صفحات سورية

بعد أربعة عقود من حكم البعث.. ما هو حال المواطن السوري؟

null
الطاهر إبراهيم*
خلال أربعة عقود ونيف منذ استولى حزب البعث على مفاصل السلطة، لم يترك رموزه شيئاً من حذافير السلطة لأحد بعدهم. فضلاً عن هيمنتهم على المواقع الرئيسة التي كانت حكراً على المقربين (افترضنا أن الحكم في سورية كان بعثياً، وإلا فالحقيقة كان البعث لافتة، تخفي تحتها سلطة أخرى). ولو نظرنا إلى أمور المواطن اليومية من رغيف الخبز إلى القبر الذي سيدفن فيه هذا المواطن بعد موته، لوجدنا هذا المواطن –أيُّ مواطن باستثناء رجال الحكم- قد حفيت أقدامه، وهو يسعى وراء حاجاته اليومية، وبالكاد لم يكن ليحصل إلا على القليل منها، لم تتركه له السلطة تفضلاً، بل لتفاهته، وهو أقل مما يحصل عليه حيوان في غابة.
ولأن الكلام عن المواطن داخل سورية يطول، فسأقصر حديثي عن مئات الآلاف من المنفيين في أرض الله، التي اتسعت لكل البشرية، غير أنها ضاقت على هؤلاء السوريين المنفيين.
ولكثرة المضايقات التي ما فتئت أجهزة الأمن السورية تتفنن باختراعها لتضايق بها السوريين المنفيين، فإن المرء يحار من أين يبدأ؟ فهذه المضايقات تكاد تخنق من يتعرض لها. صحيح أن قضية جوازات السفر قد تم تذليلها! إلا أن الصحيح أن ذلك كان مؤقتاً وجزئياً، بعد معاناة خلال ثلث قرن. وعندما نقول جزئياً، فلأن الأصل أن يمنح جواز السفر لمدة ست سنوات. إلا أن الجواز يمنح للمنفيين بمدة بسنتين، ما يعني أن القنصليات تعامل السوري المنفي وكأنه “ثلث” مواطن.
وعندما نقول مؤقتاً لأننا لا ندري متى يسحب الحكم “الرشيد!” هذه المكرمة من يد القنصليات، ليعود المنفي بعدها يستجدي جواز السفر على أبواب القنصليات. وقد يضطر المنفي لدفع جعل  مادي –وهو ليس رشوة، بل “خوّة” يدفعها عن غير طيب خاطر- لقاء جواز سفر، ولمدة ستة أشهر فقط. وإلا فسيضطر للتواري عن الأنظار، في كل مرة، عند مروره قرب دورية شرطة في البلد الذي يعيش فيه. وما يترتب على ذلك من فقدان عمله ومورد رزقه. إذ لابد من جواز سفر حتى يمنح دفتر الإقامة، الذي هو شرط ضروري للعمل، عدا الناحية الأمنية، ولعلها هي الأهم عند السوري المنفي.
وإذا اعتبرنا أن وثيقة جواز السفر قد حلت مؤقتاً وجزئياً، فلا يخلو السوري المنفي من الحاجة إلى أوراق تستخرج من داخل القطر وهنا الطامة الكبرى. فأي وثيقة من أمانة السجل المدني لا تعطى إلا إلى صاحب العلاقة. وصاحب العلاقة لا يمكنه النزول إلى سورية، وإلا اختطف من المطار أو من الحدود البرية وأودع في المعتقل وحكم عليه بالإعدام حسب القانون 49 لعام 1980، ثم يخفف الحكم عنه إلى 12 عاماً كما حصل مع السوريين المقيمين في العراق عندما هربوا من جحيم احتلال العراق عام 2003. أو كما حصل مع شيخ المعتقلين السوريين “عبد الستار قطان” عندما كان عائداً من أداء مناسك العمرة في مكة المكرمة، فاعتقل وحكم عليه بالإعدام، وخفف الحكم إلى 12 عاماً. وقد توفي يوم الثلاثاء 26 آب يرحمه الله.
استطراداً، فإن عقد القران لأي فتاة في المنفي يتطلب “قيد نفوس” يكتب عليه: يستعمل “خارج القطر”. فيرسل المنفي إلى أخيه أو أبيه ليحصل له على قيد النفوس. ولا بد من عرض الأمر على أحد أجهزة الأمن، وما أكثرها. وبعد شهر من البحث والتدقيق، يأتي الجواب بالرفض، وتصاب البنت بخيبة أمل.
كما أصدرت الحكومة “الرشيدة” قراراً تطلب فيه من الجهات المعنية أن لا تقبل “وكالة” صادرة من خارج القطر إلا بعد عرضها على أجهزة الأمن. ونادراً ما توافق هذه الأجهزة على الوكالة حتى لو كانت الوكالة لإثبات وفاة مُتَوَفّى في سجلات بلده. ما يعني أن الرجل سيبقى على قيد الحياة في سجلات المدينة التي ولد فيها المتوفى. ولا تسأل عن الأعمال المتعطلة بسبب هذا القرار “الغبي” الذي تفتقت عنه عبقرية أجهزة الأمن العتيدة.
المواطن السوري الفار من ظلم أجهزة الأمن مطلوب لأجهزة الأمن، حتى لو هرب خوفاً على نفسه، وإن لم يكن منتمياً لحزب سياسي محظور. زوجته مطلوبة، أبناؤه أيضاً مطلوبون، حتى وإن ولدوا خارج سورية. لأن أجهزة الأمن السورية تأخذ برأي مسرحية “المحطة” اللبنانية: “إن المطلوب لا يلد إلا مطلوبين”.
في السنوات الأخيرة، وبعد أن استغني عن خدمات أكثر ضباط الأمن، -بالتسريح أو الوفاة- وبعد وفاة المعارض أو المنفي خارج سورية، أصبح يتساهل مع زوجات المنفيين المتوفين، بالنزول إلى سورية، إذ لم يعد لها من تبقى عنده. هذا الأمر ليس على إطلاقه. إذ كثيراً ما اعتقلت الزوجة عند عودتها، وكان الله في عونها إلى أن يملوا من احتجازها.
هذا غيض من فيض معاناة المنفيين خارج القطر السوري. أما المواطن داخل سورية فوضعه أصعب و”أدق رقبة”، حتى إن المواطن داخل سورية يتمنى أن لو يكون منفياً، ولا يكون داخل سورية، ولسان حاله يقول: “ألف يوم في المنفى ولا يوم واحد تحت إرهاب المخابرات”.
* كاتب سوري
المركز الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين في سورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى