أحد عشر سؤالا حول النسخة الثانية من مشروع قانون الأحوال الشخصية
نساء سورية
1- هل هناك اختلاف بين النسخة الأولى والنسخة الثانية؟
+ نعم. هناك اختلاف كبير. النسخة الأولى تضمنت تعديلات كبيرة تجر سورية إلى الفتنة الطائفية وتحول النساء إلى عبيد. وفيها واحد من أشد الأفكار السلطوية همجية وهي المسماة “دعوى الحسبة” حيث يضع رجال الدين أنفسهم محل الله لكي يقرروا من يؤمن ومن لا يؤمن، ولكي يطلّقوا من يريدون، بل حتى لكي يشككوا بنسب الأطفال إلى أهاليهم.
النسخة الجديدة تكاد تطابق القانون النافذ حاليا. مع تعديلات طفيفة في اللغة. العنصر الجديد فيها هو إلغاء قوانين الأحوال الشخصية الخاصة بالطوائف المسيحية.
2- ما هو وضع المرأة في النسخة الثانية؟
+ لم يتغير عما هو عليه في القانون النافذ حاليا، والذي وضع عام 1953، مستندا إلى أحكام وضعت أثناء مرحلة الاستعمار العثماني. خاصة ما يسمى بـ”كتاب قدري باشا”. وكتاب قدري باشا هو قانون الأحوال الشخصية للإمبراطورية العثمانية، ويعتبر النساء هم مواضيع متعة وإنجاب لسلالة الرجل، وكل شي مسخر لخدمة الرجل.
يحدث ذلك في جميع المواد التي تتعلق بالزواج والطلاق والنفقة والحضانة.. ومثلا:
في المادة (12) يعتبر المرأة نصف كائن باشتراطه أن يكون هناك “شاهد واحد أو امرأتين” على صحة عقد الزواج.
في المادتين (14-17) يسمح للرجال بالزواج المتعدد دون قيد أو شرط تحت ستار عبارة خادعة هي (مسوغ شرعي)!. وكل شرط تضعه المرأة أثناء عقد الزواج لا قيمة له.
في المادة (20) لا يمكن للمرأة أن تتزوج دون موافقة “وليها” ولو بلغ عمرها 100 عام.
في المادة (21) يمكن لـ”الولي” أن يفسخ عقد زواج ابنته التي تزوجت دون موافقته بمجرد ادعائه “عدم الكفاءة”.
في المادة (69) تجبر المرأة على السفر مع زوجها بغض النظر عن ظروف عملها أو خياراتها. وإلا اعتبرت ناشزا.
في المادة (73) تجبر المرأة على عدم العمل إلا بإذن زوجها، وإلا اعتبرت ناشزا.
في المواد (85 وحتى 104) يحق للرجل الطلاق بإرادة منفردة بغض النظر عن أي اعتبار. ولا يحق للمرأة الطلاق إلا إذا كان قد سمح لها (فوضها) بذلك كتابة في عقد الزواج، أو إذا كان عنينا أو جن بعد عقد الزواج. بل وإذا كانت على علم مجنون قبل عقد الزواج يسقط حقها في طلب الطلاق لاحقا.
كذلك يمكنها طلب بالطلاق إذا غاب لثلاثة أعوام متتالية(كالحسب مثلا)، فإذا عاد من غيبته حتى وهي في العدة، حق له أن يعيدها إليه! بغض النظر عن رغبتها.
كما يمكن للزوج التطليق بأية وسيلة “اللفظ والكتابة”، مما يعني أنه يمكنه التطليق عبر الموبايل. أو البريد الالكتروني.
في جميع المواد المتعلقة بالطلاق والنفقة، تخرج المرأة من دار الزوجية دون أي قشة، مهما أمضت في حياة الزوجية، وسواء كانت عاملة أم لا. ويكتفى بدفع نفقة ثلاثة سنوات، وبالتقسيط، إذا “ارتأى” القاضي أن الطلاق وقع تعسفيا، وبشرط أن هذا سيتسبب بـ”بؤس وفاقة”.
تتكرر في النسخة هذه كلمة “الموطوءة” للمرأة، وهي كلمة تعبر عن احتقار للمرأة وتسفيه لها. وهذا المعنى كان مختلفا قبل ألف سنة. لكنه اليوم لا يعني سوى الاحتقار.
وغيرها الكثير..
3- وما هو وضع الأطفال في المشروع؟
+ الأطفال في المشروع هم مجرد أدوات في أيدي أهاليهم. لذلك يكاد يكون المشروع قد حرمهم من أية حقوق، بل إنه يلعب بهم حين يجعل علاقتهم مع ذويهم علاقة مادية بحتة بتفاصيل مريعة في الإرث، كما أنه يسلخه نهائيا عن أمه وعن مفهوم الأمومة حين يتحدث عن أجرة الرضاع! كما لو كانت أمه غريبة عنه.
إضافة إلى ذلك يعمد المشروع إلى السماح بتزويج الطفلات والأطفال في المادة (18) إذ يسمح للذكور بالزواج في سن 17 وللإناث في سن 15. وكلاهما سن يقع تحت مسمى “الأطفال”. وقد تجاهل المشروع حقيقة أن الطفلة في سن 15 اليوم هي طفلة بكل معنى الكلمة. فأية مسؤولية ستتحملها عن أسرة بالغة التعقيد اليوم حيث يعجز الكبار عن تحمل قسط منها؟ ويتجاهل المشروع الإثباتات العلمية المؤكدة أن مثل هذا الزواج يحقق ضررا فادحا صحيا بالطفلة سواء على الصعيد الجسدي أو على المستوى النفسي والاجتماعي.
إضافة إلى أن السماح بالزواج في سن 15 يعني فتح الباب على مصراعيه لتجهيل النساء وإبعادهن عن إكمال تعلميهن.
من جهة أخرى يفضل المشروع العم والجد وأي من ذكور العائلة على أمه في الوصاية والولاية. فكأن أمه غريبة عنه وأولئك أقرب إليه منها. وفي هذا ضرر واضح وصريح بعلاقة الطفل مع أمه، وبالتالي في نموه السليم.
4- قلتم أن المشروع طائفي.. أين الطائفية فيه؟
+ ينسب واضعو المشروع أفكارهم إلى “الشريعة الإسلامية”. ولكنهم يخفون أن “الشريعة الإسلامية” هي مفهوم مطاط واسع يدخل في إطاره كل من اجتهد منذ انطلاق الإسلام إلى اليوم.
وبذلك فهم يخرجون الدروز من “الشريعة الإسلامية” التي خصصوها على مقاسهم. فلا هم بمسلمين، ولا هم بدين مستقل. وأيضا هم يجبرون المسيحيين بطوائفهم على الخضوع لتصوراتهم الأصولية. إذ يعملون على حرمانهم من القوانين المسيحية التي تلغى في هذا المشروع، لصالح تطرفهم. وبالطبع لا يعترفون بأي دين آخر، ولا باللادينيين.
لكن ذلك هو الجزء الظاهر فقط. أما الطائفية الحقيقية فهي أن في سورية أكثر من 30 طائفة دينية ومذهب، فإذا كان لهؤلاء الأصوليون أن يفرضوا تطرفهم الخاص وفق انتقائية خاصة تنسب إلى مذهب خاص، فلم لا يكون من حق كل مجموعة دينية (سواء اعترف بها سلاطين الدين أم لم يعترفوا) أن تنتج قانونها الخاص؟ وإذا كان لكل مجموعة طائفية أو إثنية أو مذهبية قانونها الخاص، ما الذي يبقى من الدولة أو الوطن؟ لا شيء.
حين نضع قانونا طائفيا لا يعود من حقنا منع الآخرين من أن يضعوا قوانينهم الطائفية. ولا نستطيع منعهم. فالحياة لا تحتمل إلا واحد من حلين: إما وطن للجميع، وإما إمارة لكل طائفة. والمشروع يكرس صيغة إمارة لكل طائفة.
5- ماذا بشأن الأديان في المشروع؟
+ تحت مسمى توحيد قوانين الأحوال الشخصية، الذي هو مطلب حق، يريد هؤلاء الأصوليين أن يستعيدوا نظام الجزية على السوريين معتقدي الأديان المسيحية واليهودية، ولكن جزية بصيغة “عصرية”. فهم يريدون أن يجبروهم على اتباع تصوراتهم الطائفية النابعة من رؤيتهم الضيقة المتخلفة. لذلك تم إلغاء القوانين المنظمة لعمل هذه الأديان، وإجبارها على الخضوع للقانون الطائفي، في المشروع طبعا. بل إن أتباع هذه الأديان، وفق المشروع، معلقين في الفراغ، وليس لهم مرجعية لتنظيم شؤونهم في الأحوال الشخصية. فالمشروع الطائفي ليس مشروعا وطنيا، وبالتالي فهو غير مقبول ليكون واحدا للجميع.
وبالطبع نحن ضد قوانين خاصة بالدروز أو المسيحيين أو اليهود أو غيرهم. فهذا أيضا تمزيق طائفي مهما كانت محتويات تلك القوانين. كل قانون يميز بين مواطن/ة ومواطن/ة على أساس ديني هو قانون طائفي تمزيقي بالضرورة.
6- إذا، ما هو البديل؟
+ البديل هو قانون أسرة عصري على أساس المواطنة. قانون يعتمد مفهوم الأسرة، ويعامل المواطنين والمواطنات في سورية على أساس المواطنة التي كفلها لهم الدستور.
7- هل هذا القانون يعني المساواة التامة؟
+ لا. قانون الأسرة العصري على أساس المواطنة هو خطوة باتجاه المساواة الكاملة، وليس هو المساواة الكاملة. فمن الطبيعي أن يتضمن بعض الاعتبارات الخاصة التي لا تتفق مع المساواة، ولكن التي تقيد بشدة. فمثلا: الزواج المتعدد مفتوح على مصراعيه في المشروعين، وفي القانون النافذ. في قانون الأسرة على أساس المواطنة لن يلغى التعدد، بل يصير مقيدا بشدة ومعاقبا بشدة على كل خرق لقيوده. كما تصير كل امرأة محمية جيدا من أي انتهاك في هذا المجال. والتقييد لا يكون بكلمات فارغة المعنى مثل “مسوغ شرعي” وما إلى ذلك. بل بوضع الاستثناءات في بنود واضحة دقيقة وصارمة.
8- لكن أليس مثل هذا القانون متعارض مع “الشريعة الإسلامية”؟
+ مع “الشريعة الإسلامية” كما وصفناها أعلاه، بصفتها صيغة مطاطة يلعبون بها كيفما يشاؤون، ويحشونها بكل رأي متخلف، نعم هو متعارض معها. لكنه غير متعارض مع الإسلام، ولا المسيحية، ولا أي عقيدة سامية. لأن جوهر الأديان هو العمل على رقي الإنسان ودفعه إلى تطوير حياته، وليس استعباده.
وبالتالي فإن فيما يسمونه “الشريعة الإسلامية” كافة أشكال التطرف والأصولية، وكافة أنواع التفسيرات والتأويلات. ويدخل فيها إرهاب بن لادن، وتخلف الوهابية، وتدخل فيها أحكام قراقوشية من عصر الانحطاط.. مثلما يدخل فيها الفكر المتنور للعديد من رجال الدين الإسلامي. إلا أنهم يخرجون منها ما لا يناسبهم تصوراتهم من أفكار متنورة، ويبقون على الأكثر تخلفا.
هم يدعون أنهم ممثلون لطائفة معينة في الإسلام. بينما هم لا يمثلون إلا للتطرف ولا ينتمون إلى أي دين أو طائفة.
والأدلة على ذلك كثيرة جدا، ففي الإسلام أوقفت حدود كاملة وعدلت مفاهيم في زمن الرسول، وبعيده بقليل. كما أن النصوص الدينية تنص على أمور يرفض كل عاقل الدعوة إليها اليوم، منها “ما ملكت أيمانكم”. والرسول نفسه رفض أن يتزوج صهره على ابنته رفضا قاطعا، وهذا غيض من فيض من الدلائل على أن الإسلام لم يكن يوما إلا منفتحا على كل تطوير. وفقط حينما قرر رجال الدين الاستيلاء على الدين نفسه وتسخيره لمصالحهم وأهوائهم أغلقوه عن نسيم الحياة، وجعلوه على هذا النحو. وهو ما يريدون أن ينفذوه اليوم في سورية التي قطعت مراحل طويلة في الطريق نحو عقد اجتماعي حضاري.
9- وهل يوافق أتباع المسيحية واليهودية على قانون موحد لكل المواطنين والمواطنات في سورية؟
+ أولا هم عبروا عن ذلك مرارا. ولكن الأهم ليس هذا التعبير أو غيره. فالأهم أن الأصولية الطائفية، سواء تسمت باسم إسلامي أو مسيحي أو يهودي أو علماني، هي هي نفسها. وبالتالي فإن القانون الوطني الذي يسود على الجميع بصفتهم مواطنين ومواطنات، ويقوم على أساس المواطنة، سيكون مقبولا من الجميع. فعقدنا في سورية ليس عقدا طائفيا، وإلا لكنا قبلنا الدويلات الطائفية التي حاول الاستعمار الفرنسي أن يكرسها في سورية. لكنا وفرنا على أنفسنا عناء طويلا! بل عقدنا هو عقد اجتماعي سياسي يجمع بلد بحدود واضحة معينة، وعلم، ودولة، عقد هو سورية. وحين يسود رأي طائفي لينظم حياة البشر، يلتغي هذا العقد وتلتغي معه الدولة والبلد. وهذا ما رأيناه في مناطق أخرى من العالم ما تزال سيول الدم الطائفي تملأ شوارعه منذ سنوات.
10- يقال أن المشروع معبر عن رؤية المجتمع السوري؟ هل هي كذلك؟
+ لو كان المشروع أو القانون النافذ الحالي معبر عن رؤية المجتمع السوري لما كنا نشهد 50 حالة جريمة شرف في سورية باعتراف الحكومة، ونحو 200 جريمة سنويا بتقديرنا! ولما كنا نشهد صالونات المحاكم تعج بالنساء المضطهدات وتئن تحت وطأة آلامهن. ولما كنا نرى كل هذا التسول والتشرد وعمالة الأطفال الناجمة حصرا عن فاقة الأمهات المطلقات. ولما كنا رأينا نحو 30 % من قوة العمل الرسمية نسوية. ولما كنا رأينا عشرات آلاف مديرات الأقسام والدوائر في القطاع الحكومي والقطاع الخاص…..
لا يعبر المشروع عن أية طائفة في سورية. فالوقائع السابقة وغيرها الكثير تثبتها النساء السوريات بغض النظر عن الدين والطائفة. بل يعبر المشروع فقط عن رؤية أصولية وهابية تحتقر النساء وتعتبرهن مخلوقات من أجل إنجاب الأطفال وتمتيع الرجال جنسيا. بل هي تحتقر حتى الرجال إذا تعتبرهم مجرد أدوات لشعوذاتهم الدينية الخاصة التي لا توصل إلا إلى الموت والتمزيق.
11- قلتم أنه لا يحق للدولة السورية أن تصدر قانونا يتعارض مع الاتفاقيات التي وقعت عليها، كيف ذلك؟
+ ليس هناك نص قانوني دولي بهذا الشأن. لكن الفقه القانوني الدولي استقر على أن التصديق على اتفاقية ما يعني الانسجام معها وذلك بطريقين: الأول تعديل القوانين المحلية بما يتلاءم مع هذا التصديق، وهذا الطريق طويل عادة ويجري ببطء وهدوء. والثاني هو عدم تشريع أي قانون جديد يتناقض مع التصديق، وهذا ملزم فورا.
وحين يقوم أي بلد بتشريع متناقض مع الاتفاقية الدولية التي صادق عليها، يكون قد ألغى مصادقته عمليا. ويصير من حق الناس والمنظمات في البلد أن تشكوه إلى اللجان الدولية المعنية بمتابعة شؤون هذه الاتفاقية. ما لم يكن قد أودع صك انسحابه من الاتفاقية رسميا لدى الأمم المتحدة.
وسورية صادقت على هذه الاتفاقيات، وسحبت بعض تحفظاتها عليها، ونأمل أن تسحب ما تبقى منها. وليس من مصلحة سورية بأي معنى من المعاني أن تشوه سمعتها الدولية بانسحابها من اتفاقيات لم يعد أحد في العالم يختلف مع ضرورتها، إلا مناصري العنف والتمييز، مناصري الجريمة وقوانين الغاب.
نساء سورية