ترجمات من الصين والهند وأميركا وفرنسا وإنكلترا: المترجـم أغلـق البـاب خلفـه ورحـل
اسكندر حبش
اقترب «معرض بيروت الدولي للكتاب»، إذ بعد أيام، يتوجه الجميع إلى قاعة المعارض في البيال، ولمدة أسبوعين تقريبا، للمشاركة، في هذا المهرجان السنوي للكتاب، الذي دأب «النادي الثقافي العربي» على تنظيمه منذ ما يقارب الـ 54 سنة. سنون أتاحت له أن يكون شيخ المعارض في العالم العربي، بل حتى أحد أقدم معارض الكتب في العالم.
معرض، هو أيضا مناسبة لدور النشر في لبنان، لأن تضخ جديدها في المكتبات، إذ كما نعرف، يُشكل المعرض مناسبة حقيقية، ينتظرها الجميع، من أجل التعرف على آخر الإصدارات الحديثة.
هنا جولة على ثلاث دور نشر، لمعرفة ما ستحمله إلى المعرض، لكنها ـ هذه الجولة ـ لا تدعي أنها ستقدم ثبتاً بكل الجديد، بل هي محاولة للإطلالة على بعض الكتب المترجمة إلى العربية التي ستكون حاضرة، على أجنحة هؤلاء الناشرين، في معرض الكتاب.
سأبدأ من جملة أجدها من مفارقات القدر. تقول الجملة التالي: «أغلق الباب خلفه ورحل». جملة هي من كتاب «جبل الروح» للكاتب الصيني ـ الفرنسي، غاو شينغجيان، حائز نوبل للآداب العام 2000، والذي يصدر في ترجمة جديدة عن دار الآداب في بيروت. كانت الدار، قد كلفت الشاعر والمترجم اللبناني بسام حجار، بترجمة الكتاب، وكان حجار قد قطع جزءا كبيرا من رحلة الترجمة، إلا أن رحلة أخرى كانت تنتظره: رحلة القدر، حيث أصيب بالمرض الذي غيبّه سريعا. الجملة الأخيرة التي وصل إليها بسام حجار في ترجمته كانت: «أغلق الباب خلفه ورحل». مفارقة مؤلمة بدون شك، وكأنها كانت تحمل نبوءة خفيّة. وأمام ذلك، عادت الدار لتطلب من ماري طوق أن تكمل الترجمة. من هنا يحمل الكتاب اليوم ـ الذي يصدر أيضا بالاشتراك مع «كلمة» الإماراتية ـ اسم المترجمين، وهو يأتي أشبه بأوديسة في ريف الصين، حيث يفتش الكاتب عن جبل على حدود الخيال والحقيقة. وخلال ترحاله الدائم يروي الخفايا «الأيطورية الشمانية» التي لا تزال حيث في الأذهان، والحكَم الطاوية، وقصصا فردية حيث كل شخصية مرآة لأخرى.
من تأتي الرواية بمثابة حجّ وجودي وروحاني، ووثيقة أدبية لا تشبه إلا نفسها. إنها سفران: سفر في الصين الأبدية، وسفر داخلي يرتقي فيه الكاتب بجبل روحه من خلال تعدد الأصوات والأنواع الأدبية والتأمل في الذات. وهذه الرواية تذكر الكتّاب بمسعى الرومنسية الألمانية الهادفة إلى خلق قصيدة كونية.
من ترجمات دار الآداب أيضا، الجزء الأول من يوميات الكاتب الفرنسي ألبير كامو، الذي سيحمل عنوان «لعبة الورق والنور»، ونقلته إلى العربية، الروائية اللبنانية نجوى بركات. اسم آخر، ليس غريبا عن القارئ العربي سيكون حاضرا عبر ترجمة لآخر رواياته: الكاتب الأميركي بول أوستر، الذي يعود مع «رجل في الظلام»، ونقلها إلى العربية أحمد أحمد. يذكر أن دار الآداب، كانت الدار الأولى التي قدمت أوستر إلى القارئ العربي، عبر ترجمة لثلاثيته قام بها الشاعر اللبناني شارل شهوان.
كذلك ينبغي الإشارة إلى قصص فوكنر، التي صدرت في أجزاء ثلاثة، نقلها إلى العربية سامر أبو هواش، وتحمل العناوين التالية: «وردة لإميلي» و«نحو النجوم» و«موسيقى سوداء» كما رواية سيمون دو بوفوار «المثقفون» في جزءين، بترجمة ماري طوق.
لوليتا في طهران
شكلت رواية الكاتبة الإيرانية آذر نفيسي (تكتب بالانكليزية) «أن تقرأ لوليتا في طهران» حدثا عالميا حين صدورها قبل سنوات قليلة في الولايات المتحدة. رواية تقترب من السيرة الذاتية، التي تعتمد على العديد من الأحداث الحقيقية، إذ تروي عن قصة الكاتبة التي وبعد استقالتها من التعليم في جامعة طهران، بسبب ضغط السلطات الإيرانية، بدأت آذر نفيسي بجمع واستقبال سبع طالبات في منزلها. طالبات ينتمين إلى مختلف الاتجاهات والطوائف، وذلك من أجل اكتشاف «الأدب الغربي». تنصح نفيسي طالباتها بقراءة كتاب نابوكوف «لوليتا»، كما رواية فيتزجيرالد «غاتسبي الرائع».
شكلت القراءة، بالنسبة إلى الطالبات، انفتاحا مختلفا، ما أتاح لهن في نهاية الأمر بأن يطرحن الكثير من الأسئلة حول «الوضع الثوري» في البلاد، مثلما يسمح لهن بقياس أسبقية المتخيل على فقدان الحرية. بالإضافة إلى أن شخصية لوليتا، هذه المراهقة، تسمح للطالبات بأن يجدن فيها انعكاسا لخضوعهن لسلطة رجال الدين. إزاء ذلك كلّه ترسم نفيسي صورة قاسية، «خام»، آسرة، للثورة الإسلامية في إيران. كتاب نقرأه بترجمة الشاعرة العراقية ريم قيس كبة، عن منشورات الجمل، التي تعيد إصدار ترجمات الشاعر سعدي يوسف، الروائية والشعرية، ونذكر منها «تصفية استعمار العقل» (نغوجي واثيونغو)، «الشمس الثالثة عشرة» (دانياتشو ووركو)، «متشردا في باريس ولندن» (جورج اورويل)، «حياة متخيلة» (ديفيد معلوف)… وغيرها الكثير. نذكر أن دار الجمل، تصدر أيضا رواية «قصة عن الحب والظلام» (آموس عوز) وثلاث روايات لسلمان رشدي وتوماس مان، وفيليب روث وهنري ميلر، وآني غرنو، وغيرهم عديدون…
النمر الأبيض
من الروايات اللافتة التي تصدرها «الدار العربية للعلوم ـ ناشرون» رواية الكاتب الهندي آرافيند أديغا «النمر الأبيض» التي حازت جائزة «بوكر» لعام 2008، التي تروي عن بالرام حلوي أو «النمر الأبيض»، الخادم والفيلسوف ورجل الأعمال والقاتل، خلال دورة سبعة أيام، وتحت ضوء مشتت لثريا غريبة يروي بالرام قصته..
ولد بالرام في قرية تقع في القلب المظلم من الهند، وهو ابن لرجل يعمل في دفع العربات اليدوية، أبعدته عائلته عن المدرسة لتقحمه في عمل المقاهي. وبينما كان يكسر الفحم، ويمسح الطاولات، كان يرعى حلما بالهرب من ضفتي النهر ـ الأم «الغانج»، حيث تضخ الأعماق الضبابية برفات مئات الأجيال.
تواتيه الفرصة الكبيرة عندما يستخدمه أحد مُلاّك القرية ليعمل سائقا لابنه وزوجة ابنه مع كلبيهما الصغيرين طويلي الشعر. ومن خلف مقود السيارة يكتشف دلهي للمرة الأولى. حيث حياة أخرى تفتح فضاءها أمامه.
من الترجمات اللافتة التي نجدها عند الناشر عينه، وبالتعاون مع «مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم» (الإمارات)، أربع روايات، للكاتبة الإنكليزية دوريس ليسينغ (حائزة نوبل للآداب العام 2007)، وهي «الأنثى»، «مذكرات من نجا»، «الحلم الجميل»، «الجدتان». روايات تمتدّ ـ في مسيرة ليسينغ ـ من القرن الماضي (المنصرم) حتى القرن الحالي، بمعنى أنها تحمل تنوع ليسينغ الكتابي من حيث تعرضها لبعض مشكلات زمننا، وإن كانت الكاتبة تخلّت كثيرا عن فضاءاتها الإيديولوجية في المرحلة الأخيرة، مثلما ما تشير إلى ذلك الروايــات الأخيرة التي أصدرتها قبل حيازتها نوبل (وهي بالمناسبة حصلت على العديد من الجوائز الأدبية المتنوعة في مسيرتها الكتابية).
من الروايات التي نجدها أيضا عند الدار العربية للعلوم ـ ناشرون، لا بد أن نذكر «مقهى الشباب الضائع» للروائي الفرنسي باتريك موديانو، الذي يعد واحدا من أهم الروائيين الفرنسيين المعاصرين، كما رواية الكاتبة التركية لطيفة تكين «لا موت في الغابة» والإيطالي فنتشينزو تشرامي «موظف عادي جدا» وغيرها الكثير من الروايات المترجمة، التي تحتاج إلى وقفة أطول.
عود على بدء، لا تدعي هذه العجالة الإحاطة بل ما صدر ويصدر، بل هي لمحة سريعة، عن ترجمات لا بد أن تأخذ مكانها في مكتبتنا العربية.
السفير الثقافي