قانون الاحوال الشخصية الجديد

هل نحلم بقانونٍ جديدٍ للأحوال الشخصية واقعي؟

عمّار ديّوب
كان يحدونا الأمل، أن تُصدر وزارة العدل قانوناً جديداً مدنياً للأحوال الشخصية، ينظم شؤون الأسرة، ويرتقي بها، بعيداً عن أن تكون أسرة وفق العرف الديني، والوصول إلى قانون يسري على جميع السوريين على قدم المساواة، انطلاقا من كوننا بشراً أولاً،
وبما ينسجم مع الدستور أو بعض نصوصه، التي تؤكد على التساوي في الحقوق والواجبات للجميع أمام القانون، وإذ بنا وبعد أن رفضنا- كعلمانيين- المشروع السابق، يعيدون علينا طرح نفس المشروع القديم، دون فجاجة ظاهرة ولكن بنص رجعي أكيد، كي لا نقول بنص طائفي وذكوري؛ فالنص الجديد، لا يتكلم عن الذمي والكتابي، ولكنه يقول بفساد الزواج في حال زواج المسلمة من غير مسلم، وماذا يعني هذا، غير التمييز بين الأديان وبين الناس لصالح الدين الإسلامي، أي لصالح مذهب محدّد فيه، حيث يؤكد النص أنه يستند إلى المذهب الحنفي حصراً. والسؤال، ماذا نفعل مع من ليس حنفياً، أليس من الخطأ تكرار المشروع القديم، ثم ألم يكن من الأفضل أن يشار لكل المذاهب الإسلامية مثلاً. قولي هذا يؤكد حقيقة أساسيّة، أنّ عقلية التمييز الساكنة تصورات من وضع مشروع القانون، لا تُحدث تمييزاً بين الأديان فقط بل وبين المذاهب في ذات الدين؛ فلماذا هذا التمييز، ولماذا لا نصل لقانون مدني ينطلق من كون الكائن البشر كائناً عاقلاً أولا ً ثم يكون له الحق في اختيار الدين الذي يرغب، أو لا يختار أي مذهب ديني ما.
سوريا ليست بلداً متخلفاً، وفي الغالب والأعم يقال عكس ذلك، ولكن يراد لها أن تكون كذلك، فما حدث في سوريا من تطورات تاريخية، يؤهلها لتقود مسيرة التطور في العالم العربي، وليس أن تُقاد إلى مستنقع الطائفية والمذهبية كما هو حال بلدان عربية مجاورة وبالجملة؟ هذا المشروع يعطي حتى للمجنون حق الزواج، فهل من عقل يحتمل هذا؟! وهو يعود ليؤكد حق الطفل المراهق والمراهقة بالزواج؛ أليس للمراهق وظيفة تعليمية تنسجم مع عمره الزمني والعقلي. والمفارقة، أن حضانة الفتاة تنتهي بالخامسة عشر ويحق لها الزواج في نفس السنة، أليس أمراً مخجلاً، أن نزوّج الفتيات ولا يزلن غير قادرات على إدارة شؤون ذواتهن، فكيف بأسرة وأطفال! ولو حدث ذلك، ما سيكون حال الفتاة، وهل ستكون زوجة أم مغتصبة.
كنت أمل أن يتم الإقلاع كليّة عن ذلك، خاصة وأن النساء بسوريا وصلن في العلم والعمل والثقافة والسياسة إلى مراتب عليا في المجتمع والدولة وبغض النظر عن اعتقادهن الديني، وأن يصار إلى التأكيد على دراسة الفتيات، وتجريم كل من يتزوج بُمراهقة، نعم يجب تجريم ذلك، لأن هكذا زواج هو خرق للاتفاقيات الدولية التي تصون حقوق الطفل، وهدر للكرامة الإنسانية.
النص الذي بين أيدينا، يلغي قوانين الأحوال الشخصية المسيحية الجديدة – ويعيدها إلى سابق عهدها زمن العثمانيين، حيث تخص الزواج والطلاق وفسخ الزواج ودور رجل الدين في كل ذلك- ولا سيما مساواة المرأة أمام القانون وفي الملكية والشهادة، ويعيدها إلى حظيرة المرتبة الأدنى من الذكر، ولو كان الإلغاء لصالح قانون أرقى ولصالح جميع السوريين، لفُهم الأمر وأيدناه، ولكنني ومع رفضي للقوانين الشخصية المسيحية رغم أنها متقدمة بمجالات معينة نظراً لكونها قوانين تخص طائفة معينة، أي قوانين طائفية، وتعزز الطائفية، فإن إلغائها، يشكل نكسة في تطور الوعي نحو قوانين طائفية مغرقة في التخلف، تذرر المجتمع وتنثره مذاهب وأديان. وبالتالي، قليلاً من الحس السليم يستدعي رفض المشروع الجديد، كما رفض القوانين الشخصية القديمة، لما فيها من عيوب طائفية وذكورية وتمييزية، لصالح قانون أسرة جديد يستند إلى مفهوم المواطنة.
عقلية الوصاية على المرأة، لا تزال مبثوثة في كل المشروع، فشهادتها بنص شهادة الرجل، وزواجها ولو كانت كبيرة يتم عبر ولي عليها ولو قرأنا سلسة الولاة لتحولت بالفعل إلى جارية، وهي نظرية ذكورية، تحط من مقدارها ومن دورها المتقدم منذ أكثر من قرنين، وهي كذلك منتقصة الحق في الطلاق، ونصوص المشروع تتعامل معها وكأنه من سلالة بشرية غير سلالة الذكور، حيث الأخيرين مكتملي العقل ويعرفون ما عليهم وما على النساء وما لهم وما للنساء. إن أي تمييز بين البشر غير مقبول، فكيف إذا كان تمييزاً في ما ذكرنا. عدا عن أن التمييز لا ينسجم مع واقع المرأة السوري ولا مع أي امرأة في أي مكان في العالم، فإن موافقة الحكومة عليه- إن وافقت- يعاكس الاتفاقيات التي وقعتها الحكومة السورية مع الجهات الدولة والخاصة بالمرأة وحقوق الإنسان والطفل والتعليم وغيره. وبالتالي، الطبيعي في الأمور أن ترفض هكذا مشاريع كما أن تلغى القوانين القديمة لكافة الطوائف، لصالح قانون مدني جديد، لا يرفض الزواج الديني، ولكن يعتبره شأناً خاصاً لا شأناً عاماً. هل ما طالبنا به هنا مخالف للواقع السوري، أبداً، بل إن المشروع هو المخالف للواقع السوري. قلنا ونُعيد مجدداً، المكلف بالعمل على إيجاد قانون عصري ليس ثلة من رجال الدين ومن مذهب محدّد ومجهولي الهوية في لحظة صدور المشروع، ولا وزير واحد، بل هو عمل يخص جمع كبير من الفلاسفة ورجال القانون ورجال الفكر في أي ميدان وحتى رجال دين منفتحين على العصر والجمعيات النسائية وكل الفعاليات الثقافية والسياسية المهتمة بالموضوع، ونتيجة النقاشات في ما هو ضروري لتكوين أسرة جديدة منسجمة مع روح العصر، بعيداً عن العقلية الطائفية أو الظلامية أو الذكورية. ما أطالب به ليس أمراً عسيراً على السوريين، ولكنه ربما عسيراً على تلك الثلة التي لا تجد لها عملاً في المجتمع الحداثي، الذي يحترم الدين كما المتدينين ولكنه كذلك وأولاً يحترم عقولهم وعلومهم وحقهم حينئذٍ بالاختيار، وكونهم مواطنين في دولة حديثة. فهل نحلم بما ينسجم مع الواقع؟!.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى