من حكايا الوطن… الطربوش بين حسني الزعيم وفارس الخوري.؟
شمس الدين العجلاني
الخوري: لو درت الدنيا كلها لما وجدت رأساً كرأسي يجيء طربوشك عليه «حفر وتنزيل»؟ حسني الزعيم وضع مشروعاً لتوحيد اللباس، وإلغاء الطربوش.
هناك مهن عريقة انقرضت وأخرى على وشك الانقراض لأن الزمن قد عفا عليها وأصبحت (موضة قديمة) ولكل زمان زيه وملابسه.. والطربوش الذي كان في الزمان الغابر أحد مظاهر الرجولة والأبهة حيث كان يرتديه الرؤساء والزعماء، فقد انقرض من الاستعمال في زماننا هذا وأصبح يرتديه بعض الأشخاص في المناسبات الفلكلورية وعلى نطاق ضيق جدا، فهو قد أضحى من التراث.. والآن يضع عدد من علماء الدين والشيوخ عمامة بيضاء ملفوفة على الطربوش..
في دمشق يوجد الآن محلات معدودة قد لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة لصناعة الطرابيش وترميمها بعد أن كان هناك أكثر من 500 محل لهذه الغاية. ويباع الطربوش في محلات التحف الشرقية والقديمة. واشتهر بدمشق في الخمسينيات من القرن الماضي بائع الطرابيش حمدي قنارة (أبو محمد) في ساحة المرجة، ويقال إن آخر طرابيشي في سورية هو الحمصي الحاج(عبد الفتاح تربة دار) والذي كان من أشهر زبائنه الرئيس السوري هاشم الاتاسي.
والطربوش كان من مقاييس الوجاهة والرجولة المطلقة للرجل، حتى إن الأطفال حينما كانوا يبلغون سن السابعة، بل ما دون، كان أهلهم يضعون الطرابيش على رؤوسهم تفاؤلاً ببدء سن الرجولة. والطربوش هو لباس للرأس ذو شكل اسطواني( قبعة طويلة) منتظم مبطّن بالقش وله ذؤابة أي شرابة من خيوط حريريّة سوداء. يراوح لونه بين الأحمر الفاقع والخمري الداكن. ويوضع على الرأس إمّا مائلا إلى الوراء أو إلى أحد الجانبين.
ظهر الطربوش في دمشق أيام إبراهيم باشا، وهو الابن الأكبر لمحمد علي باشا والي مصر. الذي استولى على سورية مدة تقارب عشر سنوات (1831-1841)، وأثناء حكم إبراهيم باشا للشام عمم الطربوش عوضا عن العمامة. وقد دار جدل كبير حول أصل الطربوش وهويته التراثية، فقيل إن أول من لبس الطربوش هم النمساويون في أوروبا ومن ثمّ انتشر في العديد من بلاد العالم حتّى صار لباساً لرأس العامة من الناس غنيّهم وفقيرهم مع اختلاف في ألوانه وأنواعه وأسعاره. وقيل إن أصله يوناني وقيل أيضاً إنه عثماني الأصل.؟
شهد الثلث الأخير من القرن العشرين العديد من الطرابيش ذات الشهرة الكبيرة، والتي نسبت إلى العائلات الدمشقية فكان هنالك طربوش: الأبيش، المهايني، العظمة، البكري، الحسيني، السبيعي و…
حسني الزعيم:
يذكر أن الرئيس السوري حسني الزعيم (1897-1949) الذي حكم سورية اعتباراً من صباح 30 آذار 1949 ولمدة 137 يوماً حفل بالعديد من التصرفات النادرة والمضحكة في آن واحد ومن نوادره أنه أصدر مرسوما جمهوريا منع بموجبه الموظفين والمستخدمين لدى الحكومة من ارتداء الطربوش.؟ في حين كان السلطان العثماني سليمان القانوني أصدر فرماناً (مرسوماً) بتعميم ارتداء الطربوش في دوائر ومكاتب الجهات الرسمية العثمانية.
ويذكر أن حسني الزعيم كان مهتماً بمظهره ومهتماً بمظهر المواطن أسوة بما تم في تركيا خلال عهد مصطفى كمال (أتاتورك) وتأثر حسني الزعيم بقانون «القيافة» الذي أصدره عام 1926 كمال أتاتورك منع بموجبه استعمال الطربوش في الأراضي التركية، وكان الزعيم يرفض اعتمار الطربوش خلافاً للتقليد المتبع لدى رئيس الجمهورية السابق شكري القوتلي وكبار سياسيي سورية آنذاك وكان عازماً على توحيد اللباس في سورية وإلغاء الطربوش نهائياً فكان أن وضع مشروعاً لتوحيد اللباس، وإلغاء الطربوش، وأمر ذات مرة الشرطة والدرك بمعاقبة كل من يظهر في الشارع مرتدياً البيجاما قبل أن يصدر مرسوما بذلك.
ويروى أن الشيخ أحمد كفتارو ذكر عن حسني الزعيم أنه كان إنسانا مستعجلا ومتحمسا، وعندما استلم الحكم أراد علمنة البلاد على الطريقة الاتاتوركية بين ليلة وضحاها.. وكان كفتارو على صلة مع الزعيم، وكان أخو الزعيم شيخاً معروفاً.. وعندما أمر الزعيم بمنع الطربوش ولبس البرنيطة.. زاره كفتارو وحاوره بطريقة كوميدية وذكية وبعد حديث ديني بسيط بدأ كفتارو يستنكر محاولة حسني الزعيم علمنة البلاد. «واستهجن» طلبه منع الطربوش والإصرار على لبس البرنيطة. فقال له: السيد الرئيس، عندما يتم اكتشاف دواء جديد في الغرب تتم تجربته على الحيوانات بداية وبعد أن تتم التجارب عليه ويثبت نفعه يتم تعميم العلاج وطرحه بالسوق. هات لنا عدداً من الحمير ولنلبسها برنيطة.. ولنتركها فترة شهر أو شهرين.. فإن أصبحت هذه الحمير بعد شهرين ذكية وعاقلة.. فأنا معك ولكن صدقني بعد شهرين لن يكون لدينا إلا حمار ببرنيطة أو…. خواجا حمار..
فارس الخوري:
كان الزعيم الوطني فارس الخوري ( 187-1962)م صاحب رأس كبير الحجم، وهذا ما سبب له الكثير من المواقف الطريفة. فيروي عنه الكاتب والصحفي عادل أبو شنب قصة طريفة عن طربوشه في كتابه «شوام ظرفاء» حيث يقول: ( مرّ فارس الخوري بأحد أسواق دمشق فرأى طربوشاً يناسب رأسه فجربه وسأل عن ثمنه فوضع البائع رقماً كبيراً، ولعله رفع الثمن لندرة وجود طربوش يستوعب رأس زبونه، لكن الخوري استغلاه وهمّ بالانصراف، فقال له البائع اسمع يا فارس بيك لو درت الدنيا كلها من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها لما وجدت طربوشاً كهذا يناسب رأسك «المبجبج» ما شاء اللـه وردّ السياسي السوري البارز فارس الخوري في الحال: اسمع يا أخانا أنت أيضاً لو درت الدنيا كلها لما وجدت رأساً كرأسي يجيء طربوشك عليه «حفر وتنزيل» ويُقال إن الخوري أخذ الطربوش برأسماله).
بينما يروي نفس الحادثة الكاتب اللبناني «سلام الراسي» في كتابه «لئلا تضيع» أن هذه الواقعة قد حدثت بمصر فيقول: (اشتهر فارس الخوري بكبر جمجمته، ومع أنها بالمعنى المجازي كانت كبيرة جداً بما وسعت من مدارك بلغت أحياناً حد العبقرية، إلا أن حجمها الطبيعي كذلك، كان كبيراً، حتى إن «فارساً» كان يعجز أحياناً عن العثور على طربوش يحيق بهامته الكبيرة.
وقصته مع بائع الطرابيش، أنه في أثناء وجوده يوماً في مصر، احتاج إلى طربوش جديد، فطاف على جميع محلات بيع الطرابيش، حتى عثر على طربوش كبير، إلا أنه استكثر الثمن الذي طلبه البائع، وعرض عليه ثمناً معقولاً، فقال البائع: «اعلم بأنك لو فتشت في جميع أسواق القاهرة، لما وجدت طربوشاً واحداً بكبر هذا الطربوش، فقال فارس: واعلم أنت أيضاً بأنك لو جمعت جميع سكان البلاد العربية، لما وجدت رأساً واحداً بكبر هذا الرأس).
كلنا شركاء