الكاتب والروائي التركي أحمد آلتان يكتب عن غزوة العمال الكوردستاني السلمية لتركيا: “اليوم السعيد”
التقديم والترجمة من التركية : مصطفى إسماعيل
أدناه، مقال للكاتب والروائي والشاعر التركي أحمد آلتان رئيس تحرير صحيفة طرف taraf التركية، وهي تندرج في إطار مقاربته الكتابية لدمقرطة تركيا وحل القضية الكوردية فيها، وقد خصص هذا المقال الذي نشر في 18 أكتوبر، أي قبل يوم من وصول مجموعة سلام حزب العمال الكوردستاني إلى معبر الخابور ( إبراهيم الخليل ) الحدودي بين العراق وتركيا، لمبادرة حزب العمال الكوردستاني في إرسال مبعوثي السلام إلى تركيا، معرياً خلال ذلك عنصرية الخطاب الإعلامي في تركيا، والمواقف السالبة للمعارضة التركية ممثلة برئيسي حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية اليميني، بذا يؤكد ” آلتان ” أنه وصحيفته ” طرف ” لا يزالان محلقين خارج سرب الإعلام التركي، الذي لا يزال مراهناً على انغلاقه القومجي وعنصريته. إليكم نص المقال :
أحمد آلتان : اليوم السعيد
الحربُ تنتهي.
المجموعةُ التي ستأتي من قنديل ومخيم مخمور غداً صباحاً، وتعبرَ بوابة الخابور، حينَ يتناولُ أعضائها مساءً في منازلهم الكبة المحشوة المُعدَّة من قبل أمهاتهم، ستكونُ الأسلحةُ قد صمتتْ في هذه البلاد.
بعدَ هذه الحركة الحاملةِ لرسالةَ حزب العمال الكوردستاني حولَ ” استعداده لإسكات الأسلحة “، حين تجري أية عملية عسكرية ( للجيش التركي )، لا يمكنكَ الحديثُ عنها لأحدٍ، ولنْ يبقَ أيُّ معنى لأية عملية عسكرية ولإلقاء حيوات الجنود في التهلكة.
حينَ يُسمحُ للقادمين من بوابة الخابور بالذهابِ إلى منازلهم، حينَ يُفتحُ هذا الطريقُ، بعدها، فإن تفجيرَ الألغام من قبل أيِّ مقاتلٍ للعمال الكوردستاني، وإطلاقه النار على الجنود، لنْ يحظى بقبول الشعب الكوردي أيضاً.
غداً، ولهذه الأسباب هوَ يوم كبير لهذا البلد، وللذين يعيشونَ فيه.
ويجبُ تبشيرُ هذه البلاد، بأنها على وشك الانتهاء من معاناة دموية، عمرها خمسٌ وعشرون عاماً.
بقدرِ ما نعلمُ، فإنَّ الطرفين استعدا بالطريقة المطلوبة لهذا الحدث الكبير، واتخذا قرارَ إعطاء الإشاراتِ المطلوبة.
حزب العمال الكوردستاني يرسلُ مجموعة غير منخرطة في المواجهات ولمْ تلمس الأسلحة. إرسالُ مجموعةٍ كهذه إلى الديار، غيرُ مثيرٍ للمشاكل، وأمرٌ يسهلُ قبوله من قبل الدولة.
مقابلَ هذا، فإنَّ الدولة لنْ تُسيءَ مُعاملة ” القادمين “، ستكتفي بإجراءاتٍ بيروقراطية ثانوية ” خلال أربع ساعات “، وترسلهم إلى منازلهم.
وستبدأ بالنسبة إلينا جميعاً مَرحلةٌ جديدة.
غداً سنكونُ شهوداً على أحد أكبر الأحداث في التاريخِ القريب.
ولكنْ هلْ تعلمونَ ما الغريبُ في الأمر، الغريبُ هوَ عدمُ إدراك الإعلام التركي لهذا التطور.
أمسِ انفردتْ صحيفة ” طرف ” بوضع هذا الخبر بشكلٍ معين كمانشيتٍ لها.
أيضاً، فإن صحيفة ” راديكال ” أظهرتْ هذا الحدثَ بارزاً في خبرها المانشيت.
ولم يكُ للخبرِ أيَّ وجودٍ في مانشيتات الصحف الأخرى.
كيفَ يمكنُ لوسائل إعلام أن تحمل هذه الحقبة الجديدة، وهي غيرُ مدركةٍ لهذا الحدث التاريخي المُعاش، وقد فقدتْ لأسبابٍ شتى مواقفَ الصحافة، وأعاقتْ نفسها بنفسها ؟
ماذا ستفعلُ تركيا مع إعلامٍ غير آبهٍ بحدثٍ يشكلُ إشارةً أولى على إنهاء الحرب ؟.
كيفَ يُعينُ إعلامٌ عمى نفسه بنفسه، وحبسَ نفسه في عنصرية ضيقة، الذينَ يعيشونَ في هذه الدولة، على فهم المُتغيرات المُعاشةِ في العالم وفي بلادهم ؟
في كلِّ الأحوال، فإن هذا الإعلام سيتغيرُ أيضاً.
لأنَّ إعلاميين وصحافيين مُنقطعينَ بهذا الشكل عن الحياة، لا يمكنهم الاستمرارُ في مهنتهم.
ما لمْ يقلهُ الإعلامُ أمس، قاله رئيس الجمهورية عبد الله غول، حين قالَ أنه ” حدثٌ جميلٌ “. ويُرى من ذلك أنَّ الدولةَ مُستعدةٌ لحمل هذا التطور.
يُقالُ بأنَّ الدولة سترسلُ من أنقرة إلى الخابور مجموعة أشخاص مع والي المركز هناك ( والي شرناخ ).
أظنُّ أنَّ إرسالهم هوَ للحيلولةِ دونَ وقوعِ أيِّ ” خطأ “.
وهكذا سيكونونَ قدْ خطوا خطوةً كبرى باتجاه السلام الكبير.
وزيرُ الخارجية الأرميني قالَ بأنَّ الحدودَ الأرمينية ستُفتحُ حتى نهاية العام الجاري.
فتركيا التي خطتْ خطواتٍ مُهمة من أجل تحقيق سلامها الداخلي، تتصالحُ مع جوارها أيضاً. وكأننا نتجهُ إلى تشكيلٍ كبيرٍ يسحبُ اليونانَ أيضاً إلى داخله.
إنَّها ” شراكةٌ فوقْ دولتية “، مُشابهة للاتحاد الأوروبي، تتشكلُ، مُتخذةً من تركيا مَركزاً لها.
نفتحُ مَعَابرَ الحدود، ونُزيلُ الحدود مع سوريا.
ويمكننا خلالَ زمنٍ وجيز إزالةُ الحدودِ مع دول الجوار الأخرى أيضاً.
حينَ يتحققُ هذا، سنرى كيفَ يُعاشُ سلامٌ براقٌ واستقرارٌ في جغرافية المُعاناة هذه ؟
لا يستوعبُ دنيز بايكال وباخجلي ( زعيما حزب الشعب الجمهوري والحركة القومية اليميني في تركيا ) ما جرى وانتهى، فبقائهم لمدة طويلة في الوضع نفسه، عرَّضهمْ للتكلُّسْ السياسي، ضعوهم على طرفٍ، فالمطلوبُ هو سعادةُ الأتاتوركيين الحقيقيين.
المُعبِّرُ عن تركيا، التي تمارسُ الانفتاحَ من جهة على الشرق الأوسط ومناطق القفقاس، ومن جهةٍ أخرى على أوروبا، موافقةً على مبدأ ” الصلحُ في الوطن، والصلحُ في العالم “، والصاعدةُ إلى ” مصاف المدنيات المُعاصرة “، هو هذا الذي نعيشهُ.
أليسَ غيرَ ذي معنى، الامتعاضُ حينَ القولِ بأنَّ الدولة التي فعلت كل هذا، يحكمها حزب العدالة والتنمية ؟.
هل المُهِمُّ هوَ تحقيقُ رغباتِ أتاتورك، أمِ المُهِمُّ هوَ هوُّيةُ منْ يُحققُ ذلك ؟
ماذا نفعلُ، إذا كانَ ” الأكثرُ غربيةً، الأكثرُ أتاتوركيةً ” في مشاهداتنا، لمْ يُظهرْ شيئاً حيالَ موضوع ” التطور “، ولمْ يُدركْ عُمْقَ المُعاش.
أليسَ ظُلماً بحقِّ أتاتورك والأتاتوركية، إظهارُ محاولةِ تقوية تركيا وتحقيقِ سلامها الداخلي، على أنَّهُ بمثابةِ هزيمةٍ لأتاتورك والأتاتوركية ؟.
هل الأتاتوركيةُ هيَ ما يفعلهُ دنيز بايكال عبرَ طلب ” المزيد من الحرب ” ؟
لستُ أتاتوركياً، ولكني رجلٌ مُسنٌ تعلَّمَ ضرورةَ ” إظهار الاحترام ” لكلِّ شيء ” صادق “، فبإظهار الاحترام للدينِ لا أصبحُ متديناً، وبإظهاري الاحترامَ للكوردِ لا أصبحُ كوردياً، وإظهارُ الاحترام للأتاتوركية لا يستلزمُ أنْ أكونَ أتاتوركياً.
بالشكلِ نفسه الذي أطلبُ فيه عدمَ موت الأطفال في هذه البلاد، فإني أطلبُ أن يتذوقَ ” الكبار” أيضاً طعمَ التطورات.
نحنُ نعبرُ منْ مُتغيراتٍ مُهمةٍ جداً، غداً سنعيشُ يوماً كبيراً، كونوا مُستعدينَ لهذا الفرح. فهكذا أمورْ لا تُعاشُ في كلِّ زمان.
ملاحظة : المقالُ مُنشورٌ في عدد صحيفةِ طرفْ التُركيةِ ليوم الأحد 18 أكتوبر 2009.