صفحات أخرى

عبد الحسين شعبان… ماركس ليس عربياً؟

خليل صويلح
هل هناك إمكان لإنتاج ماركسية جديدة تواكب متطلبات القرن الـ21؟ ماركسية غير معلّبة ونسخة منقحة؟ وما مصير المشاريع الحداثية العربية؟ هذه بعض الأسئلة التي طرحها خضير ميري على ماركسي عتيق هو عبد الحسين شعبان، وكانت الحصيلة «تحطيم المرايا… في الماركسية والاختلاف» (الدار العربية للعلوم ناشرون ـــــ منشورات الاختلاف، الجزائر).
يتطلّع المفكر العراقي في إجاباته إلى ماركسية القرن التاسع عشر بوصفها نموذجاً حرّاً يتحرّك في فضاء شاسع، يمكن استعادته في هذا القرن بإضافة بعض التوابل والمشهّيات، «لأنّ الماركسية بحكم طبيعتها الحيوية الديناميكية كمنهج وأداة للتحليل، كان بإمكانها تجاوز أخطاء التطبيق أو إخفاقات الممارسة». الماركسية كنظرية إذاً ليست متحفيّة، بل نسق فكري ومنهج جدلي «لا يمثّّل ماركس فيها إلّا حلقة من سلسلة حلقاتها المتصلة والمستمرة بلا نهايات».
لكن لماذا استقال شعبان من العمل الشيوعي؟ يجيب بأنّ واقع عمل الأحزاب الشيوعية في العالم العربي «غارق في التذبذب بين فهم أيديولوجي جاهز ورثته هذه الأحزاب، ومستجدات إنسانوية ديموقراطية غير قادرة على مجاراتها». ويضيف بما يشبه النقد الذاتي «كان بعضهم كلما واجه مسألة مستعصية يفتش في الدفاتر المدرسية، لعلّه يجد نصاً يعود للينين يقتبس منه، بمعنى أنه يقدّم النص على الحياة ذاتها. الحزب ليس إلهاً». هكذا اتجه الباحث لدراسة القانون الدولي، فأسس «الشبكة العراقية لثقافة حقوق الإنسان»، وعمل ممثلاً لاتحاد الحقوقيين العرب في «الأونيسكو»، مؤكداً قيم التسامح باعتباره غائباً عن حياتنا العربية.
كنّا نتغنى بالأممية ونغض النظر عن الاستبداد

لا تتوقف حوارات خضير ميري عند إشكالات الماركسية العربية، بل تتعداها إلى مفاهيم أخرى مثل الحداثة والدين والقومية ودور المثقف العربي في مواجهة استبداد السلطة، أو الانزلاق إلى سجادتها الحريرية. ويجمل شعبان مأساة المثقف العربي بأنه يواجه ثلاث سلطات معاً: «القمع الفكري والأيديولوجي، والقمع البوليسي الذي تمارسه السلطة الرسمية، والثيوقراطية الدينية، وقوة العادات والتقاليد وسكونية المجتمع». كذلك يواجه تحدي الحرية. ولعل هذه التطورات وفقاً لصاحب «الاختفاء القسري في القانون الدولي» أثّرت على عمل المثقف، ما أدى إلى فشل المشاريع اليسارية ووصول المشروع الإسلامي إلى طريقٍ مسدود، مما زاد في يأسه وإطفاء روحه»، أو ما يسميه أدونيس «اعتقال العقل». ويعدد شعبان عشرات الضحايا من المثقفين العرب نتيجة «التباس المعادلة الثقافية ـــــ السياسية وتداخلها». هذا الواقع المضطرب قاد بعض ضحايا حرية التعبير عن الرأي إلى ممارسة استبداد مضاد بـ«إقامة الحد» تحت بند مخالفة تعاليم الدين «الفكر لا يقابل بالعنف أو الاغتيال أو إخفاء الصوت الآخر، بل بالمواجهة الفكرية».
يعترف عبد الحسين شعبان بوجود فجوات في الفكر الماركسي، وخصوصاً في ما يتعلق بالمسألة الدينية، وعبارة ماركس المقدّسة «الدين أفيون الشعوب». العبارة «فسّرها الشيوعيون خطأً». وينكر أن يكون موقفه هذا ارتداداً عن اقتناعات قديمة، بل إعادة فحص بعض المقولات التي كان بالإمكان أن يتخلى عنها ماركس نفسه. ويلفت الباحث العراقي إلى أنّ فهم التاريخ العربي بمعزل عن «المكوّن الغيبي أو الجوهر الروحي، هو نوع حالم أو مستعار من أشكال الحداثة الغربية». ويستدرك قائلاً: «هذا لا يعني بالطبع أن نستسلم لفهم التاريخ كما هو، بل أن نسعى إلى تقديم نقد شمولي له، يضع في الاعتبار فهم المكوّن العقلي والروحي للشعوب، لا تقديم النظرية على التاريخ الوضعي». ضعف الوعي النقدي العربي في الأحزاب الشيوعية، قاد شعبان إلى الاشتغال بالمسألة القومية التي طالما تعاملت الأدبيات الماركسية معها باستخفاف «كنّا غالباً ما نتندّر على القومجية من دون أن نميّز الفارق بين العروبة التي هي انتماء، والقومية التي هي أيديولوجيا أو عقيدة، وكنّا نتغنى بالأممية وفضائلها متجاهلين استبدادية حكامها». هكذا سيعالج المأساة الفلسطينية من موقع استعادة الحق الضائع، والانهماك في فضح التمييز العنصري تجاه السكان الأصليين، بعيداً عن الشعارات الرنّانة لبعض «المتمركسين الذين رأوا في المسألة القومية شططاً فكرياً»، كأن الماركسية «ماركة مسجّلة باسم بعض المتمركسين، هؤلاء الذين حوّلوها إلى تعاليم محنّطة».
بالنسبة إلى شعبان، ماركس هو بداية الماركسية وليس منتهاها. وتالياً ينبغي اختبارها نقدياً من الداخل. إذ لا توجد «ماركسية نقية» على غرار الهيغلية المطلقة، وينبغي الالتفات إلى مقترحات المدارس الأخرى في قراءة الماركسية وإعادة روحها إليها من موقعٍ مغاير، وردّ الاعتبار إلى الجدل الماركسي كي لا يتحوّل إلى لاهوت وأحكام منزّلة وقوانين ثابتة، كما أرادها بعضهم، مكرراً مقولة ماركس نفسه «كل ما أعرفه إنني لست ماركسياً». ويتوقف هذا الحوار الجدلي عند محطات أخرى لإعادة تكوين الذاكرة بشكلها الصحيح، مثل المسألة الكردية والفدرالية، ومستقبل الماركسية والتحديات التي تواجهها. كذلك سنتعرف إلى آراء شعبان في النسوية، والحب والجنس والمتعة، وما بعد الحداثة، والوشائج بين الدين والهوية، وكيفية تأصيل خطاب عربي جديد يواكب هذه الحقبة العاصفة والمضطربة.
الاخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى