لا يحتمل التأجيل: لابد من إلغاء قانون أحوالنا الشخصية
لافا خالد
قانون الأحوال الشخصية السوري هي نقطة تلتقي فيها نظرتنا للموروث الاجتماعي بالخطوة التي تلي غدنا هو ذا حالنا في قانون أحوالنا الشخصية الذي يشكل سابقة خطيرة في التاريخ السوري عموما، قانون يشمل كل شيء باستثناء القوانين التي تساوي بين السوريين،
كل مادة وبند فيها يكرس التمايز ويشحن النفوذ ويزرع الضغينة، أي شخص يضطلع على القانون الجديد سيصطدم بلائحة نقاط التمايز الدينية والمذهبية والعرقية التي يسعى قانون الأحوال الشخصية إلى تكريسها إن تم إقراره ليدخل ميدان التفعيل
قانون الأحوال الشخصية السوري يمثل دستورنا الاجتماعي إن كانت معاصرة، وهي ثقب أوزون يهدد هواء علاقاتنا إن كان خارج مفهوم العصر، المسودة الحالية بكل تفاصيلها وموادها وبنودها هي نقلة إلى الوراء، بل والى بدايات القرن الماضي بكل تفاصيله، قانون يفصلُ ويقسم العباد ويرسم حواجزاً وكانتونات بين الديانات ويغلب مابين المذاهب وبالتالي وكأنها دعوة حقيقية يحكي بها مشرّع ” عادي للتقسيم والتفرقة ” دون أن يعي مشرعوها التبعات السلبية التي قد تلحقها بحياة الناس عموما، حقيقية القانون استثنائي وتدفع فيها المرأة دوما الضريبة المضاعفة، القانون الجديد يهين المرأة السورية ويكرس ثقافة العنف بحقها ويرسخ من دونيتها مثلا
في مادتها الأولى التي تكشف لاحقاتها وتحدد مساراتها رفع لتحريم المرأة لغرضين ثانيهما النسل في عقد يُرسخ المفهوم الشرقي للزواج وغائيته بحصرها بالإنجاب (الزواج عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعاً غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل)، في مسودة المشروع عملية بيع غير مكتملة والمشتري هو الرجل وحينما يعدل عن الشراء فعلى المرأة أن تعيد ما تقدم، ففي المادة (4) ( إذا دفع الخاطب المهر نقدا واشترت المرأة به جهازها ثم عدل الخاطب فللمرأة الخيار بين إعادة مثل النقد أو تسليم الجهاز) . إن عدول الخاطب عن خطبته في مجتمعاتنا يؤثر وبشكل سلبي على وضع المرأة من الناحية النفسية ناهيك عن فرصة زواجها لاحقا، كان الأجدر بالمُشرعين التفكير بحال المخطوبة التي الغيت خطوبتها والعمل على تعويضها ماديا ومعنويا على الظلم الذي لحق بها بدلا من مكافأة فاسخ خطبتها.
المادة 12 تمثل إهانة للمرأة في مجتمع يفتخر بان عدد من النساء فيهن تقلدن مناصب قيادية في الحكم ناهيك عن دورهن في المجال الإبداعي، المادة 12 تحيل نصف المجتمع الى رُبعه (1- يشترط في صحة عقد الزواج حضور شاهدين رجلين أو رجل وامرأتين مسلمين عاقلين بالغين سامعين بالإيجاب والقبول فاهمين المقصود بهما ) إنها مادة تهين مكونات مهمة وتاريخية وفاعلة في الطيف السوري من خلال فقرة استبعاد شهادة أصحاب الديانات الأخرى كشهود لعقد الزواج . مسودة يمكن وصفها بأنها الأكثر إهانة للمراة السورية عبر تاريخها، ففي المادة 15 انتهاك لحقوقها وآدميتها من خلال تعريضها للعيش كزوجة مع مجنون أو معتوه بشرط يمكن تحقيقه بكل سهولة في مجتمعنا ألا وهو تقرير طبي يؤكد إمكانية علاج المجنون والمعتوه بعد زواجه ( للقاضي الإذن بزواج المجنون أو المعتوه إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من ذوي الاختصاص يختارها القاضي وبإشرافه، أن زواجه يفيد في شفائه، وأن مرضه لا ينتقل منه إلى زوجه، أو نسله).كانت الآمال أن تحذو سوريا حذو بعض الدول العربية حول قضية سن الزواج وحصرها بالسن القانونية إضافة إلى منعها أو جعل الظاهرة اقل انتشارا على اقل تقدير، ولكن المسودة وفي مادتها 16 أبقت الأبواب مفتوحة وسهلة لتعدد الزواج والسن القانوني لها. أما المادة 40 فإنها تجعل من المؤسسة العسكرية والأمنية ولية أمر الرجل ومتحكما برغبته بالزواج ناهيك عن كونها تسحق عشرات الآلاف من الشباب والشابات السوريات من الكورد الذين يعاملون معاملة الأجنبي لتجريدهم من الجنسية السورية وعلى خلفية حرمانهم من الجنسية فإن كل رجل وامرأة مجبرين على موافقات أمنية لتثبيت عقد زواجهم الذي يستمر لسنة ويزيد أحيانا في حين أن المواطن السوري ينهي معاملات عقد زواجه في المحاكم في غضون ساعات قليلة وبالتالي فإن المادة 40 هو انتهاك صارخ ومأساة إضافية لمعاناة هذه الفئة المحرومة من كل حقوقها والتي يبلغه تعداد نفوسها ثلاثمئة ألف شخص بين أجنبي ومكتوم القيد (المادة 40 – يقدم طلب الزواج للقاضي مع الوثائق الآتية: ه- رخصة بالزواج للعسكريين ولمن هم في سن الجندية الإجبارية. و- موافقة مديرية الأمن العام إن كان أحد الزوجين أجنبيا ).
في مسودة يختفي فيها الحب وتغتال المشاعر بحجة اختلاف الديانات، مسودة يفرض على الشاب ان يسال قبل كل شي عن دينها كي يوقف نبضة قد تتحرك، مقدمات الأسئلة في الهوية يضخم المختلف ويضعف مشتركنا الوطني (المادة 48- زواج المسلمة بغير المسلم باطل).
المسودة يمكن اعتبارها القلم الذي يرسم الحدود ما بين القزح السوري الجميل بتعدد طيفه القومي والديني والمذهبي، مسودة جعل من سوريا كانتونات دينية ومذهبية محكومة داخليا وذاتيا بموادها 315 المتعلقة بالدروز والمادة 316 و 317 إضافة لتغليبها وترجيحها للمذهب الحنفي، فهل كان بالإمكان طرح مسودة عصرية يجمعنا بشرا وسوريين قبل أية هوية وخصوصية، إن العقل السوري ليس بعاجز فهل هناك إرادة برفض المسودة وردم ثقب الأوزون الاجتماعي الذي يهدد زرقة سماءنا وآصرة توحدنا؟ حقيقة إن شُرِعَ قانون الأحوال الشخصية الجديد فأن الحلقة المفرغة التي تتحكم بأحلامنا تتبقى ثابتة في عصر التحول والأهم ألا نصمت عن حقوقنا التي ينتهكها القانون تحت مسمى قانون أحوالنا الشخصية الذي يلغي شخصياتنا جميعنا
موقع ثرى