‘الشام العدية’ والدراما الكيدية!
محمد منصور
يتحدث الكثير من الفنانين عن مشاريعهم الفنية في وسائل الإعلام بكثير من الجدية… بل والقدسية أحياناً! ويصورون عملية التحضير لها ثم دراستها وتصويرها، وكأنها سلسلة من معاناة المخاض والولادة فيها الكثير من الجد والتعب والقلق والاجتهاد، وثمة الكثير من المشاهدين البسطاء والسذج يصدقون هذا الكلام، لكن من يعرف تقاليد العمل السائدة في الوسط الفني في السنوات الأخيرة وخصوصاً لدى الممثلين النجوم، سوف يشعر بكثير من الاستخفاف إزاء اصطناع الجدية في الحديث عن المشاريع الفنية، وسوف يبتسم في سره بالتأكيد وهو يستعيد صورة هذا النجم أو ذاك، من الذين يصلون إلى موقع التصوير بعد ساعتين أو أكثر من موعد دوران الكاميرا، دون أي شعور بالخجل من زملائهم أو من المخرج، ودون أي حرج تالياً- من أن آثار سكْرة الأمس عالقة على قسمات وجوههم بوضوح، ولا من أنه يأتون وهم لا يحفظون أي كلمة من المشاهد التي سيصورونها… وعندما )يعكّون( ويتلكأون أثناء التصوير بسبب عدم الجاهزية وحفظ الحوار، ينتظرون أي فني صغير أو منفذ إنتاج مسكين على غلطة صغيرة أو كلمة عابرة، كي يختلقوا مشكلة ويتذرعوا بأن مزاجهم قد تعكر!!
أسوق هذه المقدمة التي لا تنطبق على فنان بعينه، بقدر ما تمثل سلوك كثير من النجوم اليوم… كي أتحدث عن الطريقة التي تُسلق بها الكثير من الأعمال الفنية، والتي تلعب فيها نزعات النجوم الأنانية، دوراً في فبركتها وإظهارها على النحو الذي يخدم الصورة التي يحبون أن يظهروا بها، لا القضية التي يفترض أن يؤمنوا بها، أو يتفانوا في خدمة العمل الفني واحترام تقاليده من أجلها.. وهو ما يحدث على سبيل المثال لا الحصر- في دراما البيئة الشامية التي أخذت منحى كيدياً هذا العام، بعد خروج سامر المصري (العكيد أبو شهاب) من الجزء الرابع من مسلسل (باب الحارة) جراء ظهوره في إعلان تجاري بثياب الشخصية الدرامية نفسها!
ومن المعروف أن سامر المصري كان مشاركاً في الجزء الثاني من مسلسل (بيت جدي) قبل أن تحدث مشكلة استبعاده من (باب الحارة-4) لكن خروجه من هذا العمل الأخير، نحا بمشاركته في (بيت جدي) منحى آخر، إذ سرعان ما أعلن حينها، أنه سيقوم ببطولة مسلسل جديد يصور أجواء الشام الحقيقية اسمه (الشام العدية)، إلا أن هذا الإعلان لم يكن سوى محاولة للعب بأعصاب من أخرجوه من (باب الحارة) فالمسلسل لم يكن جديداً، ولم يكن هناك وقت لكتابة نص مسلسل جديد ورمضان على بعد شهرين أو ثلاثة من بداية الموسم، وإنما هو الجزء الثاني من مسلسل (بيت جدي) للكاتب مروان قاووق، كما جاء على شارة المسلسل نفسها، بخط صغير حاول ألا يقطع الصلة بالجزء الأول نهائياً، كي لا يخسر بالمقابل مشاهدي ذلك الجزء من المسلسل!
وقد فرّط (بيت جدي) بشارته المميزة والناجحة التي ترسخت في وجدان من أحبوا الجزء الأول، من أجل أن يبتكر شارة جديدة بصوت عاصي الحلاني، تحاول أن توحي أننا أمام عمل جديد يكيد الأعادي، فوقع العمل فيما وقع فيه الغراب الذي حاول أن يتعلم الغناء، ولو أن الأمر اقتصر على الشارة لهان ومر بسلام، واعتبر الأمر هامشياً وثانوياً، لكن الخلل شمل دراما المسلسل كلها، فقد خسر (بيت جدي) القصة الشعبية التي كانت باستطاعتها أن تمتع، وأن تسير وفق خطوط واضحة لا تخلو من جذب وتشويق في الجزء الأول، من أجل دراما عنتريات تحاول أن تزاود على (باب الحارة) في استعراض قيم الرجولة والشهامة، وتضخيم بطولة الأبطال… دون إيجاد الأرضية المناسبة لذلك… ومن هنا جاء المشهد الافتتاحي للمسلسل، ليحاول أن يسوق البطولة الخارقة لسامر المصري أو (أبي حجاز) في (الشام العدية) فأصبح هذا المشهد الاستعراضي الذي لا ينزل (لا بميزان ولا بقبان) كما يقول أهل الشام، مثالا للتندر والاستهجان في آن معاً… التندر على سذاجة البناء والتنفيذ، والاستهجان من الاستهانة بعقل المشاهد… حيث نرى مواجهة بين مجموعة ثوار يتمركزون في أرض سهلية فيما يفترض أنها (غوطة دمشق) بلا أي حاجز طبيعي يذكر، وعلى بعد أمتار معدودة قبالتهم تنتشر كتيبة من الجنود… وتنفذ ذخيرة الثوار، ويشعر الجنود بذلك، إلا أن (أبا حجاز) يأتي على فرسه في الوقت المناسب ليستعرض قده المياس أمامهم، ويُطلق عليه النار الكثيف وهو يتبختر في أرض مكشوفة تماماً، لكنه لا يصاب بأي أذى… وفوق ذلك يطلب من رجاله الثائرين، أن ينهضوا وينقضوا على الجنود (بالشباري والشنتيانات يا رجال) ويمتثل الثوار لأمر زعيمهم القادم من بطولات (باب الحارة) ورغم أن بإمكان الجنود أن يحصدوهم بسهولة متناهية، بسبب علمهم بنفاذ ذخيرتهم وعدم وجود عوائق في وجههم، لكن لأن (الشام العدية الله حاميها) تحدث المعجزة، وينتصر الرجال العزل المكشوفون أمام أعدائهم، على أولئك الفجرة الكفرة المدججين بالذخيرة، فلا يكون من قائد الكتيبة إلا أن يأمر جنوده بالانسحاب مذموماً مدحوراً!
إن هذه العقلية العنترية التي كان همها تضخيم بطولات (أبو حجاز) كي يكيد صناع (باب الحارة) ويسحب الجمهور من أمام شاشته، لم تستطع أن تقنع أحداً… ولم تستطع المواعظ الأخلاقية الاستعراضية عن الشام ورجال الشام، أن تجعل لهذه الدراما مكانة خاصة، تستمد نجاحها من حضور النجم سامر المصري، ومحاولة تقوية الشخصية البطولية التي يؤديها هنا بأي شكل من الأشكال… ومن الطبيعي أن يصبح المسلسل مسرحاً للعبث والارتجال، في ظل غياب شخصية حقيقية لمؤلف النص، فالكاتب محمد مروان قاووق يقبل بأي إضافة، ولا يستطيع أن يعترض على تحويل أي مسار، وهذا الأمر ليس جديداً عليه، فقد كان يحدث عندما كان كاتباً لمسلسل (باب الحارة) من قبل، وسيحدث في (بيت جدي) حتى وهو يرى اسم العمل يتم تغييره لأن نجماً قادماً على الجزء الثاني يريد أن يكيد خصومه!
وبغض النظر عن كل هذه الاعتبارات، فإن (بيت جدي) لم يستطع أن يحقق أياً من أهدافه، فلا هو سحب البساط من (باب الحارة)، رغم أن هذا العمل يعاني مشاكل حقيقية من داخله أيضاً، ولا هو استطاع أن يكون عملا ناجحاً قادراً على جذب مشاهدي الجزء الأول منه، فبدا هذا الجزء( مفلوشاً) وغير قادر على تقديم معالم واضحة لصراعاته وشخصياته… وهذا باعتقادي أمر طبيعي جداً ما دام العمل نفذ بنوايا كيدية، وتحكم به نجم يسعى للاقتصاص من خصومه، وليس كاتباً يدافع عن نصه بوعي، أو مخرج عنده رؤية درامية كما رأينا على الأقل لدى رشاد كوكش، والمشرف الفني علاء الدين كوكش في الجزء الأول من العمل… وفي النهاية فالعنتريات الفارغة لن تشتري قلوب الدمشقيين كي يروا (شامهم العدية) أقرب في هذا العمل… كما أن الصراع على استعراض قيم أخلاقية بلا بيئة درامية مقنعة، لن تجعل من هذا العمل حاملا حقيقياً لتلك القيم في وجدان مشاهديه، بل سيراها باعتبارها خطابا مبنيا على المزايدة الفجة لا أكثر ولا أقل.
أخيراً… أرجو ألا يظن من قال عنهم المتنبي (إذا ساءَ فعلُ المرء ساءتْ ظنونه) أنني أتحدث عن (الشام العدية) هكذا، لصالح إعلاء قيمة الجزء الرابع من (باب الحارة)… فلهذا العمل أيضاً مشاكل ومآخذ كبيرة سيكون لي حديث آت عنها الأسبوع المقبل، بعد أن نكون قد استكملنا جزءاً أكبر من حلقات العمل ومآسيه… ولكن ما نريد قوله ختاماً أن صورة دمشق التاريخية البالغة الثراء، هي الخاسر الأكبر من هكذا دراما تصنع بتدخل واقتراحات نجوم لا يهمهم سوى شكل حضورهم على حساب أي قضية وأي عمل فني!
‘صبايا’ فن تسفيه الحياة!
استبشرنا خيراً بالكاتبة رنا حريري، عندما تابعنا بعض لوحاتها المميزة في الجزء السادس من (بقعة ضوء) العام الماضي… إلا أن ما قدمته في أولى تجاربها الدرامية الطويلة عبر مسلسل (صبايا) مع المخرج ناجي طعمي، كان مخيباً للآمال حقاً!
مشكلة مسلسل (صبايا) تتلخص في قضيته وهمومه، وهو ينطبق عليه القول المأثور (قل لي ما همومك أقل لك من أنت) فإذا كانت هموم حسناوات المسلسل، استعراض تفاهاتهن وسماجاتهن وميوعتهن، وهن يتوهمن أنهن يبحثن عن العمل والحب ويعشن مشاعر الغيرة والتناحر والتقارب بهذه الطريقة، فإن المسلسل يقول لنا بوضوح ما هو… ومن هو فعلاً!
المخرج ناجي طعمة، لم يكن أقل سعياً من كاتبة المسلسل وبطلاته في تسفيه صورة الفتيات السوريات… وهو لم يتعامل بجدية مع إنجاز بيئة درامية مقنعة لطرح قضايا هؤلاء الصبايا… فليس من المعقول أن فتاة ريفية ليس عندها موبايل تستأجر مع زميلات لها هذا المنزل الفاخر، الذي لا يليق بشبه عاطلات عن العمل، ولا يبدو متناسباً مع مستواهن الاقتصادي إلا إذا كان هدف تقديمهن في صورة تزيينية تبرز وتسوق جمالهن بأبهى حلة وطلة… لغاية في نفس يعقوب!
رفيق السبيعي: ألق الإطلالة الجميلة!
يطل الفنان رفيق السبيعي يومياً في مائدة الإفطار على قناة (الدنيا) السورية الخاصة، من خلال برنامج (حلو الكلام) فيؤكد حضوره الجميل، وقدرته على خطاب تلفزيوني خفيف الظل، وعميق المعاني، وشديد الالتصاق بهموم الناس والوطن.
البرنامج الذي يعده محمد كفرسوساني بمشاركة كتاب آخرين، ويخرجه علي ديوب، يبدو بسيطاً لكنه مشغول بحس فني جيد، وحله الإخراجي عبر استخدام الخلفية الحية للمقهى يغني صورة البرنامج، ويؤكد خصوصيته بحل فني بسيط وجذاب… وهو برنامج يستحق التشجيع والتصفيق، مرة لأنه يقدم لنا الفنان الكبير رفيق السبيعي بصورة تليق به، وأخرى لأن فيه صورة وحلولا فنية وشارة تصنع هوية البرنامج ببساطة آسرة!
ناقد فني من سورية
القدس العربي