الأزمة المالية العالمية

بين افغانستان ووول ستريت

سميح صعب
بينما تكافح الولايات المتحدة لاستعادة نفوذها المالي والاقتصادي الذي يواصل انهياره منذ 15 ايلول الماضي، لا يبدو ان نفوذها في الخارج افضل حالاً ولا سيما الحرب الكونية التي أطلقها جورج بوش على الارهاب بدءاً من افغانستان قبل سبعة اعوام.
فالأنباء الواردة من افغانستان ليست أفضل حالاً من الانباء الواردة من وول ستريت. ويكفي القاء نظرة على هذه الانباء لنتبين عقم الحرب التي أطلقها بوش:
– صحيفة “النيويورك تايمس” تنقل عن مسودة تقرير أعدته وكالات الاستخبارات الاميركية ان افغانستان “تنزلق نحو الهاوية”. وتحدث عن تسارع انهيار السلطة المركزية برئاسة حامد كرزاي.
– قائد القيادة المركزية الاميركية الجنرال ديفيد بيترايوس الذي تسلم مهمات منصبه للتو بعد اعوام من الخدمة في العراق، يقول ان التفاوض مع بعض اعضاء حركة “طالبان” الاصولية قد يتيح وسيلة للحد من العنف المتصاعد في افغانستان.
– وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس ينبّه الى حدود القوة العسكرية الاميركية، ويدعو دولاً في جنوب شرق اوروبا الى ارسال قوات الى افغانستان كي تثبت انها جديرة بالانضمام الى الحلف. وقد أطلق غيتس هذا النداء في ضوء الصعوبات التي تجدها الدول الاعضاء في الحلف في تأمين المزيد من الجنود لارسالهم الى الحرب.
– قائد الكتيبة الجوية البريطانية الـ 16 الجنرال مارك كارلتون – سميث يخرج باستنتاج بعد زيارة لافغانستان مفاده ان من غير المحتمل تحقيق نصر عسكري حاسم في هذا البلد، ويؤيد اجراء حوار مع “طالبان”. ومعروف ان بريطانيا في ضوء تجاربها المريرة في افغانستان هي ابرع من الولايات المتحدة في تقدير الامور هنا.
– المبعوث الخاص للأمم المتحدة في افغانستان كاي ايدي يؤيد اقوال الجنرال البريطاني من حيث استحالة تحقيق نصر عسكري، وانه “يتعين تحقيق النصر من طريق الوسائل السياسية”.
وبما ان بوش يستعد لمغادرة البيت الابيض بعد بضعة أشهر، فإن الانباء الواردة من افغانستان هي برسم الرئيس الاميركي المقبل، سواء أكان الديموقراطي باراك اوباما ام الجمهوري جون ماكين. ومعلوم ان المرشحين يتشابهان في موقفيهما من الوضع في افغانستان عكس موقفيهما من العراق. فكلاهما يدعو الى تعزيز القوات في افغانستان من أجل تحقيق نصر حاسم هناك.
غير ان الواقع الافغاني لا ينبىء حتى الان بامكان تحقيق مثل هذا النصر بعد المكاسب التي تحققها “طالبان” ميدانياً والشلل الذي تعانيه السلطة المركزية في كابول، وكان بوش يعلق آمالاً كبيرة عليها للامساك بالوضع.
وبخلاف ما يجري في العراق حيث تظهر الحكومة المركزية قدرة متزايدة على الامساك بالوضع الامني والسياسي على رغم كل الصعوبات التي تواجهها في ذلك، فإن الوضع في افغانستان ينحو في اتجاه لا يشي بان في امكان حكومة كابول فرض سيطرتها على انحاء البلاد من دون مساعدة حلف شمال الاطلسي.
وفي ضوء الوضع المالي الصعب للولايات المتحدة وللاعضاء الاوروبيين في حلف شمال الاطلسي، فإن التورط أكثر في الحرب الافغانية، يعني المزيد من الخسائر المادية والبشرية  التي لا قِبلَ للغرب بتحملها في المرحلة المقبلة.
ثم ليس خافياً ان الاستنزاف المالي والبشري في حربي افغانستان والعراق، قد لعب دوراً في افلاس الولايات المتحدة مادياً وسياسياً واخلاقياً. واذا كانت حرب افغانستان قد بررتها هجمات 11 ايلول 2001 ، فإن حرب العراق لا تزال تبحث حتى الان عن مبرراتها ما عدا تلك الموجودة في عقل بوش وديك وتشيني وبقايا المحافظين الجدد.
نعم الانباء الواردة من وول ستريت قاتمة، لكن الانباء عن حروب بوش أشد قتامة.
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى