روبرت لاسي في تتمة لكتابه الشهير ‘المملكة’ ‘في داخل المملكة’: ملوك، رجال دين، حداثيون، ارهابيون وكفاح من أجل السعودية
ابراهيم درويش
السعودية دولة كان يجب ان لا تكون، وجودها الان يناقض قوانين المنطق، انظر الى حكامها بلباسهم المثير للعجب، يثقون بالله ويديرون بلدا غنيا بالنفط بناء على قوانين تخلى عنها العالم المعاصر. تغلق فيها الدكاكين في وقت الصلاة، وتقام فيها عمليات الاعدام بالساحات العامة. السعودية واحدة من اكثر بلاد العالم لغزا، وتظل حزورة عصية على الفهم، لهذا السبب ذهب اليها روبرت لاسي عام 1979 لكتابة مؤلفه الممنوع في السعودية والذي ذاع صيته في العالم العربي والعالم ‘المملكة’ لكشفه الغطاء عن مملكة تعرف بالصمت والانغلاق على الاقل حتى وقت كبير. السعودية بلد يحفل بالتناقضات الظاهرية فمن ناحية تنتشر مظاهر الحداثة فيه ومن ناحية اخرى يصر حكامه على موازنة الحداثة مع التقاليد، الملك هو الراعي للامة التي نجح الملك عبدالعزيز بن سعود عبر القضاء على منافسيه في شبه الجزيرة العربية وإعلان الدولة الثالثة، توحيدها والتي قال انها بلد اجداده. وهذا الامر اثار استغراب احد الامريكيين الذي علق قائلا عن الكيفية التي نجح فيها ركاب الجمال في توحيد هذا الفضاء الكبير المتناقض تحت راية واحدة وباسم عائلة واحدة هي آل سعود.
سياسة الواقع والواقعية السياسية
كيف حدث هذا؟ كان هو عنوان الكتاب الاول للاسي ‘المملكة ‘ فخلف توحيد المملكة قصة من الحروب القاسية والدبلوماسية والنجاح بالتعامل مع سكان مناطق يمثلون امارات ومناطق تخالف نزعاتها وعاداتها الاخرى. الرحمة والقسوة كانت الطريقة التي خاض فيها ابن سعود كما يعرف في الادبيات الغربية حروبه حتى تحقق له النجاح ببناء مملكته التي اجبرته على الاعتراف بأهمية التنوع السكاني والثقافي وكذلك الاعتراف بحقيقة الواقع السياسي المتمثل بالتعامل مع واقع الدول الكبرى. بعد ان قدم لاسي قصة السعودية الحديثة وجذورها التاريخية في التحالف بين اتباع محمد بن عبدالوهاب وآل سعود.
بلد التناقضات
يتساءل القارئ لكتاب لاسي الجديد الذي يعتبر تتمة للكتاب الاول، ان كانت هناك حاجة لتتمة؟ للكاتب مبرراته فهو عاد الى المملكة عام2006 بعد غياب عنها مدة ربع قرن أي منذ صدور كتابه الاول عام 1981. والهدف قراءة التناقضات الظاهرية التي تجعل من محاولات الموازنة بين الحداثة والتقاليد – الدين والقبيلة ـ امراً إشكاليا، فهذه التناقضات الظاهرية قد تقود الى آثار قاتلة قادت الى 11 /9 في نيويورك وجعلت السعودية التي يعتمد على نفطها الاقتصاد العالمي وحياة الملايين في الغرب لان تصدر للعالم عددا من الكلمات التي صارت عنوانا للمملكة، فهو يذكرنا بالمقدمة بهذه الكلمات التي تعلمناها ودخلت القاموس الصحافي والاكاديمي : وهابية، جهادي، الافغان العرب، عاصفة الصحراء والفتاوى ويحدد الكاتب اكثر متسائلا عن الجامع المشترك بين هذه الكلمات ويعود للتساؤل :اي بلد قدم 15 انتحاريا في الهجمات على امريكا عام 2001؟ اي بلد قدم الكم الاكبر من المجاهدين الاجانب في افغانستان، وثاني بلد من ناحية عدد السجناء في معتقل غوانتانامو في خليج كوبا؟ اضافة الى عدد كبير من الارهابيين والانتحاريين في العراق؟ الجواب هو السعودية.
كيف غيّر العالم السعودية وكيف غيّرته؟
يرى الكاتب ان مشاكل السعودية اثرت على التحولات العالمية فهو لم يكن يعرف قبل ثلاثة عقود عندما انتقل وعائلته للعيش في جدة اين ستقود التناقضات ومعها النفاق. وهو ان فعل هذا في كتابه الاول الا انه في هذا الكتاب يحاول كتابة تتمة الرواية التي لم تنته بعد وقد تحتاج الى رواية اخرى بعد ثلاثة عقود من غيره. لكن فكرة السعودية القائمة على عوامل من التوتر هي تيمة الكتاب الحالي وما يراه الكاتب آثارا كارثية بسبب الفشل في جسر الهوة بين التقليدي والمعاصر وهذا له اسبابه المرتبطة بقرار الدولة أو آل سعود. يقول انه في عام 1982 بعد عام من صدور ‘المملكة’ منعت وزارة الاعلام كتابه على خلفية 97 خطأ منها ما له علاقة بفهم الكاتب للاسلام واخرى تاريخية، وهو وان وافق على تعديل ما له علاقة بالاسلام الا انه رفض تعديل الصفحات المتعلقة بالتاريخ خاصة ما له علاقة بالنزاع بين ابني سعود وفيصل الذي ادى لازاحة الملك سعود عن العرش عام 1964. ولهذه الاسباب منع الكتاب حتى ترجمته العربية المتوفرة على الانترنت عانت مصير النسخة المطبوعة.
شهادات
السؤال ان كان الكاتب سيقدم لنا معرفة ليست متوفرة عن السعودية، او يحلل مناطق مجهولة في مسائل النزاع المعروف بين الاجنحة او الخلاف بين السياسة والدين. ومن هنا نقول ان اهمية الكتاب مثل سابقه تنبع من كونه شهادات لسعوديين، من مختلف الطبقات جمعها الكاتب على مدار ثلاثة اعوام حول بلدهم المتغير منذ عام 1979. وهنا لا بد من الاشارة إلى ان اختيار التاريخ هذا محمل بالدلالات، فبعد 30 عاما ما زال العالم يواجه آثار تلك السنة التي انتصرت فيها الثورة الاسلامية في ايران، واحتلت فيها القوات السوفييتية افغانستان، واحتلال الحرم من قبل اتباع جهيمان العتيبي. وان كان العالم يحتفل بمرور عشرين عاما على انهيار جدار برلين ونهاية الحرب الباردة. فما حدث في افغانستان كان كفيلا بما حدث للامبراطورية السوفييتية التي واجهت فيتنامها هناك.
من جيهمان بدأت القصة
وبالمقارنة بين عامي 1979 و 1989 نرى ان آثار عام 1979 تظل اكثر اهمية على مصير العالم من جدار برلين الذي لم يغير الكثير من الحقائق سوى توحيد بلد مقسم. اما عام 79 فما زالت ‘الاصولية’ الاسلامية و’ايران’ تمثلان إشكالا للغرب وكأن العالم دار دورته وعادت امبراطورية ثانية للدخول في مستنقع افغانستان. بهذه المثابة نرى ان كتاب ليسي مساهمة في فهم تحولات السعودية من تمرد جهيمان الى تمرد ورثته من القاعدة ومن تمظهر الخطر الايراني في الثمانينات عبر انتصار الثورة وانتفاضة المنطقة الشرقية ـ مناطق الشيعة فالسيناريو لا يزال قائما كما كان. عاشت السعودية خلال الثلاثين عاما العديد من التحولات ولكن عامل جهيمان العتيبي ترك اثره عليها ففترة التدين التي طبعت فترة الملك فهد كانت تراجعا لما نظر اليه انفتاح في داخل المجتمع السعودي، لقد غير جهيمان صهر المهدي كل ملامح الحياة، باتت الدولة خائفة من المشايخ، ومنعت صور النساء في الصحف، والاغاني في التلفاز، وكما تشير شهادات من عاش تلك الفترة فهم يرون فيها انهيارا للاحلام وزمن الخيبات تأسلم فيها المجتمع المتأسلم اصلا وتمت فيه اسلمة المنهاج التعليمي فلم يعد يحتوي الا المواد الاساسية فيما زيدت فيها جرعات الدين والتاريخ الاسلامي اضافة لتاريخ آل سعود. وينقل الكاتب شهادات اساتذة جامعات عن اثر سياسات الدولة من ناحية شطب والغاء مواد لم تعد مناسبة للتدريس، ومن هنا ينقل عن استاذ امريكي في جامعة البترول ان عمله اقتصر في مرحلة الجلوس مع مدير قسمه لتمزيق صفحات الكتب التي تحتوي على صور غير مناسبة.
سلطة المشايخ
في ظل هذا الجو من ‘التقوى’ نشأ جيل تشبع بهذه الثقافة وهو الجيل الذي استفاد من سياسات الدولة الداعمة للمشايخ، والمطوعين الذين لم يعودوا تلك المجموعة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر بل صارت صاحبة سلطة فلم يعد يكفي لصاحب المحل الصلاة في مكانه بل صار واجبا عليه الذهاب الى المسجد، كما ظهرت آثار النعمة عليهم من ناحية قيادة سيارات ‘جي ام سي- جيمس’. على العموم فإعدام جهيمان لم يقض على افكاره بل اجبرها من القبر على تنفيذ برنامجه. وقد استمر التحالف بين المؤسسة الدينية والحاكمة في عهد الملك فهد،الذي لم يكن على علاقة جيدة مع الشيوخ، خاصة عبدالعزيز بن باز الذي كان يمارس سلطة واسعة على المؤسسة، وكان جهيمان واحدا من تلامذة الشيخ عندما كان الاخير في المدينة قبل ان يختلفا ويصبح جهيمان هاربا في الصحراء قبل ان تأتيه الاحلام ويحدد المهدي من اتباعه. وهنا يقدم الكاتب حركة جهيمان على انها نتاج للنشاط السلفي في البلد والذي تم برعاية من الشيخ بن باز قبل ان يخرج جهيمان على الشيخ. واصل الملك فهد سياسة استرضاء المشايخ ورفض الاستماع لدعوات انشاء مجلس الشورى وهي الفكرة التي رفضها الملك فيصل وعارضها اثناء حكمه. انشأ الملك فهد مجمعا لطباعة القرآن الكريم لتوزيع ملايين النسخ على الحجاج وعلى مسلمي العام وبعدة ترجمات، كما اعلن عن نفسه خادما للحرمين.
رحلات الجهاد
لا يمكن تجنب الحديث عن الدور السعودي في افغانستان، على الصعيد السياسي او الشعبي. فقد دعم النظام جهود الفصائل المقاتلة للاحتلال السوفييتي، ويشير مسؤول في الاستخبارات إلى انه وبأمر من الملك حمل الى باكستان شنطة محشوة بالدولارات من فئة 200 وسلمها للجنرال ضياء الحق بحضور مسؤولي الاستخبارات الباكستانية لشراء اسلحة وتوزيعها على قادة المجاهدين. هذا الوضع مرتبط بالعلاقة ‘الخاصة’ بين امريكا والسعودية التي تعود الى ما بعد الحرب العالمية، وهي علاقة يراها الكاتب على اهميتها جعلت كل طرف يشعر بخيبة امل من الاخر. ولكن هذا لا يعني تخلي اي منهما عن الاخر فقد قال ملوك آل سعود للامريكيين ‘ نعتمد بعد الله على امريكا’ ويشير الكاتب إلى ان اول خيبة امل تلقاها السعوديون كانت في اجتماع ابن سعود مع روزفلت الذي طلب منه المساعدة بإقامة وطن قومي لليهود لان النازيين اضطهدوهم، اجابة ابن سعود تعبر عن بساطته البدوية، وطريقة العرب في حل المشاكل وهي تأديب الظالم حيث قال للرئيس الامريكي انه يجب معاقبة النازيين وتوطين اليهود في اراضيهم. لكن القرار كان قد خرج ووعد بلفور البريطاني وجد مصادقة من امريكا الحليف الجديد للسعودية. وفي هذا السياق يشير الكاتب الى التناقض الظاهري في العلاقة بين البلدين، على صعيد الرؤية هنا، فالملك فيصل مات مؤمنا بوجود مؤامرة صهيونية. والامريكيون الذين يحاولون استرضاء اللوبي اليهودي كانوا يتجنبون الظهور جنبا الى جنب مع مسؤولين سعوديين’ بغطر وعباءات’ في وقت الانتخابات الامريكية.
الأمير بندر
ومن هنا يشير الكاتب الى الدور الذي لعبه الامير بندر في العلاقة مع امريكا وما قامت به الدولة السعودية لحماية مصالحها ومصالح امريكا ونادي سفاري. حيث تمت رشوة الرئيس الصومالي محمد زياد بري بـ 73 مليون دولار للخروج من الفلك السوفييتي وقاتلت قوات مغربية خاصة القوات الانغولية دفاعا عن نظام موبوتو سيسكو. وما قام به بندر من تأمين صفقات سلاح، مقاتلات وصفقة الاواكس واخيرا صفقة اليمامة.
مناخ التدين في عقد الثمانينات من القرن الماضي مرتبط بتراجع اسعار النفط ونهاية عهد الازدهار، وتفاقم مشاكل الدولة، فالكاتب يقول ان السكان كانوا متسامحين مع الحياة الخاصة وتبذيرالامراء للمال طالما لم يتغير مستوى حياتهم لكن الازمة الاقتصادية والبطالة وزيادة معدلات الولادة وضعت البلاد على مسار آخر. ولا ينسى الكاتب الاشارة الى الخلاف بين وزير النفط المعروف احمد زكي يماني الذي لم يستطع العمل مع الملك فهد، لفقدان الكيمياء بينهما وكيف انه عرف عن ‘عزله’ من منصبه وهو يلعب لعبة الورق ‘بلوط’ الشعبية. ويفهم من قراءة الكاتب ان حضور يماني العالمي، يجيد الانكليزية، وقدرته على التحاور، ازعج الملك الذي لم يكن يجيد الانكليزية كما ان لقب ‘شيخ’ لم يعجب من كانوا في حاشية الملك الذين قالوا انه ‘كان مجرد استاذ عادي’ فكيف يلقب بشيخ المحفوظ عادة لرؤوس القبائل؟
بن لادن الظافر
في ظل هذا الجو المتدين، واستيعاب الدولة لاعداد من الاخوان المسلمين من مصر وسورية ساعدوا على تعزيز جو التدين، ومنهم يذكر محمد قطب شقيق الكاتب والناقد والاسلامي المعروف سيد قطب والشيخ عبدالله عزام ، بدأ اسامة بن لادن خطواته نحو افغانستان وهي الخطوات التي قادته للقاعدة والجهاد العالمي. ويشير الكاتب هنا الى قصة محمد بن لادن ‘البنا’ ومملكته التجارية التي اقامها، ورحلات اسامة الى افغانستان وعلاقته مع المؤسسة السعودية التي دعمت في مرحلة ‘رحلات الجهاد’ الى هناك. عقد التسعينات يعتبر من العقود التي واجهت فيها الدولة السعودية مخاطر على وجودها، فمن احتلال الكويت، ودخول القوات الاجنبية الى الاراضي السعودية. فمن ناحية ادى دخول صدام حسين الكويت الى ازمة عالمية وشق عربي، حيث وجدت السعودية نفسها امام تحديات عربية من ناحية دعم حلفاء لها لصدام ومنهم عرفات الذي دعمت السعودية منظمته بمليار دولار خلال عقد الثمانينات، واليمن التي اعادت احلامها باستعادة اراض ٍ تقول ان السعودية سلبتها منها والملك حسين وارث اجداده الهاشميين، فيما ابتعدت دول اخرى مثل الجزائر والسودان وليبيا عن الامر. ترددت المؤسسة الدينية مثلما ترددت في مسألة جهيمان في الوصول الى فتوى تبيح الاستعانة بقوات اجنبية للدفاع عن السعودية وكان قرارها مثيرا داخليا وخارجيا، لكن آثاره الداخلية هي التي تركت آثارها على وضعية آل سعود، ومن هنا نشأت الصحوة في مناطق القصيم وبريدة، وظهرت مسألة خطاب المطالب ومذكرة النصيحة، اضافة الى مطالب نسوية بالاصلاح والسماح لهن بقيادة السيارات. وفي ظل هذا وجد بن لادن العائد منتصرا نفسه امام واقع لا يمكنه العمل، فهو المجاهد الذي تعود حياة الجهاد، وجد نفسه مقيد اليدين، رفضت عروضه لقتال صدام وحذر من انشاء معسكرات تدريب في اليمن حتى لا يمس سيادته . وعندما بدأ يصدر اصواتا صودر جوازه فاستعاده بواسطة وخرج إلى أفغانستان كما يقول الكاتب ومنها الى السودان حيث بدأ مرحلة جديدة من كفاحه. كانت عودة الظافر من افغانستان مساحة امل لبن لادن لاستعادة نشاط حرب الجهاد وفي ساحة الكويت ولكنها فشلت. وهنا ينقل الكاتب من وصفوا الاحتفالات التي عقدت لاستقبال بن لادن واطباق الحلوى والمشروبات التي قدمت بعد عودته.
الشيعة
كانت مهمة اكمال الاصلاحات في مناطق الشيعة واحدة من الطموحات التي حاول الملك فهد تحقيقها وارسل الى المنطقة الشرقية ابنه للاشراف عليها، لكن المهمة قوبلت بعقبات وهي ان الكثير من قادة الشيعة في السعودية هربوا الى ايران ومنها الى سورية ، وهنا يشير الكاتب الى ان الملك فهد كان بطبيعته متسامحا في هذا الشأن ومخلصا في تحسين اوضاع المنطقة، لكن يظل العامل الايراني مصدر قلق له خاصة بعد الاضطرابات التي قام بها الحجاج الايرانيون في الاماكن المقدسة. ومع ان الصفار وجماعته تركوا ايران الى سورية في محاولة لاظهار الاستقلالية الا ان المشكلة ظلت قائمة حيث تم الحوار مع اطراف منهم. ويشير الكاتب الى جهود الشيعة السعوديين في الاعتماد على منظمات حقوق الانسان الامريكية لتظليل مظالمهم.
الصحوة
وبنفس الاطار نقلت جماعات الصحوة معركتها للخارج حيث اقامت لجاناً ومكاتب للمعارضة في لندن وكانت مؤثرة في ازعاج الحكومة السعودية. في ظل هذه المشاكل مرض الملك فهد واصيب بجلطة دماغية اقعدته عن العمل ومنذ عام 1995 وحتى 2005 ظل ولي العهد الامير ثم الملك عبدالله القوة التي تدير البلاد. ويوصف عهد الملك عبدالله بالاصلاحي، ويشير الى ان الملك عبدالله يختلف عن سلفه من ناحية اسلوب الحياة والنظرة المادية للامور، فهو وإن عانى من مشاكل في النطق الا انه تعلم، واجرى العديد من الاصلاحات إن على صعيد وضعية الامراء أو موقفه من الاصلاح ودور المرأة، الا ان سجله يظهر انه اصلاحي متردد لكن ما يميزه عن سلفيه خالد وفهد ان عهده يشهد تحولات جديدة على صعيد العلاقة بين مؤسسة الحكم ومؤسسة رجال الدين. وهنا لا بد من ذكر عامل القاعدة والهجمات على امريكا وحرب القاعدة ضد المؤسسة في مرحلة لاحقة. فمؤسسة الامراء وان كانت مترددة بتقبل اي صلة سعودية بالهجمات الا ان الامير عبدالله كان من اول الامراء تقبلا للحقيقة بعد ان قدمت له الملفات.
جهيمان وبن لادن
في داخل كتاب لاسي مفصلان الاول وهو اثر جهيمان على آل سعود والسعودية بشكل عام فهو اجبر العائلة على تبني آرائه خوفا من تكرار المشهد المريع في مكة، فيما باشرت اصوات الصحوة دور الناصح للعائلة والمحاضر لها كي تقوم باصلاح نفسها والا خسرت شرعيتها. اما المفصل الثاني فهو الهجمات على امريكا، التي ادت لتغيير العالم وليس السعودية وحدها، ومن هنا نلحظ ان اثرها على بلد بن لادن انها سحبت الغطاء والقوة عن مؤسسة العلماء واعطت القياد للملك ولم يعد رجال الدين والحالة هذه قادرين على مواجهته، وما زاد حرج وضع المؤسسة الدينية ليس ان القاعدة عادت ببنادقها للبيت ولكن تصرفات ممثليها كما حدث في حريق مكة، ومحاولتهم الهجوم مرة اخرى والحفاظ على مميزاتهم.
العلاقة الخاص في النعش
ان كانت العلاقة بين مؤسسة المشايخ والامراء قد تأثرت بسبب بن لادن ، فالعلاقة الخاصة بين امريكا والسعودية التي قامت على النفط وضع جورج بوش المسمار الاخير في نعشها عندما ذهب واحتل العراق. العلاقة كانت تعاني من مشاكل في ظل كلينتون الذي يصفه بندر بن سلطان بعرفات لانه لا يقول لا ولا نعم، بل ‘ لعم’ ولكنها تفاقمت بعد وصول المحافظين الجدد والاحداث التي تبعتها، وتوترت العلاقة في ظل التمترس الامريكي الى جانب اسرائيل لدرجة ان الامير عبدالله في حينه رفض اكثر من دعوة من الرئيس الامريكي لزيارته في منتجعه بتكساس. الان يرى الكاتب ان العلاقة الخاصة قد تكون انتهت.ويشير اليها برحيل بندر واستقالة تركي الفيصل من منصب السفير لأسباب عدة: ايران، مالية السفارة، منصب مدير الامن القومي. المهم ان امريكا لم تعد تحصل على العروض التفضيلية للنفط، فيما اتجهت السعودية شرقا نحو الصين واتجهت نحو روسيا واعادت العلاقات التي توقفت منذ عام 1938.
مجتمع يبحث عن صورته الحقيقية
هذا على الصعيد السياسي، اما على صعيد الحياة الاجتماعية فينقل لنا الكاتب شهادات وقصصا عن مجتمع يعيش حالة من التساؤل ويقف على حافة التحول. فهو وان بدا مجتمعا غير طبيعي، مليئاً بالنفاق، والعلاقات الشاذة ‘يكتب عن السحاق’ والادمان الا انه يشير إلى ان في داخل هذا المجتمع قوى وحراكا تريد ان تعود لصورتها الحقيقية. تتساءل اصوات عن السبب الذي يجعلها تشعر انها مثل بقية البشر عندما تخرج الى العالم، الرجل يمسك بيد زوجته التي تخلع عباءتها وهو يخلع ثوبه فيما يسبح الاولاد معا في حوض يجعلهم اقرب من حالتهم في قصورهم المسورة. ذهب بوش وجاء بعده اوباما فيما ما زال بن لادن مختفياً، اما الملك في المشهد الاخير من هذه الرحلة فيبدو حائرا في حالة الصلاة يشعر بالحزن ان الجامعة التي دفع لارامكو كل ما تريد لإنشائها لم تكن تحققت. هذا المشهد كان عام 2007 ولكن في هذا العام افتتحت الجامعة التي تعتبر من ارقى الجامعات في العالم. وهنا نتساءل هل حلت الجامعة التناقض الظاهري في هذه المملكة التي يقول الكاتب ان وجودها يظل محل تساؤل للاسباب التي شرحها طوال رحلة ثلاثة عقود؟ ما يميز هذه الرحلة ان معلوماتها متوفرة والسعودية منفتحة ظاهريا وان حاولت التخفي فالاعلام الجديد لا يسمح لها بان تكون كما قيل عنها مرة ‘مملكة الصمت’.
‘ ناقد من اسرة ‘القدس العربي’
Inside the Kingdom
Kings, Clerics, Modernists, Terrorists
and the Struggle for Saudi Arabia
By: Robert Lacey
Hutchinson/ 2009
القدس العربي