كيف تقرأ عمودا صحافيا؟
وليام سافير
أخيرا أصبح أمامي متسع من الوقت لإطلاعك على عشرات القواعد الواجب اتباعها عند قراءة عمود صحافي سياسي.
1ـ احذر من الأداة التي يميل إلى استخدامها المتحذلقون، القائمة على الاستشهاد بعبارة وردت على لسان أحد الليبراليين المعارضين بهدف إثبات حجة محافظة، والعكس صحيح. على سبيل المثال، نجد أن اليمينيين يحلو لهم الاستشهاد بأقوال جون إف. كينيدي حول ظلم الحياة، بينما يروق لليساريين اقتباس أقوال لرونالد ريغان. حذار من الوقوع في هذا الفخ.
2ـ لا تبحث عن القصة في السطور الافتتاحية، ففي الوقت الذي يطلب من المراسلين وضع الخبر الرئيسي في بداية المقال، نجد أن الصحافيين المخضرمين يضعون لب الخبر، بل وربما رؤية جديدة تماما له، قرب منتصف العمود. عندما يكون الوقت ضيقا أمامه، يبدأ القارئ الذكي من هذه النقطة.
3ـ لا تنجرف وراء الألفاظ الصحافية المبهمة التي يعمد كتاب الأعمدة الصحافية الناشئين لاستخدامها بهدف إبهار القارئ. عندما يفعلون ذلك، لا تحذُ حذوهم.
4ـ عندما يساورك غضب بالغ حيال عمود صحافي استفزازي، لا تقع في فخ الرد برسالة بريد إلكتروني بذيء. في الواقع إن مثل هذه الرسائل تبهج المتحذلقين من كتاب الأعمدة الصحافية.
5ـ لا تقع فريسة لما يطلق عليه أسلوب «السلحفاة النهاشة»، والذي يرمي إلى إضفاء شكل متناسق على خطبة بلا أي معنى حقيقي. على سبيل المثال، قد يشرع بعضنا في قراءة مقال يبدأ بإشارة ضمنية تاريخية أو نادرة ملهمة، ثم يهيم على امتداد قرابة 600 كلمة قبل أن يخلص إلى نتيجة نهائية من خلال الإسراع إلى معاودة جملة مقتبسة أو حدث ورد ذكره في الفقرة الافتتاحية. يخلق هذا الأسلوب الدائري في الكتابة لدى القارئ شعورا بالإنجاز، بينما لم يتوصل المتحذلق كاتب المقال في حقيقة الأمر إلى نتيجة لحجته.
6ـ احذر من عبارات الاعتراف بأخطاء صغرى. كتب أحد القداحين أخيرا أن المطلب الذي ينص عليه الدستور بأن يكون رئيس البلاد «أميركي المولد» كان سيمنع ألكسندر هاميلتون من تولي الرئاسة. لكن المدققين في توافه الأمور أوضحوا أن الآباء المؤسسين للولايات المتحدة أعفوا أنفسهم من هذا المطلب، وأنه جرى إلقاء 16، لا 20، خطاب تنصيب ثانٍ. من خلال الإشارة على هذه التصويبات بتواضع قبل اختتام المقال، يكسب الكاتب المخضرم بذلك لنفسه فضل تحري الدقة، مع الإفلات في الوقت ذاته من أحكام فاسدة فادحة يصعب عليه الاعتراف بها.
7ـ عليك مراقبة رد الأفضال. نصح ستيوارت ألسوب أحد كتاب الأعمدة الصحافية المبتدئين مازحا: «لا تضر بنزاهتك الصحافية قط ـ إلا فيما يتعلق بنادرة ملهمة». على سبيل المثال، أخبر أحد كاتبي الخطابات لنيكسون أصحاب الأعمدة الصحافية بأن الرئيس تباهى في كامب ديفيد بقوله: «لقد أحرزت 120 للتو». وأجابه هنري كيسنجر: «إن أداءك للعبة الغولف في تحسن، سيدي الرئيس»، ما دفع نيكسون للتذمر قائلا: «لقد كنت أمارس البولنغ، هنري». وبعد أن سارع الصحافيون من كتاب الأعمدة لتناول هذه الحادثة، حظي الكاتب الذي عمد إلى استغلال هذه الحادثة بمعاملة تمييزية.
8ـ ألقِ جانبا أي عمود صحافي يتناول موضوعين، لأن ذلك يعني أن الكاتب واجه مشقة في تحديد الفكرة التي عليه تناولها ذلك اليوم.
9ـ فتش عن المصدر. عليك ألا تتقبل ما جاء في عمود صحافي (أو ما يحمل اسم «تحليل») دون طرح تساؤل: ما المصدر؟ وأينما وجدت كلمة «محترم» قبل الاسم، عليك تفحص الاسم جيدا. على أي حال، إنك لم تقرأ قط فكرة منسوبة إلى مصدر «غير محترم».
10ـ تجنب نمط الكتابة المثقف الكاذب. عليك تجنب كتّاب الأعمدة الصحافية الذين يعمدون إلى التباهي بمعلوماتهم.
11 ـ لا تسقط في فخ الأمور غير المتوقعة. أحيانا يعمد الكتاب إلى إثارة إبهار القارئ بإلقاء مفاجآت في وجهه لاستخلاص صيحات الإعجاب والدهشة منه، الأمر الذي غالبا ما يكون غير ملائم.
12ـ عليك الترفع عن التراشق الشخصي بين كتاب الأعمدة الصحافية. إن المراقبين الذين يفترضون أنهم يشاركون في نقاش ما ينزعون القارئ بعيدا عن الواقع الذي يدور حوله الجدال.
في نهاية المقال يطرح التساؤل نفسه: هل من الإنصاف أن يمنح امرؤ، تمتع على امتداد ثلاثة عقود بحرية ممارسة الألاعيب الصحافية، لنفسه حق الكشف عن أسرارها؟ بالطبع، ليس من الإنصاف الإتيان بذلك. لكن كتابة الأعمدة الصحافية مجال مفعم بالنشاط مثل الحياة السياسية ذاتها، وقد سبق أن صرح جون كينيدي بأن «الحياة غير منصفة».
* توفي الكاتب يوم الأحد الماضي.. المقال
سبق نشره في صحيفة «نيويورك تايمز»
بتاريخ 24 يناير (كانون الثاني) 2005
*خدمة «نيويورك تايمز»
الشرق الأوسط