قانون الأحوال الشخصية في سورية: تخبط في التشريعات ورجعية في التأويل
مسعود عكو
خلقت مسودة قانون الأحوال الشخصية السورية التي أعدتها لجنة شكلت بموجب قرار صادر عن رئيس مجلس الوزراء السوري برقم/2437/ تاريخ 7/6/2007 وتم في 5/4/2009 حراكاً قانونياً وسياسياً واجتماعياً، دلى كل مهتم على الساحة الإعلامية السورية بدلوه فيها. فخرجت المئات من الأصوات الإعلامية معارضة هذه المسودة التي وصفت بأنها طائفية تحاول إعادة المجتمع السوري إلى عهود ما قبل المدنية الممتزجة بنكهة القبيلة.
ولم تتردد الجمعيات الأهلية والمواقع الإلكترونية ذات الاهتمام في نقد المسودة والكتابة ضدها، ولجأت بعض وسائل الإعلام الأخرى إلى تنفيذ حملات إنترنيتية وإذاعية لمنع التصديق عليها، حتى تفاجئ الجميع بتصريح صحفي صادر عن المكتب الصحفي لرئاسة مجلس الوزراء برفضه شكلاً ومضموناً بتاريخ 1/7/2009.
شكل القرار السابق ارتياحاً نسبياً لدى الأوساط المهتمة بقضايا المرأة والمجتمع، حيث كانت هناك الكثير من الدلالات الخاطئة في المشروع والتي تعارض قوانين محلية ودولية، أدت بالنتيجة هذه الدلالات إلى خلق حراك جيد لمنع تصديق المسودة وإرجاعها، لإعادة الترتيب لتتوافق مع الحياة العصرية وتواكب تطور المجتمعات نحو الحداثة، والمزيد من الانفتاح على شخصية الإنسان بغض النظر عن قوميته أو دينه أو طائفته.
في الخامس من نوفمبر الجاري وزعت الدائرة القانونية في رئاسة الوزراء النسخة القديمة من قانون الأحوال الشخصية مضافاً إليها عدة نقاط جديدة وتعديلات بسيطة، تمهيداً لمناقشتها مع ذوي الاختصاص وتم تسرب النسخة إلى الإعلام والتي واجهت مرة أخرى هجمة إعلامية معارضة لهذه التعديلات الطفيفة، مطالبة بالمزيد من التعديلات وخاصة تلك التي تمس المرأة بشكل خاص. التعديلات الطفيفة لم تغير في الواقع شي، سوى أنها كرست القديم منها.
لم يسبق وأن قامت هيئة حكومية سورية بطرح تعديلات قانونية على الشعب السوري، وحصرت بشكل دائم هذه التعديلات بيد لجان تختارها، هذه اللجان أبسط ما يقال بأنها تعيش في قوقعة الماضي وتسير بسرعة حلزون هرم، ولا تطلع هذه اللجان على متغيرات الكون المتسارعة. بل يعيشون في دوامة قوانين أكل الدهر عليها وشرب، غير مبالين بالتطورات التي وصلت إليها مجتمعات كانت غارقة في الرجعية والقبلية إلى زمن قريب.
إن أبرز ما تم تعديله في القانون القديم تغيير مفردة نكاح إلى زواج، ورفع سن الزواج لدى الذكور من 15 سنة إلى 17 سنة وللإناث من 13 سنة إلى 15 سنة. أما فيما يخص الطوائف المسيحية، فقد نص مشروع القانون في المادة 316 أن تطبق ما لدى كل طائفة من أحكام تشريعية دينية تتعلق في الخطبة والزواج وعقده والمتابعة والنفقة الزوجية ونفقة الصغير وبطلان الزواج وحله وانفكاكه. مع مراعاة عدم تعدد الزوجات الذي ورد في المشروع القديم للقانون، والذي أثار حفيظة الطائفة المسيحية.
من جهة أخرى ظل قانون الأحوال الشخصية السورية القديم والجديد منه على موقفه في عدم التعرض للأحوال الشخصية لأقليات دينية أخرى كالإيزيدية، والتي يناهز عددها عشرة ألاف شخص. وتطبق بحقهم أحياناً أحكام الشريعة الإسلامية في ما يتعلق بأمور الأحوال الشخصية. الأمر المعارض لعاداتهم الدينية المتبعة منذ آلاف السنين.
المحامي صبري ميرزا الإيزيدي الديانة يرى أنهم يواجهون إشكاليات كبيرة في تسجيل العقود أمام المحاكم الشرعية والمدنية كون القانون السوري لم يتعرف رسمياً بهم كطائفة دينية. وأضاف ميرزا المقيم في القامشلي أنه يجب على المعنيين مراعاة خصوصية هذه الطائفة، أسوة بالطائفة الدرزية والطوائف المسيحية التي تملك محاكم خاصة، وتراعي القوانين النافذة خصوصياتهم الدينية والطائفية.
إن الاستمرار في قانون الأحوال الشخصية القديم، حتى بعد القيام بتعديلات طفيفة يكرس مبدأ اللا مدنية التي يسعى إليها معظم أبناء سورية بمختلف تكويناتهم الدينية والقومية. كما أن التأويل الرجعي لأحكام القانون يزيد من التمييز بين الذكر والأنثى وورد ذلك صراحة في العديد من مواد القانون، مستمرين بذلك في انتهاك حقوق المرأة ليس فقط اجتماعياً بل حتى قانونياً، الأمر الذي يؤدي إلى المزيد من القمع بحق نصف المجتمع الذي حان الوقت لكي يكون نصفاً حقيقياً فاعلاً وليس فقط شريحة تطبق في حقها القوانين والأنظمة الذكورية ذات الصبغة الرجعية والطائفية. في حين تسعى كل دول العالم بما فيها العربية والإسلامية إلى تطبيق المساواة والعدالة الاجتماعية.
مجلة ثرى