عن أبو يوسف الذي لم يقبل به منفاه
عاد أبو يوسف إلى مدينته، بغداد، حيث قُتل شقيقه وحيث ينتظره، كما يعتقد، المصير نفسه على يد مجموعة من القتلة ما زال أفرادها ينتشرون في العاصمة العراقيّة.
في كلّ يوم يقبع الرجل في ظلّ مخاوفه وإحساسه بأن القتلة يتربّصون به. “فهم لم يغادروا بغداد”، على ما يقول لصحيفة الإنديبندنت (19 تشرين الأوّل 2009) التي التقته. وهو لم يزل “خائفاً ممّا قد يحصل، ولا ينام سوى لوقت قليل ليستيقظ بعد ذلك ويشرع بالتفكير بمصيره المحتوم وبالمآل الذي ينتظر أفراد عائلته”. فالعراق بحسبه ما زال خطراً جدّاً، و”على السلطات البريطانيّة أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار”، بحسب ما يقول.
السيّد أبو يوسف هو مهندس عراقي يبلغ التاسعة والثلاثين من عمره، وهو واحد من أربعين عراقيا ً قامت السلطات البريطانيّة أخيرا ً بترحيلهم من بريطانيا حيث كانوا قد طلبوا اللجوء. الترحيل تمّ بعد أن لاحظ مكتب الهجرة البريطاني “أنّ موطن طالبي اللجوء هؤلاء بات مكانا ً آمناً للعيش”.
إلى ذلك، فقد لاقى هؤلاء المبعدون من بريطانيا إلى موطنهم الأصلي العراق، رفضاً من السلطات العراقيّة، حيث قامت الأخيرة بمنعهم من دخول العراق وأعادتهم إلى بريطانيا. فيما قام مسؤولون من السفارة البريطانيّة في العراق بمرافقة المرحّلين العشرة الباقين حين خرجوا من الطائرة في بغداد، وقد وعد المسؤولون البريطانييون بالعمل والمساعدة لحلّ أزمة هؤلاء. أمّا طريقة المساعدة فقد تمثلت، بحسب أبو يوسف، بأن منح كلّ واحد منهم مبلغ مائة دولار أميركي وأبلغوا أن عليهم تدبير شؤونهم.
من جهتها قامت مجموعات حقوقيّة وكنسيّة وجمعيات تهتمّ بشؤون اللاجئين بإدانة ما أقدمت عليه السلطات البريطانيّة حين أصرّت هذه الأخيرة على تنفيذ قرار الإبعاد إلى مكان ما زال هدفاً يومياً للهجمات والعمليات الإجراميّة. ناطق باسم منظمة العفو الدوليّة قال متناولا ً القضيّة: “بالنظر إلى التقارير التي تشير إلى عمليات القتل والتفجير ومظاهر الاعتداءات الأخرى المستمرّة في بغداد، فأنّه من الصعب فهم ما لحظته السلطات البريطانيّة بتبرير قرار إبعادها”.
أبو يوسف في بغداد منذ ثلاثة أيّام (التقرير مكتوب في 19 تشرين الأول). وهو يقضي وقته في غرفة بين جدران أربعة في منزل أحد أصدقائه، مخافة أن يخرج ويسقط طريدة في أيدي المجرمين.
“لا يسعني الذهاب والعيش في منزلي، لأنّه تمّ إبلاغي بأنّ منزلي مراقب. كما أنّي لا أخرج من الغرفة هنا حيث أعاني على الدوام من التوتّر، وأشعر أن الأشخاص الذين قتلوا شقيقي سوف يقتلونني أيضاً. لا أعرف كم سأبقى قادرا ً على البقاء هنا في منزل صديقي، إذ أنّني قد أعرّضه للخطر”.
ويروي السيّد أبو يوسف أن كلّ واحد من المبعدين كان برفقته مرافقان في رحلة الترحيل من لندن إلى بغداد. وقد كان الجو منقبضاً وعصبيّاً خلال الرحلة. كما يقول أنّ السلطات البريطانيّة منحت كلّ واحد منهم مبلغ خمسة وأربعين دولار كمساهمة قصوى في تسوية أوضاعهم. الامر جعله يشعر بالضياع التام. حين وصل إلى بغداد استقلّ سيارة تاكسي أوصلته إلى منزل صديقه. المال القليل الذي كان معه نفد الآن، وهو لا يملك أيّ فكرة عمّا سيفعله لإعالة نفسه.
لم يلتق أبو يوسف زوجته وابنيه وباقي أفراد عائلته منذ نحو ثلاث سنوات. فالجميع يعيش حياة التخفّي منذ أن قتل شقيقه صباح.
ما أخذت عائلة يوسف تتعرض له بدأ منذ أن عمل الرجل في شركة دوليّة تقدّم خدماتها لحماية الجيش الأميركي والمسؤولين السياسيين العراقيين.
“تخرّجت من الجامعة التقنيّة هنا في العام 2004، وقد كان من الصعب جدّاً الحصول على وظيفة لولا تلك الشركات الدوليّة التي جاءت إلى العراق. كنت بحاجة ماسة إلى المال لإطعام عائلتي. فعملت مع الشركة المذكورة لمدّة عامين. بعدها عرف الإرهابيّون بالأمر، وأرسلوا لي مغلّفاً يحوي رصاصة وتحذيراً من مغبّة استمراري في عملي. عائلتي من جهتها لامتني لاختياري هكذا وظيفة، وأعتقد أن موقف العائلة هذا ما زال على حاله”.
المستقبل