مائتين واثنين وستين قتيلا وخمسمائة وثلاثين جريحا، وكان لهذا الانتصار دوي عظيم في جميع أنحاء السلطنة العثمانية وخصوصا في بلاد الأنضول، حيث قدم من أنحائها المختلفة الوفود لتقديم خضوعهم لإبراهيم باشا.
ويقول المؤلف: لو شاء حينئذ ـ يقصد إبراهيم باشا ـ لاستولى على ما بقي من البلاد بدون قتال، ولو واصل الزحف إلي الآستانة لما لقي في طريقه مقاومة.
يقول المؤلف: وبعد وصوله ـ يقصد إبراهيم باشا ـ جعلها قاعدة الحكم، ونظم الإدارة فيها على النمط المتبع في مصر، وأقام أحمد بك اليوسف متسلما عليها، ورتب ديوان حكم مؤلفا من عشرين عينا من أعيان دمشق سماه ديوان المشورة، وجعل فيه أعضاء تنوب عن النصارى واليهود، وكان هذا المجلس ينظر في دعاوى الرعية والحكومة، وبطل حكم رجال السراى، ومما فعله في دمشق تعيين النصارى في وظائف الحكومة والسماح لهم بركوب الخيل، وكان ذلك محظورا عليهم سابقا، ومن التدابير التي قام بها في دمشق ضبط الأمن ضبطا تاما، وإقامة المخافر العديدة لرجال الحفظ، ووضع حامية مؤلفة من ثلاثة آلاف ومائتي رجل من الجند النظامي، وولى مؤقتا إبراهيم باشا الصغير.
ويؤكد المؤلف أن استيلاء إبراهيم باشا على دمشق ذات الأهمية الدينية والسياسية بعد استيلائه على البلاد الساحلية والجبلية، جعل في قبضة يده أكثر البلدان السورية أهمية من مختلف الوجوه.
وكما يرصد المؤلف ما أدخلته حكومة محمد علي من تشكيل إداري جديد للحكم، يرصد أيضا لمظالم هذه الحكومة والتي من أهمها أوامر محمد على إلي ولده إبراهيم في أوائل 1834 وأوجبت إجراء:
أولا احتكار الحرير في البلاد السورية
ثانيا تحصيل “الفردة” أي فريضة الرؤوس من جميع الرجال على اختلاف مذاهبهم.
ثالثا التجنيد في البلاد الساحلية
رابعا نزع السلاح من أيدي أهل البلاد.
ومع زيادة المظالم بدأت الثورات ثورة فلسطين، ثورة صفد ونابلس والكرك والسلط واضطرابات الشام وطرابلس وعكا وصافيتا والحصن وثورة النصيرية وثورة دروز حوران وغير ذلك “فكان ما فقد محمد على من جيشه في محاربة السوريين بسبب تنفيذ قانون التجنيد أكثر بكثير من عدد الذين تمكن من تجنيدهم، وما استولى عليه من أموال السوريين بحق أو بغير حق أنفق أضعافه في محاولة إخضاعهم، وجميع التدابير التي قام بها لإضعاف قوتهم ولد في نفوسهم من الغيظ والغيرة على حقوقهم والمحافظة على كرامتهم وكيانهم ما يزيد على القوى التي سلبها منهم، فأيدوا الثائرين حتى انتهى الأمر بخروج إبراهيم باشا بجنوده وسائر رجال حكومة محمد على من سوريا”
ويفرد المؤلف فصلا خاصا عن تأثير حكومة محمد على في سوريا، فيرى في الجانب الاجتماعي: من التغييرات الاجتماعية التي نشأت عن حكم محمد على في سوريا إطلاق الحرية الدينية، ونشر روح الديمقراطية بالضرب على أيدي الزعماء والمتغلبين ونزع السلطة من أيديهم، وإنشاء العلاقة ما بين الشعب وحكامه مباشرة، وتأليف مجالس مشورة تمثل الشعب بعض التمثيل، ولها حق النظر في الشئون المحلية بعد أن كان النظر في جميع الشئون منوطا بحكام مستبدين..
وعلى الجانب العلمي والأدبي رأى المؤلف أن حكومة محمد على لم تقم بأعمال علمية وأدبية ذات شأن فالمدارس التي أنشأتها قليلة العد والتأثير، وكانت معظم الأوقات مشتغلة بالفتح وتسكين الاضطرابات وإخماد الثورات ومقاومة الدسائس والاعتداءات الخارجية والداخلية، على أن قيامها في سوريا مهد السبيل لنهضة علمية أدبية، لأن تنظيماتها استوجبت اختيار المتنورين لإدارة الأحكام والقيام بالأعمال القضائية والمالية والكتابية وسهلت قدوم الإفرنج مرسلين دينيين وتجار وغيرهم فأنشأت بواسطتهم المدارس، كما أن إرسال بعض الشبان لدراسة الطب في القطر المصري واستخدام بعض السوريين في حكومة محمد علي باشا أنشأ صلة أدبية دائمة بين القطرين.
وأشاد المؤلف بالتأثير الاقتصادي لحكومة محمد علي وكذا التأثير الإداري والسياسي، واختتم كتابه بكلمة أشار فيها إلي أن النزاع بين الدولة العثمانية ومحمد علي أحدث تطورا عظيما في المسألة الشرقية حيث أبرز مطامع الدول الأوروبية فاشتدت المزاحمة بين الروسيه والإنكليز والفرنسيين، ورأى أن الغنم كله من المسألة السورية كان لإنكلترا.