مصطفى الخاني: ‘النمس’ شخصية غنية بالتناقضات… والجمهور يتابع ‘باب الحارة’ من غزة الى شيكاغو
أنور بدر
دمشق ‘القدس العربي’ ظهر مصطفى الخاني في أول أدواره الدرامية بدور ‘جحدر’ في مسلسل ‘الزير سالم’ لحاتم علي وكان حينها طالبا في السنة الرابعة للمعهد العالي للفنون المسرحية، الذي تخرج منه عام 2000، وقد عاد إليه مدرساً في العام 2006 إثر عدد من الدورات وورشات العمل في فرنسا، وفي الجامعة الأمريكية في بيروت.
ومع أنه لعب لاحقا الكثير من الأدوار المميزة في الدراما السورية إلا أن البعض ما زال يتذكره في دور ‘جحدر’ بل وينادونه بهذا الاسم، إلى أن ظهر هذا العام بدور ‘النمس’ في الجزء الرابع من مسلسل ‘باب الحارة’، إذ شكل مفاجأة أعادت لهذا المسلسل بعض ألقه الذي افتقده في الجزء الثالث.
يُفاجئك هدوء الخاني وثقافته الفنية وتواضعه أيضاً، ويؤكد أنّ نجاح أي ممثل هو حصيلة عدد من العوامل قد يلعب الحظ دورا فيها، لكنها مجتمعة لا تغني عن الموهبة والثقافة والاجتهاد. كما يعترف أنه دخل المعهد العالي للفنون المسرحية بما يُشبه الصدفة، إذ لم يكن لديه أية تجارب أو حتى رغبات في التمثيل، لكن اجتهاده اللاحق منحه فرصا ثمينة مع المخرج محمد ملص في فيلمه السينمائي ‘فوق الرمل تحت الشمس’، ومع أستاذه حاتم علي في ‘الزير سالم’ ثم في كل من ‘صلاح الدين’ و’ربيع قرطبة’، كما عمل مع المخرج باسل الخطيب في مسلسل ‘هولاكو’ ومع محمد فردوس أتاسي في مسلسلي ‘الوردة الأخيرة- جبران خليل جبران’ وعمل مع محمد بدرخان في ‘الرياح الأبدية’ ومع المخرج طلال محمود في مسلسل ‘قرن الماعز’ وصولا إلى دوره المتميز ‘هرغر’ مع المخرج نجدة أنزور في ‘سقف العالم’.
يعود الخاني إلى المسرح هذا العام مخرجا بعرض ‘سيدة الفجر’ للكاتب الإسباني ‘اليخاندرو كاسونا’ والتي أدرجت في خطة مديرية المسارح والموسيقى للموسم القادم. لكن إطلالته الأكثر تميزا جاءت عبر الشاشة الرمضانية بدور ‘النمس’ في ‘باب الحارة’، كما يتابع تصوير دوره في مسلسل ‘ الأسباط ‘، وقد التقته ‘القدس العربي’ في الحوار التالي:
يبدو أن شخصية ‘النمس’ سوف تطغى على شخصية ‘جحدر’ التي اشتهرت بها؟
ربما يبحث المشاهد عن شخصية غير تقليدية، وربما يعود الأمر لطريقة الاشتغال على الشخصية أو الدور، فأنا لم أستسلم في أي من أدواري للنص المكتوب على الورق، بل كنت أجد من واجبي التقصي عن الشخصية التي ألعبها، وعن ظلالها التاريخية والأنماط الحركية المناسبة لها، في شخصية ‘جحدر’ درست كثيرا حول الحقبة التاريخية، كما اشتغلت كثيرا مع كاتب النص أستاذي الراحل ممدوح عدوان حول هذه الشخصية كي أتمكن من تقديمها بالشكل المطلوب.
أما عن دور ‘النمس’ في الجزء الرابع من ‘باب الحارة’ فربما يكتشف المشاهد أصداء لهذه الشخصية في الأجزاء السابقة، لكنها مبنية بشكل جديد كلياً، وأنا اشتغلت عليها ضمن النص، وبموافقة الكاتب والمخرج، كي لا تكون شخصية أحادية الجانب. إذ حاولت تقديمها بحيث تحمل كل التناقضات التي توجد ضمن أي شخص فينا، فهو شخص يحمل من الطيبة والذكاء والبساطة، بقدر ما يحمل من الخير والشر والطرافة، إنها شخصية غنية بالتناقضات.
ويبقى هذا الدور أو غيره رهن تقييم المشاهدين، فأنا موجود في كل أدواري التي ألعبها، بل أنتمي إليها أو هي تنتمي إلي.
يبدو أن مسلسل ‘باب الحارة’ استعاد جزءا من شعبيته الكبيرة التي فقدها في العام المنصرم، ومع ذلك مازال يتعرض لمزيد من الحملات النقدية؟
لأننا شعوب لا نعرف كيف نستثمر نجاحاتنا، فـ’باب الحارة’ رغم كل ما قيل عنه كان عملا استثنائيا على مستوى الوطن العربي، وحتى بالنسبة للجاليات العربية خارجه، فلماذا لا نقدم جزءاً رابعاً وخامساً وسادساً ما دامت السوية الفنية للعمل مستمرة وتتطوّر؟! ولماذا تُقدِمْ قناة مثل ‘mbc’ على توقيع إنتاج الجزأين الرابع والخامس إن لم يكن الإقبال على مشاهدته يضمن السوق الإعلانية سلفاً!!
دعني أخبرك أننا أثناء تواجدنا في الجزائر والمغرب العربي أو في الخليج اكتشفنا أنّ ‘باب الحارة’ قد صنع حالة في الوطن العربي لم يحققها سابقاً إلا مسلسل ‘رأفت الهجان’ المصري الذي اتكأ على موضوع وطني أو سياسي لتحقيق نجاحه. وقد لفت انتباهي مؤخرا ما كتب عن هذا العمل وعن متابعة الناس له من غزة إلى شيكاغو، وهذه ظاهرة استثنائية في الدراما العربية يجب أن نتوقف عندها قليلا، وأن نحترم رأي الجمهور بدرجة ما.
العمل ضمن شرطه الخاص يعتمد على حكاية بسيطة موظفة في بيئة شعبية، والمخرج لا يستعرض عضلاته الإخراجية، ومع ذلك نجد أنه العمل الأكثر شعبية شئنا أم أبينا، من حيث المشاهدة، حتى أنّ شخصياته أصبحت رموزاً أو مرجعيات في الوطن العربي.
هل يبرر ذلك إنتاج جزء رابع وخامس من هذا العمل؟
في أمريكا والعالم هناك أعمال تلفزيونية مستمرة لعشرات السنوات وأكثر، كما أننا نتابع الأعمال التركية في مئات من الحلقات ونرفض فكرة أن يكون لدينا جزء رابع أو خامس من أهم عمل تلفزيوني سوري؟!
برأيي أنا، طالما أنّ المتلقي يرغب بمتابعة هذا العمل، وطالما أنّ العمل يُحافظ على هذه الشريحة الكبيرة من المشاهدين على مساحة الوطن العربي وخارجه، فإنّ إنتاج جزء رابع وخامس هو مُبرّر فنياً وإنتاجياً، ومن لا يُريد متابعة العمل يمكنه ذلك ببساطة ودون أن يعتبرها قضية مصيرية.
كيف تفسر إذن الخلافات التي نشبت بين أسرة العمل، حيث غادر كاتب النص والعديد من نجومه في الأجزاء الأولى؟
أعتقد أنّ نجاح العمل هو نجاح لكل من عمل أو ساهم فيه، وعلى رأسهم مخرجه ‘بسام الملا’ لأنه مشروعه الفني منذ أخرج ‘ ليالي الصالحية’ و’أيام شامية’، و’الخوالي’ وسواها…. من جهة ثانية، لا شك أنّ غياب أحد العناصر يؤثر على المسلسل، لكن هذا يمكن تداركه دائماً، بدليل أنّ غياب بعض الممثلين المهمين عن العمل لم يؤثر على استمرارية نجاحه.
ومن ثمّ دعني أكشف حقيقة لا يعرفها الكثير من مشاهدي هذا العمل ومن جمهور الدراما، وهي أنّ كاتب السيناريو ‘مروان قاووق’ أول ما قدم النص للمخرج بسام الملا، قدّم له الجزء الثاني فقط، ولكن المخرج بعد قراءته رأى أنّ أغلب الشخصيات تحمل تاريخاً كبيراً يُحكى عنه، فقرّر أن يكون له جزء أول يصوّر هذا التاريخ بدلاً من سرده على المشاهد، وكُتب الجزء الأول بالتعاون بين ‘مروان قاووق’ و’كمال مرّة’، فيما الجزء الثالث كتبه ‘مروان قاووق’ منفرداً ولم يلق النجاح الذي عرفه الجزآن الأول والثاني من العمل، وظهرت بعض الخلافات المهنية بين المخرج وكاتب النص، تمّ حلّها رضائياً وبالاتفاق بين الاثنين لصالح المخرج، الذي أصبح منتجاً منفذاً للعمل في جزئه الرابع، والذي أوكل كتابته إلى ‘كمال مرّة’ الذي شارك في كتابة الجزء الأول كما أشرنا.
ما هي مقومات نجاح الجزء الرابع من هذا العمل؟
صدقني لا أحد يستطيع أن يُفسر نجاح عمل دون آخر، وبشكل خاص عند توفر السوية الفنية للعملين، حتى المخرج يقول: أنا فعلاً لا أعرف بالتحديد أسباب هذا النجاح الاستثنائي للعمل، وبشكل خاص في جزئه الثاني.
أمّا حول الجزء الرابع الذي نتابعه الآن، فأنا أستطيع التأكيد أنه لا يقل أهميّة عن الجزأين الأول والثاني، بدليل ما يلقاه من صدىً شعبياً لا يقل عنهما، ربما بسبب الحالة الثورية التي يتضمنها، فهناك خط ثوري للمقاومة، وهناك عناصر تشويق تشد مشاعر الجمهور، كما وظّف المخرج في هذا الجزء عناصر درامية مهمة كالسيدة ‘منى واصف’، والفنان ‘فائز قزق’، وأنا طبعاً، نأمل أن تشكل هذه الأسماء إضافة مهمة للعمل.
دعنا ننتقل إلى مسلسل ‘الأسباط’ الذي لم ينتهِ حتى الآن تصويره، بسبب ما يعانيه من إشكاليات مع الرقابة؟
لا شك أنّ الفترة التي يتطرق العمل إليها هي فترة إشكالية جداً في التاريخ العربي والإسلامي، حيث نشأت العديد من النزاعات والاتجاهات أو التيارات الفكرية والمذهبية المتصارعة مع بعضها، ولكل منها أتباع وموالين حتى الآن، وما يحدث في لبنان أو العراق من نزاعات طائفية ما هو إلا استمرار للنزاعات التي بدأت في تلك الفترة، فحساسية هذه المرحلة وحساسية الصراعات المستمرة آثارها حتى الآن، تجعل تناول هذا العمل لها بحاجة إلى دقة شديدة كيلا نساهم في توليد حساسيات جديدة.
وقد مُنع تصوير العمل في أكثر من دولة عربية، علماً أنّ العمل أو النص عرض على الكثير من المدققين التاريخيين كالدكتور ‘محمد محفل’ الذي أعطى بعض الملاحظات وتمّ استدراكهــــــا، ثم عرض على أئمة الإفتاء في المنطقة، شيعة وسنة، وحصل على فتوى تجيز تصويره من ‘القرضاوي’ إلى ‘الزحيلي’ و’السيستاني’ ومفتي سورية الشيخ ‘حسين حسون’، أي أنّ العمل مُغطى من الناحية التاريخية، ومُجاز من الناحيتين الدينية والشرعية، فلماذا أثيرت حوله كل هذه الضجـــة؟ وكيف يُمنع وزير الإعلام تصوير عمل تاريخي وقد أجازه مفتي سورية؟ ولا يوجد أي إشكالية سياسية أو دينيــــة أو تاريخية في النص؟!
برأيي أنّ العمل كان تحت رحمة مزاجية الرقيب والتي للأسف ليس لها معايير واضحة، بمعنى عندما يتغير هذا الرقيب كشخص ويأتي آخر محله، يمكن أن يُسمح بالعمل أو بتمريره، وهذا خطأ كبير، لأنه يجب أن يكون هناك فكر مؤسساتي يخضع عمل الرقيب له، وليس فكراً شخصياً للرقيب يُخضع عمل المؤسسة لأهوائه.
فالعمل لم يحاول إثارة النزاعات أو الخلافات بين الطوائف الإسلامية، وإنما أرجع تلك الخلافات وبشكل غير مباشر إلى اليهود، وتدخل عناصر خارجية لإثارة الفتن بين المسلمين.
أنا لن أتكلم كثيراً عن حيادية العمل، ولكنني أستطيع الجزم أنه لم يُسيء لأي من الفئات أو الطوائف، كما سعى إلى مقاربة الحقيقة، وربما نتكلم بتفصيل أكبر بعد عرض العمل، فهو عمل يحترم عقل المشاهد كما يحترم مشاعره الدينية أياً كان انتماؤه.
هل تعتقد أنّ الضجة التي أثيرت حوله، ومنع تصويره في أكثر من دولة عربية يمكن أن يؤثر سلباً على متابعته أثناء العرض؟
بالعكس، أنا أعتقد أنّ هذه الحملة ستكون عامل إيجابي لصالح العمل، فالضجة الإعلامية التي أثيرت حوله منذ عام تقريباً ولا زالت، ومنعه من التصوير في أكثر من دولة عربية، وهذه سابقة في الأعمال التاريخية، ستشكل بمجملها دعاية مجانية لصالح متابعة العمل.
وحتى لو امتنعت بعض الفضائيات عن تقديمه، لكن الآن هناك عدد من أهم الفضائيات العربية تتسابق على شراء حقوق العرض حصرياً، مع العلم أن تصوير العمل لم ينته بعد.
ماذا عن دورك في هذا العمل؟
ألعب في هذا المسلسل دور ‘الخراص’ وهي شخصية أساسية، عملت مع ‘ابن سبأ’ جهاد سعد، وهو محرك الأحداث… والشخصية حساسة جداً، لذلك لن أتكلم عنها، أفضل تأجيل الحديث حولها لما بعد العرض، حتى أتمكن من نقل ما حاولت هذه الشخصية أن تقدمه أو تقوله للمشاهد أو المتلقي.
القدس العربي