مسؤولة في قسم التواصل مع إعلام الشرق الأوسط بالخارجية الأميركية: لدينا قصة مثيرة لنخبرها للعالم
ارين بالتون قالت لـ «الشرق الأوسط» إن العلاقات الشخصية مع المراسلين أساسية في عملها
واشنطن: مينا العريبي
صباح كل يوم عمل في واشنطن، تنشغل وزارة الخارجية الأميركية بقضايا عدة، من الشؤون القنصلية لرعاياها حول العالم إلى إبرز التطورات في المناطق الساخنة التي تهمها من فنزويلا إلى شمال كوريا، مرورا بأفغانستان والعالم العربي. وبينما ترسل السفارات تقاريرها السياسية حول التطورات على الأرض، تعتبر وسائل الإعلام من أهم وسائل التعرف على الأحداث في العالم. وينشغل قسم خاص في وزارة الخارجية الأميركية بمتابعة الإعلام في الشرق الأوسط من جهة، والتعامل معه وإعطائه المعلومات من جهة أخرى. ارين بالتون، نائبة الناطق لإعلام الشرق الأوسط في مكتب شؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأميركية، واحدة من بين مسؤوليْن في الوزارة مختصين بالتعاطي مع الإعلام في الشرق الأوسط، وهي من أهم مصادر المعلومات للإعلاميين من الشرق الأوسط في واشنطن. وتعمل بالتون في «وحدة الشرق الأوسط» التي تتعامل مباشرة مع ممثلي الإعلام من منطقة الشرق الأوسط. وهي من بين اثنين من الدبلوماسيين الذين تخصصهم وزارة الخارجية الأميركية لهذه المهمة، بالإضافة إلى أن الوحدة عادة تستضيف دبلوماسيا آخر من إحدى الدول الأوروبية التي تتعامل معها وزارة الخارجية الأميركية ولديها برنامج تبادل الدبلوماسيين للتعاون بين البلدين، ومن المتوقع أن يلتحق قريبا دبلوماسي فرنسي للوحدة يجيد العربية. كما أن الوحدة عادة تستقبل المتدربين من طلاب دراسات جامعية متعلقة بالشرق الأوسط في الجامعات الأميركية، خاصة في موسم الصيف. وهناك ترتيب دقيق في من هو مخول في الخارجية للحديث مع الإعلاميين، بالطبع مسموح للمسؤولين رفيعي المستوى بالتصريح، مثل وزيرة الخارجية ونائبها ومساعديها، لكن في غالبية الوقت المسؤول عن التصريح للإعلام هو الناطق باسم الخارجية إيان كيلي ومساعد وزيرة الخارجية للشؤون العامة بي جي كرولي. وقالت بالتون: «الناطق يشرف على عملنا، كما أن لدينا مدير خاص ينسق معنا بالإضافة إلى التنسيق مع الدبلوماسية العامة». وتبدأ بالتون عملها من الصباح الباكر، وعادة من السابعة صباحا، بمراجعة ما ترسله السفارات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط والسفارة في لندن حول أبرز ما ورد في وسائل الإعلام العربي بين وسائل الإعلام المحلية والدولية، ثم تنتبه إلى القضايا التي من الممكن أن تطرح في أسئلة الصحافيين خلال ذلك اليوم المحدد. وقالت بالتون لـ«الشرق الأوسط»: «فرق الوقت يؤثر علينا، فعلينا التعامل مع فرق توقيت بين 7 و8 ساعات مع المنطقة، فنستيقظ ولا نعلم ما قد تطور في الشرق الأوسط وأصبح قصة أساسية ونقضي النهار نعالجه». وخلال النهار «علينا أن نخصص وقتا لمتابعة الأمور، مثل إعطاء المقابلات، والتحضير لزيارات المسؤولين من المنطقة إلى واشنطن، بدلا من ملاحقة الخبر المعين فقط الذي يتصدر الصفحات الأولى في يوم معين». وخلال أقل من شهرين منذ استلامها وظيفتها بعد إنهائها مهامها في السعودية، حيث كانت تعمل في السفارة الأميركية في الرياض، اعتادت ارين على وتيرة العمل المزدحمة بالأحداث، خاصة في ما يخص الشرق الأوسط. واعتبرت بالتون أن «التحدي الأكبر لنا هو أن نقدم الأخبار بطريقة إيجابية، فمع دائرة الأخبار المتواصلة من السهل أن نكون دائما في حالة الرد فقط على الأخبار، الرد على خبر جديد أو آخر أزمة، لكن لدينا قصة قوية وجاذبة لنخبرها للعالم، خاصة مع الإدارة الجديدة برئاسة باراك أوباما». وأضافت: «من جهود السلام الشامل إلى تأييد الحكومة العراقية الجديدة وإرسال سفير جديد إلى سورية، لدينا قصة مثيرة يجب أن نحكيها، بدلا من أن ننتظر اندلاع أزمة للرد عليها فقط». وتحدثت بالتون، التي تعتبر مراقبة التطورات في الإعلام العربي من واجباتها، عن شعورها بالتفاؤل في ما يخص الإعلام العربي. وقالت: «أشعر بالتفاؤل للتطور في الإعلام، هناك مراسلون موهوبون وأذكياء جدا في المنطقة، واعتقد أننا سنرى البيئة الإعلامية تتقوى في المنطقة». ولكنها أردفت قائلة: «بالطبع، هناك مناطق لا توجد فيها حريات إعلامية بالدرجة التي نريدها، وأحد أهداف وزارة الخارجية هي دعم الإعلام الحر والمستقل وحرية التعبير، وبالطبع سنواصل ذلك، ولكن التطورات الإجمالية متفائلة».
ولدى الخارجية الأميركية برامج خاصة لاستضافة الصحافيين في الولايات المتحدة، يشارك فيها العشرات من الصحافيين سنويا من مختلف أنحاء العالم. وقالت بالتون إن «سفاراتنا تختار الصحافيين المناسبين لهذه البرامج لأنهم يعملون معهم بشكل يومي، وتختارهم بناء على عوامل عدة، إما أنهم الأكثر نشاطا، أو أنهم لم يأتوا إلى الولايات المتحدة من قبل، وستكون فرصة جيدة لهم للتعرف على كيفية اتخاذ القرار في الولايات المتحدة والحياة العامة في الولايات المتحدة». وأضافت: «نحن بالطبع ندعم هذه البرامج، وهناك برامج عدة، مثل «برنامج الضيف الدولي» الذي يجول الولايات المتحدة مع عدد من الصحافيين، كما أن هناك برامج لاستضافة عدد من المراسلين من دولة واحدة، بالإضافة إلى برامج خاصة في معاهد خاصة مهمة هنا».
وتهتم الإدارة الأميركية الجديدة بشكل ملحوظ بـ«الإعلام الجديد»، وهو مصطلح يشير إلى وسائل الإعلام المعتمدة بالدرجة الأولى على الإنترنت، بالإضافة إلى المواقع الإلكترونية للتواصل مثل «تويتر» و«فيس بوك» ويعتمد القراء عليها لتناقل الأخبار بشكل مباشر. ولفتت بالتون إلى أن: «من القضايا التي نراقبها هي كيفية التعامل مع المدونين على الإنترنت وكيف يتماشى الإعلام الجديد مع وسائل الإعلام الأكثر تقليدية وكيف يمكن لنا أن نتواصل معها بطرق جديدة». وهناك تساؤلات حول اهتمام الإدارة الأميركية المتزايد بـ«الإعلام الجديد» على حساب الإعلام التقليدي، خاصة الصحافة المكتوبة، لا سيما أن ذلك قد لا يعكس حقيقة الواقع في العالم العربي، حيث إن نسبة مستخدمي مواقع مثل «تويتر» و«فيس بوك» تشكل أقلية بسيطة، فآخر الإحصاءات تشير إلى أن 8.3 في المائة فقط من مستخدمي «فيس بوك» هم من العالم العربي.
وأجابت بالتون على ذلك قائلة: «كل من الصحافة المكتوبة والتلفزيون وسيلة مهمة وستبقى مهمة مستقبلا بالنسبة لعملنا، ونحن نعمل بشكل وثيق مع المراسلين في الصحف المكتوبة المحلية في المنطقة يوميا لأنهم هم الذين يكتبون عن قصصنا والأحداث التي تهمنا، كما أننا نتعامل مع قنوات التلفزيون لأهميتها في المنطقة ولنا، ولكن يجب ألا نقلل من شأن الإعلام الجديد الذي يسمح لنا بالتواصل مع فئات أخرى لا نصلها تقليديا». ومن مسؤوليات بالتون اتخاذ قرارات حول منح المقابلات مع المسؤولين الأميركيين للإعلام. وشرحت بالتون أن «من أهم أهدافنا أن نقول نعم دائما للجميع، ولكن لا نستطع أن نفعل ذلك دائما، فعلى سبيل المثال؛ الجميع يريد أن يقابل وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، ولكن ليس من الممكن أن نمنح كل تلك المقابلات، فنقترح مساعد وزيرة الخارجية أو نائب مساعدها، أو حتى دبلوماسيا يتعامل مباشرة مع القضايا التي تهم وسيلة الإعلام المحددة». واعتبرت أن جزءا من مهامها هو «تثقيف الصحافي حول ما يمكن أن يفيده بشكل أكثر، فالكل يعتبر أنه الأهم وعليه أن يحصل على المقابلة مع الوزيرة، ولكن نثقفهم بأن مدير دائرة معين في الخارجية قد يعطيهم معلومات مفصلة ودقيقة حول ما يريدون أكثر من الرغبة فقط بالحصول على مقابلة مع وزيرة الخارجية». وأردفت قائلة وهي تضحك: «طبعا لا يعني ذلك أن مقابلة مع وزيرة الخارجية ليست مهمة، لكن ما أقوله إنه من الضروري الالتفات لمسؤولين آخرين». وتعتبر بالتون أن العلاقة الشخصية مع الصحافيين أساسية في عملها، إذا كانت للفت نظره إلى إمكانية إجراء مقابلة مع مسؤول معين، أو لكسب الثقة المتبادلة بينهما للعمل معا على قضايا حساسة، خاصة في ما يخص العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط. وفي ما يخص الحديث مع الصحافيين بشكل غير رسمي أو إعطاء معلومات يجب ألا يستخدمها المراسل بشكل مباشر في كتابته، قالت بالتون: «جزء من ذلك يعتمد على التواصل الشخصي مع المراسل من أجل بناء الثقة والراحة لتبادل المعلومات». وأضافت: «الجزء الآخر يعتمد على خبرة الصحافي وتجربته في هذا المجال، فإذا كان هناك شخص جديد وليست لديه خبرة سابقة أو علاقة معنا، أشعر أنه قد لا يفهم القوانين المفهومة في هذا المجال، وجزء من عملي شرح ذلك له». وعبرت بالتون عن سعادتها بأنه «حتى الآن لم أمر بتجربة سيئة من حيث كسر الثقة وأن ينشر أحد أمرا يجب ألا ينشره، بل بالتأكيد نحن نشخى من ذلك». وتابعت: «الأمر كله يعتمد على العلاقات وبناء الثقة، ولكن ذلك طريق متبادل، وعلى الطرفين أن يراعوا ذلك». وتتحدث بالتون بحماس واندفاع في ما يخص عملها، قائلة: «لدي أفضل وظيفة»، موضحة أن أفضل ما في عملها «التعامل مع الجميع وكل القضايا المهمة». ولكن في الوقت نفسه، هناك مصاعب عدة في عملها، على رأسها أن «علينا أن نبقى على تواصل مع الأخبار دوما، ومع جهاز (البلاك بري). من المستحيل الانقطاع عنها، حتى وإن أردت أن ارتاح خارج العمل، من المستحيل مقاومة الرغبة في متابعة الأخبار». وأضافت: «لا يمكن أن نتأخر عن متابعة الأخبار، لأنه يبقى علينا أن نلاحق الأخبار. وهذه هي طبيعة عملنا»، موضحة: «المهم التوصل إلى توازن بين الحياة العملية ووقت الراحة». وعادة ما تنهي بالتون عملها في الساعة السابعة مساء، إلا إذا كانت هناك استثناءات في الأحداث، حيث «يكون الوقت في الشرق الأوسط بعد منتصف الليل وتهدأ الأمور قبل أن تشرق الشمس مجددا هناك».
الشرق الأوسط