صفحات ثقافية

زها حديد تثير سجالاً صاخباً في الكويت

null
نشرت مجلة “نيوزويك” (16 شباط 2010) تقريراً عن تصميم هندسي وضعته المعمارية العراقية زها حديد لبناء مسجد حديث في مجمع تجاري في الكويت.
من التقرير نقتطف:
كعادتها، تثير تصاميم زها حديد، العراقية المولد البريطانية الجنسية، الجدل أينما حلت. زها، وهي المرأة الأولى في التاريخ الحديث التي قفز اسمها الى مصاف كبار المصممين العالميين والتي منحتها الجامعة الأميركية في بيروت الدكتواره الفخرية تقديراً لمجهوداتها، اضافة الى حصولها على وسام الامبراطورية البريطانية من رتبة كوماندور، وضعت اغرب تصميم لمسجد في العصر الحديث سوف يبنى داخل أحد المجمعات التجارية في الكويت يعرف باسم مجمع “الأفنيوز”، جاء التصميم وفقاً لأسلوب المدرسة المعمارية التفكيكية التي تنتمي اليها زها، والتي يصفها بعض النقاد بـ”التحطيمية” لانها تقوم على التبعثر والتكسر وتعتمد على الخامات الجديدة كالحديد والألمنيوم والزجاج المضغوط، وتقلل من استخدام الخرسانة وتروض الفراغات والارتفاعات بما يؤدي الى تباينات بصرية مختلفة في التصميم الواحد.
هذا الاتجاه في التصميم، الذي تباينت وجهات نظر النقاد المعماريين تجاهه، ما بين وصفه بالهرطقة المعمارية والى كونه يمثل الانقاذ المنتظر لعمارة ما بعد الحداثة، يغدو مقبولاً ورائعاً في المسجد الكبير في ستراسبورغ، الذي صممته حديد عام 2000 وسط عاصمة اوروبية تنتمي الى عصر الحداثة، وكذلك في المتحف الاسلامي بالعاصمة القطرية الدوحة وفي جسر ابو ظبي الشهير بكونهما منشأتين غير دينيتين.
لكن التصميمات التفكيكية للمساجد في مجتمع كالكويت، حيث تسيطر التيارات الدينية المحافظة بل المتشددة ايضاً على مناحي الحياة فتمنع رموز الاستنارة الفكرية العربية من دخول البلد كما حدث مع المفكر المصري نصر حامد أبو زيد في كانون الأول الماضي وتحرم الغناء والموسيقى بكل الوانها، تكون صادمة بل وصاعقة.
هذه التيارات ترفض الفنون والزخارف الاسلامية وتحرم الصلاة في المساجد العامرة بالمقرنصات والتوريقات والنقوش، او التصميمات الغربية الخارجة عن المألوف. يقول استاذ العقيدة والدعوة في جامعة الكويت بسام الشطي لـ”نيوزويك” :”الفنون الاسلامية غير مطلوبة في المساجد. لا يجوز شغل المصلي عن الخشوع بالرسومات. وهذا التصميم الذي يسمى بالتفكيكي يتناقض مع هيبة المساجد ووظيفتها. النبي محمد نهى عن الزخرفة في المساجد وتنبأ بان من علامات قرب قيام القيامة اهتمام الناس بتشييد المساجد وزخرفتها وقلة عدد المصلين وهو ما يحدث الآن. الصلاة في هذه المساجد، وان كانت صحيحة، تصبح مكروهة وناقصة الأجر”.
واقع الحال يشير الى ان هذه النبوءة لم تتحقق الى الآن. فاعداد مساجد الكويت بالآلاف وهي عامرة بملايين المصلين من كل جنس ولون ويتبارى اهل هذا البلد، سنة وشيعة، في بناء المساجد وتأثيثها بالسجاد الفاخر والثريات الضخمة وتزويدها بأحدث أجهزة الاضاءة والتكييف التي تجعلها ملاذاً وخصوصاً في فصل الصيف الحارق للآلاف من اصحاب الدخول المتدنية من المسلمين الهنود والبنغال، وغيرهم من العاملين في الكويت.
الا ان هذه المساجد الفخمة تبدو من الداخل والخارج على نمط واحد: كتل اسمنتية وخشبية، فراغات فارهة، مسمطة، خالية من معالم الفنون الاسلامية المختلفة، وحتى المساجد رائعة التصاميم مثل مسجد الدولة الكبير الذي يؤمه الآلاف وخصوصاً في الايام العشرة الاخيرة من شهر رمضان والمسجد الهرمي في منطقة رأس الارض بالسالمية الذي صمم على شكل هرم، وبالمثل مسجد فاطمة الجميل حرمت كلها من ابداعات الفنانين المسلمين تنفيذاً لتعليمات وزارة الاوقاف الكويتية التي يهيمن عليها التيار المحافظ ايضاً وتقضي بعدم تطعيم المساجد وخصوصاً من الداخل الا بالقليل جداً من فنون العمارة الاسلامية الموجودة في مساجد مصر وتركيا وماليزيا وكثير من بلاد العالم الاسلامي الاخرى.
بسام الشطي وهو امام وخطيب بوزارة الاوقاف الكويتية يشير الى ان تعليمات وزارة الاوقاف نابعة من سنة النبي محمد التي تؤكد على كون المساجد امكنة للعبادة فحسب، ويضيف: “وظيفة المسجد توفير مكان هادىء غير مشتت للمصلي، اما من يريد مشاهدة الفنون فليذهب الى المتاحف”.
زها حديد، التي دخلت تاريخ فن الهندسة المعمارية من اوسع ابوابه، حين حصلت على جائزة بريتزكر للعمارة وهي بمنزلة جائزة نوبل للعلوم والآداب لتكون اول امرأة تفوز بها في العالم، استدعت في تصميمها لمسجد الأفنيوز بعض هذه المعاني المجردة من ذاكرتها الاسلامية، المخزنة منذ فترة طفولتها وشبابها التي عاشتها في بغداد وبيروت. فالمسجد يبدو مثل قبضة يد يتجه ابهامها (المئذنة) بتوحيد الله الى السماء على الطريقة الاسلامية. وهو مشحون بفراغات ونقوش تعبق النفس بروح العصر وقوة الايمان. ومن ثم، وحسب يصبح هذا المسجد في المستقبل رمزاً لحقبة تاريخية تعكس كل الاوضاع في العالم الاسلامي، كما هو الحال في المعالم المعمارية التي خلفتها لنا العصور الاسلامية السابقة.
ويضيف محجوب، وهو من القلائل الذين سمح لهم بالاطلاع على تفاصيل التصميم لـ”نيوزويك”: “تصميم زها حديد يعد من اجرأ تصاميم المساجد المعاصرة لذا فانه مثير للجدل، فثمة من يرى ان تصميم المسجد مثال لعمارة الفوضى والتجريبية التي تنتشر في دول الخليج والبعض الآخر ينظر اليه كتعبير عن لغة معمارية رمزية تعكس خطاباً اسلامياً متطوراً يتناسب مع ثقافة وحضارة انسان القرن الـ 21 ارى ان هذا التصميم يعكس متغيرات كثيرة في عالمنا الاسلامي يقاومها البعض ويرحب بها آخرون”.
الخشية من الاصوات المعارضة ربما دفعت الشركة المسؤولة عن انشاء المسجد الى التزام السرية في كل ما له علاقة بتفاصيل المشروع ورفض مسؤولو الشركة التعليق او الحديث الى وسائل الاعلام وبررت المعمارية المسؤولة واسمها علياء ذلك بأنه ما زال قيد الدراسة وان ما حدث من تسريب للتصميم تم عن طريق اختراق احد الايميلات. ونشرت الشركة في احدى صحف الكويت بياناً قالت فيه ان المسجد لن يقام الا في اطار المرحلة الرابعة والاخيرة من مراحل انشاء المجمع التجاري التي وصلت الى المرحلة الثالثة الآن بعد موافقة الجهات الرسمية الحكومية وهو ما يعني ان مشروع المسجد قد ينام في الادراج طويلاً قبل الشروع في تنفيذه، مثل بعض تصاميم زها حديد الصادمة.
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى