من طقوس الميلاد الشجرة وبابانويل.!.
فاضل الخطيب
يوم 24 كانون الأول / ديسمبر، واحد من أقدم الأعياد في تاريخ البشرية، وكانوا يعتبرونه بداية العام الجديد، ففي هذا اليوم يبدأ الليل بالنقصان والنهار بازدياد طوله.
وقد احتفل الرومانيون القدماء في هذا العيد منذ القرن الثالث قبل الميلاد، وذلك بعد أن قوي نفوذ عقيدة أسطورة إله الشمس، وازداد تأثير الإله ميثرا.
وهو يصادف يوم ميلاد السيد المسيح. لكن الاحتفال بهذا الميلاد جاء متأخراً وبعد انتشار التعاليم المسيحية بقرون.
أخذ عيد الميلاد شكلاً رسمياً كنسياً في عهد قسطنطين الأكبر، وترسخ بشكل فعلي بين الناس كعيد واحتفالات دينية بين عامي 325 – 335، وبهذا الاعتراف الكنسي يكون قد حُسم النقاش حول ماهية وكنه السيد المسيح، وعندها أقرّ واعترف كل المسيحيون أن المسيح هو رب وهو إنسان بنفس الوقت.
وتعتبر الشجرة إحدى أهم الطقوس المرافقة لعيد الميلاد وصارت جزء منه، رغم أنها كانت رمزاً قديماً جداً ولها طقوسها الاحتفالية أيضاً.
كانت الشجرة في عصور قبل المسيح تمثل الأجرام السماوية أو الفلك بشكل عام حيث مكان الآلهة. واعتبرتها الشعوب الجرمانية رمزاً للعالم الكبير أيضاً. وكانت الأغصان الخضراء تُمثل الحياة، وارتبطت بطقوس خاصة، حيث وضعوا تلك الأغصان بالماء قبل العيد بفترة محددة، وحتى قدوم العيد تكون الفروع قد اخضّرت أكثر وازدهت، واعتبروا ذلك أنه رمز انتصار الحياة على الظلام والموت، وكانت الأغصان تلك أساس طقوس شجرة الميلاد فيما بعد. ورافق ذلك، أنهم كانوا يشعلون النار أمام الشجرة المقدسة.
في العصر الروماني القديم كانوا يحتفلون في “ساتورناليا” بـ”عيد دوران الشمس” في 17 كانون أول / ديسمبر، وهو عيد الضحك والمرح وتبادل الهدايا. وفي 1 يناير كانوا يقومون بتزيين البيوت بأغصان الأشجار الخضراء وبالمصابيح المضيئة، وتوزيع الهدايا على الأطفال والفقراء..
وفي طقوسٍ أخرى كانوا في العصور الوسطى وفي “يوم الأموات” – 1 و 2 تشرين الثاني / نوفمبر – يقومون برفع (نصب) الأشجار عند مداخل الكنائس، وتزيينها بالكرات والتي كانت ترمز لأرواح الأموات..
في عام 452 بعد الميلاد قامت الكنيسة بمنع تلك الطقوس على اعتبارها عادات وثنية، وتمّ منعها لاحقاً في أكثر من قرار ملكي في أوربا..
بعد أكثر من ألف عام على منعها نهائياً، عادت شجرة الميلاد من جديد في القرن الثامن عشر، وكان ذلك في المانيا أولاً، وصارت تزين بالشموع، وبالتفاح والجوز والسكاكر، وفي القرن التاسع عشر صارت تُزيّن بأشياء باهرة وملونة..
وبعد المانيا وصل تقليد شجرة الميلاد إلى “فينا” عاصمة النمسا مع بداية القرن التاسع عشر وظهرت أولاً بين الارستقراطيين والفنانين، ثم انتشرت بين الأسر الميسورة ومتوسطة الحال. وكانت تقدم وترسل كهدية بين الملوك في أوربا. وبعد ذلك صارت شجرة الميلاد تقليداً بين العامة أيضاً في كل أوربا، ثم انطلقت لتصبح رمز الميلاد المجيد في العالم..
أن شجرة الميلاد كانت دائماً موجودة، وهي حقيقة حاضرة في طقوس وحياة الناس منذ القدم كرمز للحياة، للنور والتعايش مع البيئة…
ومن بين طقوس أعياد ميلاد السيد المسيح إضافة للشجرة، وجود بابانويل أو سانتا كلوس، وفي بعض البلدان يسمونه ميكولا أو نيكولا. ورغم اختلاف جذور كل هذه الأسماء، إلاّ أنها صارت تعتبر كـ”مراسم” مرافقة لاحتفالات الميلاد ورأس السنة..
بدأ انتشار هذه “الأسطورة” في نهاية القرن التاسع عشر. وهي بشكل عام صورة رجل ممتلئ الجسم، وأحياناً أخرى كان نحيف الجسم. وكان يلبس فروة ذات لون أحمر، أزرق، أخضر أو بنفسجي..
يقال أن الشكل النهائي المعروف حالياً للقديس ميكولا يعود للفنان الألماني موريتس شويند (1804 – 1871) حيث رسم لوحة تمثل سانتاكلوس بشكله المألوف حالياً. ويشير آخرون أن عامل المطبعة الأمريكي لويس بران رسم صورة بابانويل كشيخ عجوز ممتلئ الجسم باللباس الأحمر على بطاقة “معايدة” بمناسبة عيد الميلاد عام 1885، وبعدها انتشرت تلك الصورة المعروفة بلباسه ولحيته وشواربه البيضاء وكيس الهدايا الذي يحمله على ظهره..
ومع صعود اسم شركة كوكاكولا وفي بداية الثلاثينات من القرن الماضي استخدم أحد رجال الإعلان شخصية بابانويل لترويج مبيعات مشروب الشركة في أيام الشتاء، وساهم هذا الإعلان “البابانويلي” في تعريف وانتشار اسم ماركة الكوكاكولا، وبنفس الوقت كان لإعلانات الشركة المتكررة دوراً في انتشار هذه الشخصية “الأسطورة” اللطيفة، وخاصة على قلوب الأطفال..
يرجّح تاريخ سانتا كلاوس إلى شخصيتين ذات اسمٍ واحد، الأول هو المطران ميكولا الميراي عاش (270 – 343) ومصادر أخرى تقول بين (245 – 326) في تركيا. والشخصية الثانية هو المطران ميكولا البينوراي. ومع الزمن بقي اسم ميكولا أو نيكولا فقط وأصبح قديساً معترفاً به بشكل رسمي من الكنيسة، ويعتبر بين أكثر الشخصيات شهرة في طقوس الأعياد المسيحية.
ترتبط أساطير عديدة باسم ميكولا، فمنذ ولادته كان يقوم بأعمال “عظيمة”، وكانت حياته مليئة بـالخير والطيبة. ويقول مؤرخون أنه قبل موعد عيد الميلاد بحوالي أسبوعين كان يقوم المطران ميكولا بحمل هدايا وبشكل سريّ ويوزعها على المحتاجين تحت جنح الظلام. والأرجح أن ذلك هو السبب لاعتبار يوم 6 ديسمبر عيد اسم القديس ميكولا ضمن قائمة أعياد الأسماء المرتبطة بالكنيسة الكاثوليكية خاصة.
ومن الأساطير المرتبطة باسمه أنه، ساعد ثلاث فتيات فقيرات بالمال وبدون معرفتهن كي تستطعن الزواج حسب عادات ذلك العصر. وفي حدثٍ آخر أنقذ ثلاثة صبيان من الموت بعد أن قتلهم قاضي(حاكم) وقام ميكولا بمعجزة حيث أحياهم من الموت وقدم لهم عشاء “مقدساً”. قام بالحج إلى القدس وهو ابن 42 عاماً، وخلالها أظهر معجزاته أمام البحارة، ومن يومها يعتبرونه حاميهم، فالقديس نيكولا هو رمز حماية وبركة البحارة في كل مكان.
صار راعياً أو حامياً لكل فئات عمال بناء السفن، وعمال المطاحن والقصابين، ولتجار الخمور والحبوب، وللأبرياء من المساجين. وراعياً للأمهات الحوامل والأطفال، وحتى الحرامية والشحاذين أيضاً يبتهلون إليه طلباً للمساعدة..
عاش المطران ميكولا الميراي 52 سنة ودفن في “باري” جنوب إيطاليا.
لهذا السبب ليس غريباً أن تعود أسطورة القديس ميكولا من جنوب إيطاليا في القرن الثامن عشر، واشتهر بين الأطفال خصوصاً، حيث يقوم بتقديم الهدايا لهم في مساء يوم عيد اسمه. وانتشر هذا التقليد بسرعة في كل أوربا، وطبعاً صار متداخلاً وبأشكال مختلفة مع عادات محلية أيضاً. وقد كان القديس ميكولا هو الوحيد الذي يجلب الهدايا لكل لأطفال الطيبين -غير الأشقياء- ويضعها في جزماتهم، وبجانب وعاء حضّره الأطفال مسبقاً وفيه شعير وعلف لحصان القديس ميكولا أو نيكولا أو سانتاكلوس أو بابانويل. أما الولد الشقيّ فكان يمهله سنة كي يقوم بتحسين سلوكه، ويعود بعدها بجلب الهدايا له أيضاً..
طريق طويل وعِرٌ سار عليه مطران الأطفال حتى اكتملت لحيته. طريقٌ إلى كل بيت مسيحي، حتى صار شخصية الجد الخيّر الطيب ذو اللحية الكبيرة البيضاء. الأسطورة الطيبة والتي يحب كل الأطفال أن تكون حقيقة..
وكان شكلاً جديداً للتسلية واللعب في المدارس الدينية داخل الأديرة في ألمانيا. حيث كان يقوم الطلاب بانتخاب “مطران” في 6 ديسمبر -مثل انتخابات منظمات الطلاب اليوم- ويقوم المطران الشاب بتقديم قدّاس بشكل أشعار لسكان الدير وباللغة اللاتينية أو الألمانية، ثم ينطلق لتقديم البركات من بيت إلى بيت يرافقه أطفال يلبسون ثياباً تنكرية تمثل الملائكة والقديسين والشياطين والملوك..إلخ.
يعود تقليد بابانويل (سانتاكلوس) في دول الشرق الأوسط إلى عدة عقود فقط، وكانوا حتى قبل حوالي 40 عاماً يقدمون الهدايا في 6 يناير وهو عيد الغطاس، وكان رمز العيد هو شخص امرأة عجوز “ساحرة” جنيّة. بدل أن يقدموا تلك الهدايا في عيد ميلاد السيد المسيح أو في عيد اسم نيكولا.
في الدول الاسكندنافية تعود معرفة ميكولا إلى فترة أقدم من بلداننا. يسمونه في أمريكا “الجد المسيح” وفي انكلترا سانتا كلوس والفرنسيون ينادونه بابانويل. في روسيا يسمى “جايد ماروز” ويأتي في بداية العام ويكون أنحف قليلاً من زملائه الأوربيين. وكلها تسميات تعبر عن شخصية رجل عجوز يرمز للطيبة ويحمل الهدايا للأطفال..
عيد الميلاد وطقوسه هي قيم المحبة والتسامح، وما أحوجنا إلى تلك القيم. ونتذكر أن أبناء المسيح في شرقنا وهو بلادهم وكان كله وسكانه يدين بالمحبة – نتذكر أنّ عددهم يتضاءل وتزداد هجرتهم وتهجيرهم ولأسباب معروفة.! فيهم نزداد غنى، كما تزيدنا المحبة غنى. ومعهم نستطيع حماية المحبة وبناء مجتمعات ترتكز على المحبة، البعيدة عن القمع والاستبداد وعن همجية ثقافة تورا بورا. كل المحبة والخير للجسر الذي يربطنا بقيم المحبة وبمجتمعات المحبة والمؤمنين بالمحبة…
بودابست، 19 / 12 / 2009. .
خاص – صفحات سورية –