هل من طريقة لحفظ “الكتب” سالمة؟
نشرت مجلة “الكتب ـ وجهات نظر” (عدد أيلول 2009) مقالة للكاتب الايطالي أمبرتو إيكو. منها نقتطف:
تم التطرق خلال اليوم الختامي لورشة عمل خاصة ببائعي الكتب نُظمت حديثاً في البندقية (ايطاليا) الى الطابع العابر لوسائل حفظ البيانات. وشملت الأساليب المستخدمة لحفظ المعلومات البلاطات الحجرية، والواح الطين وورق البردى والبرشمان الى جانب الكتب المطبوعة بطبيعة الحال. وقد نجح العديد من هذه الكتب في الصمود طوال السنوات الخمسمائة الأخيرة، لكنها اقتصرت على المراجع المصنوعة من ورق الخرق.
في اواسط القرن التاسع عشر، لجأ المصنعون الى الورق المصنوع من لب الخشب الذي يبدو انه يدوم لسبعين سنة كحد اقصى. (حاولوا مسك صحف او كتب تعود الى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ولاحظوا كيف يتفتت العديد من أوراقها بين أيديكم لدى قلب صفحاتها). لذا، يقدم عدد من الخبراء منذ فترة على عقد المؤتمرات ودراسة الاساليب والوسائل المختلفة لتفادي تلف الكتب الموجودة في مكتباتنا. وتقضي احدى الافكار الاكثر شيوعاً (رغم شبه استحالة تطبيقها على الكتب كافة) بمسح جميع الصفحات ونقلها الى جهاز الكتروني.
غير ان هذا الامر يؤدي الى مشكلة اخرى، ذلك لأن كل الوسائل المعتمدة لنقل المعلومات وحفظها، من الصور الفوتوغرافية الى بكرات الافلام والاقراص ومحركات الاقراص، هي اكثر قابلية للتلف مقارنة بالكتب. ويدرك معظم الناس اليوم السيئات التي ينطوي عليها بعض الاساليب القديمة لحفظ البيانات فعلى سبيل المثال كلنا نعلم ان بعد فترة من الوقت يلتوي الشريط الموجود داخل الأشرطة الصوتية وعلينامحاولة تحريك البكرة بواسطة قلم لتشغيلها مجدداً علماً ان هذه المحاولات تبوء غالباً بالفشل.
اما شائط الفيديو فتخسر بسهولة لونها ووضوحها واذا تم استعمالها بصورة متكررة اي اذا كان مستخدمها مثلاُ يضغط باستمرار على زري الترجيع والتقديم السريع ـ تتلف هذه الشرائط بسرعة.
الى جانب ذلك يدرك العديد من الناس بحكم الوقت الذي مر على دخول الاسطوانات المصنوعة من الفينيل الى السوق المدة التي يمكن الاستماع فيها الى هذه الاسطوانات قبل ان تصبح مخدوشة لدرجة تحول دون استخدامها، الا انه لم يتوفر لنا حتى الآن الوقت الكافي للتحقق من مدة استخدام الاقراص المدمجة لانها سحبت بسرعة من السوق عندما بات من الممكن الولوج الى المعلومات عينها عبر شبكة الانترنت بتكلفة اقل وذلك رغم الترحيب الذي لاقته هذه الاقراص باعتبارها اختراعاً يمكن الاعتماد عليه لحفظ المعلومات المتضمنة في الكتب، كذلك، نجهل الى اي مدى يمكن لاقراص الفيديو الرقمية المعروفة بالـ “دي في دي” ان تدوم، لكن ما نعرفه بالتأكيد هو ان هذه الاقراص تعمل في بعض الاحيان بصورة غريبة اذا ما استخدمناها لفترة طويلة. ولم يتوفر لنا ايضاَ الوقت لمعرفة طول مدة استخدام الاقراص المرنة كونها استبدلت بسرعة كبيرة بالاقراص الصلبة، ومن ثم بالاقراص القابلة لاعادة التسجيل التي استبدلت بدورها بمحركات الاقراص.
تزامن زوال هذه الوسائل القديمة الطراز لحفظ البيانات مع زوال الحواسيب المجهزة لقراءتها. وبالفعل، ثمة القليل القليل من الناس الذين لا يزال لديهم اليوم حواسيب مزودة بفتحات مخصصة للأقراص المرنة.
وبالتالي، اذا لم تعمدوا الى نقل جميع البيانات المسجلة على الأجهزة القديمة الى الانواع الجديدة منها كل سنتين أو ثلاث سنوات، والى ما لا نهاية على الارجح فلا شك في انكم ستخسرون هذه البيانات الى الأبد، الا اذا كنتم قد كدستم في سرداب منزلكم عشرات الحواسيب القديمة الطراز بواقع حاسوب واحد لكل جهاز مخصص لحفظ المعلومات.
اخيراً، تكفي نبضة كهربائية واحدة او سقوط صاعقة في الحديقة او غيرهما من الاحداث العادية التي قد نشهدها في حياتنا اليومية لإزالة مغنطة كل نوع تقريباً من انواع الأجهزة الالكترونية لحفظ البيانات. واذا دام انقطاع الكهرباء لفترة طويلة، لا يعود باستطاعتي الولوج الى اي من ملفاتي. واذا سقط حاسوبي او كتابي الالكتروني من الطابق الخامس، فمن المؤكد حتماً انني سأخسر كل البيانات المتضمنة فيه. لكن اذا سقط كتاب عادي من العلو نفسه؛ فأسوأ من يمكن ان يحدث هو تمزقه.
وعليه يبدو ان الوسائل الحديثة لحفظ البيانات قد استحدثت لنشر المعلومات اكثر منه لحفظها.