صفحات سورية

البيضة أولاً أم الدجاجة؟

null


ترجمة وإعداد: بكر صدقي

باسكن أوران

يومية الراديكال السياسية التركية، ملحق يوم الأحد 25/5/2008

مقدمة:

باسكن أوران هو أستاذ علم الاجتماع في جامعة اسطنبول، مفكر ماركسي له العديد من المؤلفات، ويكتب مقالة أسبوعية في جريدة الراديكال، يتناول في كتاباته مختلف شؤون بلاده بموقف نقدي راديكالي، شارك في الانتخابات العامة الأخيرة، صيف 2007، كمرشح مستقل عن مدينة اسطنبول، وتوقع له المراقبون فوزاً كبيراً في دائرته الانتخابية، لكن منافسة مرشح آخر عن حزب المجتمع الديموقراطي (كردي) له على المقعد نفسه، أدت إلى خسارتهما معاً، لأن الأصوات توزعت بينهما. يوصف البروفسور أوران، وهو تركي من إزمير، بأنه “المدافع عن حقوق الأكراد بأفضل مما يمكن أن يفعله الأكراد أنفسهم” الأمر الذي سنرى نموذجاً عنه في المقالة المترجمة أدناه. إلى ذلك يقوم أوران بدور بارز في ميدان حقوق الإنسان، وقد شارك زميلاً له في إصدار كتاب عن حقوق الأقليات القومية والدينية في تركيا، كان سبباً لمحاكمته بموجب المادة 301 سيئة الصيت من قانون العقوبات التي تجرّم “إهانة الهوية القومية التركية وبعض المؤسسات الرسمية”. باسكن أوران له رأي لافت في العلمانية المطبقة في بلده تركيا، فيقول إنها حكم نخبة ضيقة يرمز لها بتعبير “للاهاسوموت” وهي تجميع للأحرف الأولى لـ”العلمانيين الأتراك المسلمين السنة من المذهب الحنفي”. إن مواطني الجمهورية التركية ممن يبقون خارج التصنيف الفئوي المشار إليه مهمشون اقتصادياً وسياسياً، في نظام يدعي التشدد في علمانيته. وفقاً لباسكن أوران، ما تزال مناصب الدولة، بما فيها مناصب متدنية من نوع مدير ناحية، خارج متناول أي مواطن مسيحي أو كردي أو علوي أو سني شافعي، على سبيل المثال.

تعني كلمة “إعداد” أعلاه، تدخلات محدودة من المترجم لتوضيح بعض إحالات الكاتب مما قد يصعب فهمه على قارئ من خارج تركيا. فيما عدا ذلك تم التقيد عموماً بالنص الأصلي.

…………………………………………………….

النص:

* قال رئيس الكتلة البرلمانية لحزب المجتمع الديموقراطي أحمد ترك، بعد اللقاء الذي جمعه في شمال العراق مع جلال الطالباني: “نحن نقول لحزب العمال الكردستاني إن الكفاح المسلح يعود بالضرر على الأكراد، ويقوّي شكيمة المؤسسة العسكرية؛ ويرد علينا حزب العمال قائلاً: لتخطُ الحكومة التركية خطوة، لتطرح مشروعا للحل، فنوقف العمل المسلح“.

وأضاف ترك قائلاً: “إذا كانت الدولة مصممة على حل المشكلة بالوسائل العسكرية، فليس بوسعنا فعل شيء. إذا تم طرح مشروع حل سياسي، ولم يوقف حزب العمال الكردستاني الحرب، فسوف نواجهه“.

ترى هل تعجز الدولة عن إجراء إصلاح ديموقراطي لأن حزب العمال الكردستاني لا يتخلى عن السلاح، أم أن هذا الأخير لا يستطيع التخلي عن السلاح لأن الدولة لا تجري إصلاحاً ديموقراطياً؟ ولأن السؤال عن أولوية الدجاجة على البيضة أو العكس، قد شغل الإنسان منذ أقدم الأزمنة، فأنا أتابع المناقشات في محاولة مني لتكوين رأي. إليكم فيما يلي جردة بأخبار الصحف المتعلقة بالموضوع، في الشهرين الأخيرين:

جنرال حكم عليه بسبب قتله ثلاثة وثلاثين شخصاً، يطلق اسمه على ثكنة عسكرية

موقف السلطة: قال رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان: “لا أستطيع الدخول في حوار مع حزب المجتمع الديموقراطي، ما لم يعلن حزب العمال الكردستاني منظمةً إرهابية”. وكان أردوغان نفسه في اجتماع مع وفد يمثل منطقة دياربكر الكردية، وكانت تخبره بما تعانيه المنطقة من مشكلات، وطالب نقيب محامي دياربكر سيزغين تانريكولو بأن تسمح الحكومة بتعليم اللغة الكردية في مدارس المنطقة، فاحتدّ أردوغان واتهمه بالكذب، فنهض الرجل وغادر الاجتماع.

موقف المعارضة البرلمانية: انتقد دينيز بايكال –زعيم حزب الشعب الجمهوري- أردوغان بشدة على تصريحات قال فيها إن الإذاعة والتلفزيون الحكوميين سيبثان برامج باللغة الكردية، فقال: “إن البث من وسائل إعلام الدولة بلغة غير اللغة الرسمية سيفتح الباب أمام انتشار لغة من شأنها تعريض وحدة الأمة للخطر” (معلومة: جاء في المادة 39/4 من معاهدة لوزان: “لا يجوز وضع أية عراقيل أمام استخدام أي مواطن تركي لأية لغة يشاء، سواء في علاقاته الخاصة أو التجارية، أو في شعائره الدينية أو في وسائل الإعلام أو في الاجتماعات العامة“)

موقف المؤسسة العسكرية: في العام 1943 أعدم الجنرال مصطفى موغلالي 33 من الفلاحين الكرد من منطقة أوزالب (ولاية وان) رمياً بالرصاص، مقيدي الأيدي معصوبي العيون، بذريعة مزاولتهم التهريب عبر الحدود مع إيران، “ليكونوا عبرةً لغيرهم”، مع أن المحكمة كانت قد برّأتهم وأخلت سبيلهم. وقد أدين هذا الجنرال قضائياً بسبب هذه الجريمة، وحكم عليه، في العام 1949، بالسجن مدى الحياة. في السادس عشر من آذار 2004، أطلق اسم الجنرال مصطفى موغلالي على الثكنة العسكرية في أوزالب، أي البلدة نفسها التي ينتمي إليها ضحايا جريمته. أحفاد الفلاحين الثلاث والثلاثين أقاموا دعوى ضد المؤسسة العسكرية مطالبين بإلغاء اسم الثكنة. بعد مرور عامين حولت المحكمة القضية إلى المحكمة العسكرية. دافع وزير الدفاع عن موقف الجيش قائلاً إن عقومة المرحوم لها حدود زمنية” أي أنها زالت بالتقادم، بعدما مات الرجل في السجن. (معلومة: منعت مديرية أمن اسطنبول، هذا الشهر، إحياء ذكرى القائد الطلابي اليساري دينيز غيزمش، الذي تم إعدامه في العام 1972، ربما لأن عقوبته بلا حدود زمنية. وحين طالب البرلماني السابق محمود آلناك، النائب السابق عن مدينة كارس، بإطلاق اسم دينيز غيزمش على أحد شوارع المدينة، أقاموا عليه دعوى بتهمة “امتداح الجريمة والمجرم“).

قرارات قضائية غرائبية

أمرت محكمة جنائية في دياربكر بمصادرة نسخ ملصق طبعه حزب المجتمع الديموقراطي بمناسبة عيد النوروز، عليه صورة ساعة رملية في داخلها زوجاً من العيون والحواجب، بدعوى أن العينين والحاجبين “من المحتمل أن يكونا عينا عبد الله أوج آلان وحاجباه”، فضلاً عن تضمن الملصق لعبارة (كفى!) باللغات الكردية والإنكليزية والإسبانية. وطبّق قرار المحكمة في ولاية وان أيضاً. (معلومة: يرجى العودة إلى المادة 39/4 نفسها من معاهدة لوزان للسلام).

أطلقت النيابة العامة في دياربكر تحقيقاً قضائياً حول عقد العمل الجماعي الذي تم إبرامه بين بلدية كايابنار والنقابة العمالية، بدعوى أن نص العقد يتضمن بنداً يعتبر العمال بموجبه في “إجازة إدارية” في يوم النوروز.

وفتح تحقيق قضائي بحق رئيس بلدية دياربكر عثمان بايدمير، لأنه استخدم، إبان زيارة له إلى شمال العراق، عبارة “كردستان تركيا“.

تقدّم الناشر مهدي تانريكولو بشكوى رسمية ضد وكيل نيابة استخدم في مرافعة إدعاء عبارة “الشعب الكردي المزعوم”، وقد صاغ الناشر شكواه باللغة الكردية، فأقيمت عليه دعوى لمخالفته “القانون الخاص بإقرار الأحرف التركية واستخدامها” الذي يعود إلى العام 1928، لأن الناشر استخدم أحرفاً غير موجودة في الأبجدية التركية كـw وq. وقد استخدم في جلسات المحاكمة مترجماً ترجم إفاداته من الكردية إلى التركية، كما قدم للمحكمة مرافعة مكتوبة باللغة الكردية، فحكمت عليه المحكمة بالحبس خمسة أشهر بدعوى أنه “كان يتحدث التركية في الكوريدور، والكردية في قاعة المحكمة، ما يعني أن غايته ليست أكل العنب بل قتل الناطور” على حد التعبير الحرفي لقرار القاضي الذي أمر بحبسه “بسبب موقفه اللامسؤول وإصراره على ارتكاب الجريمة، والحضور الكثيف لعامل القصد، مع أخذ صحيفة سوابقه بنظر الاعتبار”. والآن أقامت النيابة دعوى ثانية ضد مهدي تانريكولو بسبب المرافعة التي كتبها باللغة الكردية، لمخالفته القانون المذكور نفسه للعام 1928. (معلومة: بموجب المادة 39/5 من معاهدة لوزان “تؤمّن المحاكم التسهيلات الواجبة ليستخدم المواطنون الأتراك لغات غير التركية في مرافعاتهم الشفهية” معنى ذلك أن مرافعات الدفاع الشفهية مسموحة بلغات غير التركية، بخلاف المرافعات المكتوبة. فإذا تم تقديم مرافعات مكتوبة بغير اللغة التركية، يقوم القاضي بتجاهلها، أما المطالبة بعقاب على ذلك، فهو أمر جديد).

رفعت دعوى على ثلاثة أطفال من فرقة بلدية دياربكر، مع مطالبة النيابة بحبسهم خمس سنوات، على خلفية حفلة أقامتها الفرقة في الولايات المتحدة بناء على دعوة وجهت إليهم، غنى فيها الأطفال أغنيات بثمان لغات، منها أغنية “ey reqib”، وهي نشيد باللغة الكردية كتب في العام 1940، بدعوى “الدعاية لمنظمة إرهابية” (المنظمة المقصودة pkk الذي تأسس في الثمانينات).

وحكم على ليلى زانا الناشطة الكردية المعروفة والنائبة السابقة في البرلمان، بالحبس سنتين بتهمة “امتداح الجريمة والمجرم” لأنها قالت عن أوج آلان “القائد الكردي”. كما رفعت المحكمة بلاغاً جرمياً بحق زانا على مرافعتها في المحكمة.

وطالبت النيابة بحبس النائبة في البرلمان عن حزب المجتمع الديموقراطي آيسل توغلك خمس سنوات بدعوى “الدعاية لمنظمة إرهابية”، لأنها كشفت للصحافة فحوى مقابلتها مع أوج آلان في سجنه.

وحكم على ثلاثة وخمسين رئيس بلدية ينتمون إلى حزب المجتمع الديموقراطي، بالسجن شهرين ونصف الشهر لكل منهم، بدعوى “تقديم العون لمنظمة إرهابية” على خلفية إرسالهم رسالة إلى رئيس الوزراء الدانماركي، ناشدوه فيها عدم إيقاف بث قناة روج تي في.

وحكم على الفلاح إبراهيم تلافر بالحبس عشرة أشهر بدعوى “الدعاية لمنظمة إرهابية” بسبب وشاية زعمت أنه قال في أحد أحاديثه الخاصة عن قتلى حزب العمال الكردستاني في الجبال إنهم شهداء.

تم اعتقال عدد من النساء من أعضاء حزب المجتمع الديموقراطي، لأنهن أطلقن في عيد الأم نداءً بعنوان: “لا ترسلن أولادكن إلى الخدمة العسكرية!”، كما تتواصل جلسات محاكمة المغني الشهير بولند أرسوي لأنه دعا إلى الامتناع عن الالتحاق بالخدمة العسكرية.

تم العثور، في سجن مرسين، على جثة أحد أعضاء حزب العمال الكردستاني، معلقة إلى السقف ومربوطة اليدين والقدمين. تم الحكم على ثلاثة من موظفي البلدية بمن فيهم رئيسها (من حزب المجتمع الديموقراطي) بالحبس ثلاث سنوات ونصف السنة لكل منهم، بدعوى “إساءة استخدام السلطة” و”مخالفة قانون النقل” على خلفية نقلهم لجثة السجين المذكور، بسيارة الإسعاف الخاصة بالبلدية، إلى بلدته غيفاش (ولاية وان).

الخلاصة

لا أعرف ما إذا كانت الدجاجة من البيضة أم البيضة من الدجاجة، لأن النقاش محال حيث يكادون يقاضون كل من يلفظ الـ pkk بي كي كي، بدلاً من بي كا كا، كما يفعل الأتراك. ولكن ثمة شيء يشغل ذهني: ترى ماذا يفعل أولئك الناس الذين لا يجيدون الكلام والكتابة أمام المشهد الموصوف أعلاه؟ هل يخافون فيلزمون الصمت، أم أنهم يقصدون مكاناً ما في محاولة للتعبير عما في أنفسهم بلغة أخرى؟


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى