الجولان.. مرتفعات الحرب أم هضبة السلام؟
فيصل محمد جلول
تحتل هضبة الجولان موقعا حاسما في قضايا الحرب والسلام في الشرق الأوسط. فمن هذا الموقع يمكن للسلام أن يعم المنطقة ومن هذا الموقع يمكن للحرب أن تدوم إلى أجل غير محدد.
هذا التقدير للمرتفعات السورية لم يكن حتى وقت قصير يتناسب مع التقدير الإسرائيلي والغربي، فالصهاينة يعتبرون أن الهضبة ضئيلة المساحة ويمكن لسوريا الاستغناء عنها والعيش بدونها بدليل أنها “تعايشت” مع الاحتلال خلال العقود الأربعة الماضية. ويوافقهم غربيون القول بأن الجولان لا يتمتع بالنسبة لسوريا بمزايا جيوستراتيجية شبيهة بقناة السويس أو باب المندب أو الدردنيل والبوسفور وبالتالي ليس عقدة في الحرب والسلام في الشرق الأوسط فما بالكم في العالم.
وإذا كان صحيحا أن سوريا تعايشت مع الاحتلال الإسرائيلي للمرتفعات المذكورة في العقود الماضية فالصحيح أيضا أن هذا التعايش كان هادئا في ظاهره ومضطرما في الواقع. ذلك أن الهدوء على هذه الجبهة أتاح لدمشق التفرغ للمواجهة في الجبهات الأخرى المفتوحة في فلسطين ولبنان والعراق وبالتالي لعب أدوار لوجستية حاسمة في نهوض التيار المقاوم في تلك الجبهات ومن خلال هذا الدور اللوجستي كان الجولان وما زال يشكل كلمة السر الكبيرة.
ولو كان الجولان مهملا وغير ذي بال ولا يعتد بقيمته الإستراتيجية لما قفز مجددا إلى الواجهة بعد حرب لبنان عام 2006 وفشل الاحتلال في العراق وأفغانستان وما نجم عنه من تغيير جوهري في الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط. لكن كيف ولماذا توصلت مرتفعات الجولان إلى شغل هذا الموقع الحاسم في قضية السلام والحرب في الشرق الأوسط ؟ الإجابة عن هذا السؤال تقتضي العودة إلى الوراء والانطلاق من الموقع الجيوستراتيجي للهضبة.
الموقع الجيوستراتيجي
يتشكل موقع الجولان المحتل من هضبة من الصخور البازلتية تحتل مساحة 1250 كلم2 أو أكثر بقليل على هيأة منخفض بين جبل العرب (أو جبل الدروز) وجبل الشيخ (أو حرمون) الذي يرتفع إلى 2814 مترا عن سطح البحر ومرتفعات عجلون 1243 مترا وتمتد الهضبة نحو الجنوب باتجاه منطقة إربد في شمال الأردن وفي الشرق وشمال شرق تتواصل مع بادية الشام أو الصحراء السورية، وتطل لجهة الغرب على سهل الحولة وبحيرة طبرية الواقعة على انخفاض 211 مترا تحت سطح البحر، ويفصلها عنها منحدر منفرج، وتتصل الهضبة أخيرا من جهة الشمال بصعوبة مع الجليل الأعلى في فلسطين التاريخية وامتداداتها على مرتفعات جنوب لبنان وهي تحتوي على المخزون المائي الأهم في المنطقة.
احتلت إسرائيل الجولان في حرب الأيام الستة عام 1967 وقامت تباعا بتدمير 163 قرية و108 من الدساكر والمزارع السورية، وطردت 153 ألفا من سكانها جريا على منهجها في التطهير العرقي منذ احتلال فلسطين، ولم يبق من سكان الجولان بعد التطهير إلا 15 ألفا يتوزعون على خمس قرى مقابل عشرات المستوطنات التي تضم عشرين ألف صهيوني موزعين على 37 مستوطنة. وقد بادر المحتل في خرائطه الحالية إلى تغيير أسماء القرى والمدن التي تحمل أسماء عربية واستبدلها بأسماء عبرية وضم القطاع رسميا إلى الإدارة الإسرائيلية عام 1981. وصار المصدر الأول للمياه في إسرائيل (40 % من حاجتها).
ويذكر أن مصر وسوريا أعلنتا الحرب على إسرائيل في 6 أكتوبر/تشرين الأول عام 1973 لاستعادة أراضيهما المحتلة عام 1967 ودارت المعارك في الأيام الأولى لصالح العرب إلى أن تمكنت إسرائيل عبر مساعدة أميركية لوجستية ضخمة من استعادة زمام المبادرة وتحجيم التقدم العربي إلى الحد الأدنى.
وفي 14 ديسمبر/كانون الأول من العام 1981 ضمت إسرائيل الجولان بقرار من الكنيست. أدانه مجلس الأمن الدولي بقرار فوري شهير في 17 ديسمبر/كانون الأول حمل الرقم 350 وصدر بإجماع أعضائه. منذ ذلك الحين لم يتغير الوضع القانوني للجولان وكان لا بد من انتظار العام 1991 حتى تبدأ المفاوضات بين الطرفيين حول مصيره.
مسار المفاوضات
بدأت التسعينات بسقوط الإمبراطورية السوفياتية الأمر الذي حرم سوريا من حليفها الإستراتيجي الأوحد على الصعيد الدولي مما دفع الرئيس الراحل حافظ الأسد إلى إعادة تقييم سياسته الخارجية التي كانت تتمحور حتى تلك اللحظة حول الانسحاب من الجولان دون قيد أو شرط استنادا إلى القرارات 224 و338 و350 الصادرة عن مجلس الأمن الدولي.
وقد أدى احتلال العراق للكويت عام 1990 إلى توفير فرصة للرئيس الراحل حافظ الأسد للتفاهم مع الغرب عبر المشاركة في تحرير الكويت عام 1991. وقد توج هذا التفاهم في نهاية السنة نفسها بافتتاح المفاوضات بين سوريا وإسرائيل حول الجولان تحت شعار مبادلة الأرض بالسلام. بيد أنها لم تفض إلى نتيجة حقيقية وكان لا بد من الانتظار حتى انتخاب إسحاق رابين وتوقيع اتفاقات أوسلو عام 1993 لمعاودة المفاوضات عام 1994، ولتعلن سوريا للمرة الأولى أن السلام هو خيارها الإستراتيجي ولتقبل للمرة الأولى أيضا التفاوض مع إسرائيل مباشرة ودون وسيط.
بالمقابل اعترفت تل أبيب رسميا بالقرار 242 و338 المتعلق بالانسحاب من الأراضي المحتلة.
واستؤنفت مفاوضات أخرى بين الطرفين في واي ريفر عام 1995 لكنها توقفت في أبريل/نيسان 1996 عندما شنت إسرائيل عملية عناقيد الغضب في جنوب لبنان. وتلا ذلك انتخاب بنيامين نتنياهو رئيسا للحكومة، فتوقفت المفاوضات ثانية حتى وصول إيهود باراك إلى السلطة في 17 مايو/أيار عام 1999 لتتعثر المفاوضات مرة أخرى بسبب الخلاف حول عشرات الأمتار المحاذية لبحيرة طبرية.
مفاوضات العام 2008
عقب فشل المفاوضات انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان دون قيد أو شرط وتمركزت “المقاومة اللبنانية” على خط الهدنة المباشر مع الدولة العبرية واستؤنفت أعمال المقاومة من أجل تحرير مزارع شبعا وتلال كفر شوبا ومطالب لبنانية أخرى وذلك برعاية سورية.
ومع هزيمة إسرائيل في حرب العام 2006 وتصاعد المقاومة في غزة وفشل الولايات المتحدة في تثبيت نتائج احتلالها للعراق فضلا عن تعثرها في أفغانستان عادت المرتفعات السورية المحتلة إلى الواجهة في ظل بيئة أمنية مختلفة في الشرق الأوسط ملائمة لسوريا.
واستؤنفت المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين برعاية تركية عام 2008 لتتوقف مجددا بقرار سوري احتجاجا على المغامرة الإسرائيلية الفاشلة في غزة أواخر العام نفسه وبداية العام الحالي الذي ترافق مع إدارة أميركية جديدة وإستراتيجية مختلفة مستخلصة من نتائج فشل حروب المحافظين الجدد في الشرق الأوسط.
رهانات الحرب والسلام
على الرغم من البيئة الأمنية والسياسية الشرق أوسطية الملائمة لسوريا أكثر من إسرائيل من الصعب القول إن الدولة العبرية ستعيد الجولان إلى أصحابه دون قيد أو شرط ما لم تكن مضطرة إلى ذلك. والراجح أن سوريا لن تخلد إلى التعايش مع هذا الملف إلى أجل غير مسمى.
ولعل الرهان السوري على تحرير الجولان ليس محصورا بالأفضليات السورية الراهنة وإنما أيضا بضعف المستندات التي كانت تحكم الموقف الإسرائيلي من الهضبة المحتلة فإسرائيل كانت تعتقد أن لا مصلحة لها في إعادة الجولان إلا بثمن باهظ يكون على هيأة الخروج المصري من الصراع العرب-الإسرائيلي. علما بأن النخبة العسكرية الإسرائيلية كانت تنطلق في نظرتها إلى هذا الملف من الأسس التالية:
* الجولان عمق إستراتيجي لإسرائيل حيث يمكن من قمة جبل حرمون رؤية دمشق بالمنظار العسكري وهو يحرم سوريا من عنصر المفاجأة في أية حرب مقبلة.
* ميزان القوى العسكري يميل لصالح إسرائيل خصوصا بعد انهيار الحرب الباردة. وخروج مصر والأردن من الصراع فضلا عن انهيار العراق. والسلام لا يضيف شيئا جديدا لإسرائيل.
* لا يطرح الاحتلال مشكلة أخلاقية كبيرة على إسرائيل بعد إفراغ الجولان من سكانه.
* الرأي العام الإسرائيلي لا يؤيد الانسحاب من المرتفعات.
* الجولان احتياطي من الأرض للهجرة والتوسع الاستيطاني الصهيوني. واحتياطي حيوي للمياه التي تتناقص في المنطقة يوما بعد يوم، وهو مصدر زراعي وسياحي مهم للدولة العبرية. فضلا عن كونه أرضا توراتية.
* هو ملف ثانوي بالقياس إلى الملف الفلسطيني الذي يعتبر محور قضية الشرق الأوسط.
* لا ينطوي على خطر المقاومة المسلحة أو الانتفاضة المدنية بالنظر لانحصار سكانه القليلين في خمس قرى متجاورة يمكن تطويقها وفرض رقابة عليها في ساعات قليلة.
* ليست سوريا مغرية للديمقراطيات الغربية وللرأي العام الغربي وبالتالي لا تحظى بتعاطف شبيه بالتعاطف الذي يبديه الغربيون مع الفلسطينيين.
ما عادت هذه العناصر قادرة على إسناد موقف إسرائيلي تقليدي حول الجولان خصوصا بعد التغير الكبير الذي وقع في السنوات القليلة الماضية. فقد صارت الموانع الجغرافية أقل أهمية مع التقدم الملحوظ في تكنولوجيا الصواريخ والمزاوجة بين الحرب التقليدية وحرب العصابات.
وما عادت الجبهة السورية معزولة ومستفردة بعد ارتسام جبهتين عسكريتين قويتين في غزة وجنوب لبنان الأمر الذي أضعف الفوائد الإسرائيلية للخروج المصري من الصراع مع إسرائيل فضلا عن وصول المقاومة الفلسطينية شريكة دمشق إلى حدود اتفاقية “كامب ديفد” وضغطها المتواصل على معبر رفح في غزة ناهيك عن صعود القوة الإقليمية الإيرانية حليفة سوريا والتفاهم التركي-السوري غير المسبوق.
من جهة ثانية ما انفكت سوريا لاعبا حاسما في الملف الفلسطيني وبالتالي من الصعب تسوية هذا الملف بمعزل عنها. ناهيك عن أن الغرب يحتاج لدور سوري في كل ملفات المنطقة المفتوحة وبالتالي من الصعب أن تقبل سوريا بالتعاون مع الغربيين من دون أفق لعودة الجولان كاملا إلى سيادتها. ما يعني أن الأسس التي كان ينطلق منها الموقف الإسرائيلي من الجولان باتت بقسمها الأكبر ضعيفة الإسناد.
ولعل تفاصيل المفاوضات التي دارت بين الطرفين عبر مبعوثين غير مباشرين في جنيف عام 2004 و2005. تفصح عن هذا التغيير فقد تراجعت إسرائيل عن شروط سابقة كانت تصر عليها في المفاوضات الثنائية ومن بينها التخلي عن مطلب إعادة بناء الجيش السوري وخفض عديده وعدته. والتخلي عن محطة المراقبة الإسرائيلية الدائمة في جبل الشيخ وعن خط الحدود للعام 1923 والقبول بالاحتكام للقانون الدولي في قضية المياه والقبول بإجراءات عسكرية متساوية على جانبي الحدود ما يعني أن الدولة العبرية تدرك أن الظروف المحيطة بهذا الملف قد تغيرت.
بيد أن الإدراك الإسرائيلي للمعطيات الإقليمية والدولية المتغيرة ناهيك عن اكتشاف محدودية التفوق العسكري وفعاليته النسبية في حربي لبنان وغزة فضلا عن الملف النووي الإيراني ذلك كله لم يدفع الدولة العبرية بعد إلى طاولة المفاوضات من أجل التوقيع على اتفاق حول الجولان اجتمعت كل عناصره في المفاوضات السابقة المباشرة وغير المباشرة.
والراجح أنها لن تفعل ذلك طوعا كما عودتنا من قبل في ملفات الصراع مع مصر ولبنان وغزة الأمر الذي يستدعي ضغوطا أميركية غير مسبوقة أو ممارسة الضغط العسكري المباشر وغير المباشر لحملها على توقيع اتفاق التخلي عن احتلالها للمرتفعات السورية.
ليس الرهان على الضغط الأميركي مجديا بصورة مطلقة خصوصا أن إسرائيل قادرة دائما على التملص من الضغوط وتحجيمها وبالتالي إضعاف أثرها، هذا إذا افترضنا أن واشنطن تحتفظ أصلا بنية الضغط الجدي على الصهاينة ولعل تجربة الشهور الماضية حول الاستيطان كانت غنية بدروسها، مما يعني أن الضغط الأميركي يكون فعالا ومفيدا إذا ما تبين أن هامش المناورة العسكرية أمام الدولة العبرية أصبح محدودا وأن عرب المجابهة معها أكثر تماسكا وتصميما وهو ما يرتسم بوضوح هذه الأيام على كافة الجبهات بما فيها الجولان الذي شهد للمرة الأولى منذ زمن طويل فعالية سياسية عربية ودولية غير مسبوقة في مدينة القنيطرة المحررة.
يسمح ما سبق بالقول إن الجولان هو اليوم أكثر من أي يوم مضى محطة يمكن من خلالها أن ينطلق السلام في المنطقة استنادا إلى المبادرة العربية كما يمكن أن يكون موقعا لحرب أخرى إذا ما اندلعت لن تكون على غرار الحروب السابقة في العام 1967 أو 1973 فقد ولى الزمن الذي يرفع فيه العرب الرايات البيضاء في الصحاري أو على رؤوس الجبال على حد تعبير خبراء إسرائيليين يتزايد عددهم يوما بعد يوم.
الجزيرة نت
أنا أشك في ثقافة جميع الذين يقال عنهم المثقفين العرب – للأسف الشديد جدا لايجد في العالم العربي مثقفين حقيقيين – ولكن يوجد كتاب عندهم القدرة على الكتابة وحسب – المثقف الحقيقي هو الذي يقرأ الحوادث التي تجري حوله قراءة واعية – التاريخ المعاصر للأمة العربية المنكودة والمنكوبة – يبين أن الأمر والنهي في هذه الأمة ليس بيدها بل بيد غيرها – وأكبر شاهد على ذلك احتماعات القمم العربية والتي لاتخرج إلا بقرارات هزيلة هزيلة – لاتسمن ولاتغني من جوع – قرارات وبيانات تأتيهم مكتوبة من خارج الحدود – فيبصمون عليها – وكذلك اجتماعات لجان متابعة المفاوضات — المهينة والمخزية — فيكون دورهم السماح للسلطة الفلسطينية باستئناف هذه المفاوضات – وياليت هم الذين يسمحون أو لايسمحون – هم يتم جلبهم إلى القاهرة فقط من أجل الفلكلور والديكور – وهم يعلمون تمام العلم أن ليس لهم من الأمر شيئا — بل ولا يسنطيع أي واحد منهم الإمتناع عن الحضور — المثقفون العرب لايجرؤ أي منهم على الكتابة حول هذه الحقيقه — تبا لهم ولثقافتهم