نشيدنا الوطني
المحامي لؤي اسماعيل
إنها لحظة من الشموخ لا يعادلها شيء في الدنيا وأنت تقف احتراما وإجلالا للنشيد الوطني السوري حيث يرفرف العلم خفاقا بعزة وكبرياء تتلقفه العيون والقلوب بكل محبة وعطاء .
لهذا النشيد قصة قد تغرب عن بال الكثيرين لمضي الوقت وطول الزمن :
كان هنالك إجماع على اختيار كلمات الشاعر خليل مردم بك ككلمات للنشيد الوطني والشاعر خليل مردم بك هو ابن دمشق ولد عام 1895 بدأت موهبته الشعرية بالنضوج في سن مبكرة . بعد جلاء الاحتلال العثماني عين مميزاً لديوان الرسائل العامة، وفي عام 1919 عين مدرساً في مدرسة الكتاب والمنشئين التي أنشأتها الحكومة لتدريب موظفيها، لما أعن استقلال سورية، وبويع الملك فيصل الأول ملكاً عليها، وتألفت أول وزارة سورية، نقل من ديوان الرسائل العامة، وسمي معاوناً لمدير ديوان الوزراء، وبعد أن دخل الجيش الفرنسي دمشق، صرف من العمل في الحكومة. وفي عام 1921 أسس مع عدد من الشعراء والأدباء جمعية “الرابطة الأدبية ” ثم أنشأت الرابطة مجلة ناطقة باسمها دعتها “مجلة الرابطة الأدبية” صدر العدد الأول منها في الأول من أيلول 1921 ثم ما لبثت أن توقفت بسبب تضييق سلطات الانتداب الفرنسي عليها ، ألهبت قصائده الوطنية النفوس أثر قيام الثورة السورية الكبرى مما عرضه للملاحقة الأمر الذي دفعه للهرب إلى مصر ثم لندن حيث تابع هناك تحصيله العلمي وفي عام 1929 عاد إلى دمشق ليبدأ نشاطه الأدبي والعلمي حيث عين مساعداً لرئيس الأدب العربي في “الكلية العلمية الوطنية” وظل فيها تسع سنوات (1929 ـ 1938) وفي عام 1942 حيث عين وزيراً للمعارف
كل هذه الأسباب جعلت كلماته ” حماة الديار ” محط إعجاب الجميع وتم اعتمادها ككلمات للنشيد الوطني السوري ولكن بقي اعتماد اللحن لهذه الكلمات لكي يخرج النشيد الوطني بأبهى حلة .
وفي عام 1938 أعلنت الحكومة السورية عن مسابقة لإختيار لحن لـ ” حماة الديار ” وشكلت لجنة خاصة لهذا الغرض فتقدم لهذه المسابقة عدد كبير من الملحنين حيث قارب عددهم الستين ملحنا وكان من قائمة المتقدمين الأخوان أحمد ومحمد فليفل من بيروت وعلى ما يبدو لم يرق ذلك للجنة فامتنعت حتى عن مجرد لقائمهما .
الأخوان أحمد ومحمد فليفل من مواليد محلة الأشرفية في بيروت ولهما العديد من الألحان الوطنية التي انتشرت على كل لسان منها ” بلاد العرب أوطاني – نحن الشباب – في سبيل المجد – موطني ” أما أول نشيد لحناه فكان في العشرينيات ويقول مطلعه :
سوريا يا ذات المجـد والعزة في ماضي العهد
إن كنت لنا أهنى مهد فثراك لنا أهنى لحــد
وأمام رفض اللجنة استقبالهما لم يجدا من سبيل إلا اللجوء إلى السيد فارس الخوري الذي كان رئيسا لمجلس النواب السوري آنذاك حيث شكيا له اللجنة وردة فعلها فطلب منهما سماع اللحن الذي أعجبه وعلى ما يبدو فإن ” الواسطة ” لم يكن لها ذلك التأثير لذلك لم يشأ فارس الخوري التدخل بعمل اللجنة بل طلب من الأخوين فليفل تعليم أطفال المدارس ” اللحن ” لكن كنشيد وطني عادي لا كنشيد رسمي وبهذه الطريقة انتشر النشيد واللحن على كل لسان وظل الأمر على حاله حتى انعقاد اجتماع سان فرانسيسكو الذي بحث استقلال سورية, حيث مثل سورية فيه فارس الخوري( قصة جلوسه على كرسي المندوب الفرنسي معروفة ) وفي ذاك الاجتماع تم إقرار حق سورية في الاستقلال, ومن هناك أعلن فارس الخوري أن النشيد الوطني الرسمي لسورية سيكون (حماة الديار) للحن الأخوين فليفل. وأثناء العرض العسكري الذي أقيم احتفالاً بالجلاء لجيشنا الفتي عام 1946م, كانت مكبرات الصوت تذيع النشيد الوطني بلحن الأخوين فليفل.
أما كلمات النشيد الوطني السوري
حُـماةَ الـدِّيــارِ عليكمْ ســـــلامْ أبَتْ أنْ تـذِلَّ النفـوسُ الكِرامْ
عَـرينُ العروبةِ بيتٌ حَــــــرام وعرشُ الشّموسِ حِمَىً لا يُضَامْ
ربوعُ الشّـــآمِ بـروجُ العَــــــلا تُحاكي السّـماءَ بعـالي السَّـنا
فأرضٌ زهتْ بالشّموسِ الوِضَا سَـماءٌ لَعَمـرُكَ أو كالسَّـما
رفيـفُ الأماني وخَفـــقُ الفؤادْ عـلى عَـلَمٍ ضَمَّ شَـمْلَ البلادْ
أما فيهِ منْ كُـلِّ عـينٍ سَـــوادْ ومِـن دمِ كـلِّ شَـهيدٍ مِـدادْ؟
نفـوسٌ أبـاةٌ ومـاضٍ مجــــيـدْ وروحُ الأضاحي رقيبٌ عَـتيدْ
فمِـنّا الوليـدُ و مِـنّا الرّشـيــــدْ فلـمْ لا نَسُـودُ ولِمْ لا نشـيد؟
عمليا استمر العمل في نشيد حماة الديار إلى زمن الوحدة مع مصر حيث تم الاستعاضة عنه بنشيد أخر وبعد الانفصال تم العودة إليه كنشيد وطني للجمهورية العربية السورية .
كلنا شركاء