المالح والحسني.. والحبل على الجرار
نوري بريمو
لا شك أنَّ النظام السوري يصيب حينما يبذل قصارى جهده للنفاذ بجلده والخروج من عزلته عبر النبش عن السبل والتحرش بمختلف الملفات التي من شأنها خلق أجواء تمهيدية للانفراج على الخارج بأي شكل من الأشكال، لكنه يخطئ أشد الخطأ حينما يواصل قمع الحريات العامة ويضغط على مكونات الداخل ويلاحق نشطاء المعارضة الديمقراطية ويتهمهم بتهم باطلة ويعتقلهم بشكل كيفي ويمارس بحقهم أبشع أساليب التعذيب الجسدي ويُطلق بحقهم أحكاماً جائرة تصدر تباعاً عن محاكمه الصورية.
ولعلّ الشاهد الأكثر دلالة على مدى هيمنة العقلية الاستبدادية على أهل الحكم لدى تعاملهم مع أي ملف داخلي قد يفتحه ويدافع عنه أي طرف سياسي أو حقوقي يحاول التحرك خارج طوابير الموالاة، هو سطوة القبضة الأمنية على كافة جوانب الحياة العادية للمواطنين وعلى الحراك السياسي المعارض بشكل خاص. فرغم إبقاء نشطاء وقيادات اعلان دمشق رهن الاعتقال التعسفي، أقدمت السلطات منذ أسابيع على اعتقال الناشط الحقوقي المحامي مهنّد الحسني على يد أجهزتها القمعية التي تمادت كعادتها واعتقلت منذ أسبوع أحد أبرز عُمَداء نشطاء الحراك الديمقراطي والرئيس السابق لجمعية حقوق الإنسان المحامي الأستاذ هيثم المالح البالغ من العمر حوالي (78) عاما قضى منها قرابة (7) سنوات متواصلة في سجن أثناء الثمانينات من القرن الماضي، وأمضى بقية حياته في مهنة المحاماة ولا يزال رغم شيخوخته يمارسها ويهتم بالشأنين الحقوقي والسياسي المحفوفين بمختلف المخاطر في ظل سريان مفاعيل حالة الطوارئ والأحكام العرفية بصلافة متزايد منذ انقلاب سلطة البعث على حكم البلد في آذار عام 1963.
إنّ الاعتقال التعسفي الذي داهم حرية المناضل والمعتقل السابق هيثم المالح الذي تضامنت معه أوساط حقوقية محلية ودولية كثيرة، قد أعاد ذاكرتي إلى تلك الأيام التي جمعتني وإياه والتي عززت ثقتي به نظرا لمدى فطنته وشجاعته ووقوفه إلى جانب المظلومين وإلمامه الكبير بهموم وشجون البلد، وقد لاحظت فيه رجلا سياسيا معتدلا وحقوقيا مشاكسا بامتياز، وذلك منذ أول لقاء جرى بيننا في اجتماع بمدينة حلب أثناء مساهمتنا معاً في تدابير التحضير لأحد الأنشطة الميدانية المشتركة التي قامت بها أحزاب كردية وجمعية حقوق الإنسان ولجان إحياء المجتمع المدني والتجمع الوطني الديمقراطي، وذلك قبل أن تتوافق هذه القوى وتؤسس فيما بينها ائتلاف إعلان دمشق المطالب بإجراء تغيير ديمقراطي شامل في سوريا التي لا بديل أمام مكوناتها (العرب والكورد والآشويين وغيرهم) سوى مراكمة حراكها في سبيل الدمقرطة وإنصاف كافة الأطراف والسير جمعا في دروب الإتيان بدولة الدستور والحق والقانون.
في الحقيقة إنه لأمر مؤسف جدا وسير بعكس عقارب الساعة وفي الاتجاه الشمولي حينما تمضي السلطات السورية بلا رادع في فرض هيبتها بالقوة عبر تخويف الناس وانتهاك حقوق الأفراد والجماعات وعدم السماح لهم بممارسة حقهم الطبيعي في التعبير عن رأيهم والتجمع وحريتهم في الإعلام والاستعلام والترويج لأفكار العصرَنة وإحياء وتنشيط مؤسسات المجتمع المدني وتأسيس الجمعيات والمنتديات والأحزاب و.. الخ، وأن يتم بلا أي وجه حق اعتقال مثل هؤلاء المناضلين على خلفية اهتمامهم بالشأن السوري العام وإصرارهم على الدفاع عن حقوق الإنسان والأمم وممارستهم لحقهم في إبداء مواقفهم الإنسانية وخياراتهم السياسية بشكل ديمقراطي سلمي وليس عنفي.
منذ البداية كان الاعتقاد السائد لدى معظم الأوساط المحلية والدولية المهتمة بالشأن، هو أنّ المالح قد تعرّض للاعتقال من قبل الأمن السياسي بدمشق على خلفية انتقاده للسلوك القمعي للسلطة وذلك في مقابلة تلفزيونية عبر الهاتف مع فضائية بردى المعارضة للنظام، في حين طلبت منظمة “هيومن رايتس ووتش” من الحكومة السورية الكشف الفوري عن مصير المالح الذي اختفى فجأة وعُزِلِ عن العالم الخارجي، وفيما بعد قالت مصادر المعارضة السورية على لسان الحقوقي خليل معتوق: “إنَّ المحامي هيثم المالح سيمثل يوم الأربعاء (21 ـ 10 ـ 2099) أمام النيابة العسكرية بدمشق… وقد تشكلت هيئة دفاع تضم أكثر من عشرة محامين للدفاع عنه، وكنا نتوقع أن يتم استجوابه ومحاكمته وهو طليق ولكن يبدو أن الأمور تسير في اتجاه محاكمته معتقلا”، يُذكر بأنه في عام 2006 منحته الحكومة الهولندية ميدالية جيزين على “قتاله بشجاعة لأجل حقوق الإنسان”، لكن الأمن السوري لم يسمح له بالسفر إلى هولندا لتسلم الجائزة بنفسه.
إنه في الوقت الذي لا بد أن يعبّر فيه الإنسان عن قلقه واستهجانه حيال هكذا اعتقال مجحف لم يأخذ بعين الإعتبار لا تقدم سن المالح ولا خبرته ولا مكانته القانونية والحقوقية والمجتمعية، ليس بالوسع سوى رفع الصوت عالياً ومناشدة مناصري الديمقراطية وحقوق الإنسان والأمم، لجهة تشكيل ضغوط حقيقية على النظام السوري لإطلاق سراح هيثم المالح ومهند الحسني بمعية باقي معتقلي الرأي والضمير من سجناء سياسيين عرب وكورد وغيرهم على طريق تبييض السجون السورية.
* كاتب سوري
الله مع مهند الحسني و هيثم المالح وباقي المعتقلين الأحرار
ومع الأحرار المسجونين الشعب السوري الذي ينتظر الحرية الحقيقية
لا تظنو ان صفحاتكم لا تقرأ بل انها تنطق لوحدها بلسان حال الاشراف السوريين و لكن من الصعب ترك تعليق خوفا من الاعتقال
لأن الشعب لا يرى انجازات للمعارضة سوى سقوط انصارها اسرى و معتقلين دون ادنى حيلة منها لأخراجهم
و شكرا لكم