إثارة فرنسية
ساطع نور الدين
فقدت زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي المقررة اليوم الى لبنان الكثير من أهميتها، لسببين، الأول أنه لن يصطحب معه زوجته المثيرة كارلا بروني، والثاني انه لن يستطيع تفسير هذه الخطوة السابقة لأوانها، التي تأتي قبل أن يجف حبر اتفاق الدوحة وقبل أن ينفذ.
لن تتاح الفرصة أمام الجمهور اللبناني لكي يطابق بين الصورة الرسمية لسيدة فرنسا الأولى والصور التي يحفظها لها الشبان، من أيام عملها كعارضة أزياء.. والتي كانت ولا تزال تثير جدلا يغطي في بعض الأحيان على النقاش بشأن سياسة الرئيس الفرنسي الداخلية والخارجية على حد سواء، وبينها سياسته اللبنانية التي ستخضع اليوم لاختبار جدي.
للزيارة اليوم وظائف متعددة: التعبير عن الحرص على الصداقة التاريخية بين فرنسا ولبنان، والتذكير بأن باريس كانت شريكة في اتفاق الدوحة، الذي استوحى مبادرة فرنسية سبق أن وضعها وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير، والتأكيد أن فرنسا كانت وستبقى مع اللبنانيين في السراء والضراء.. بدليل وجودها العسكري في الجنوب ووجودها السياسي في بقية الأنحاء اللبنانية.
لكن الزيارة تحسم خلافا لم ينته بعد بين مختلف العواصم المعنية بالازمة اللبنانية: من هو المنتصر في اتفاق الدوحة؟ وما هو نوع التهنئة ومستواها التي يجب أن توجه الى لبنان على هذه التسوية الغريبة، التي أجمع العالم كله على أنها ليست نهائية، وهي حسب التعبير الرسمي الفرنسي، لا تعالج القضايا اللبنانية الجوهرية لكنها تمثل نقطة انطلاق واختبار مهمة لمختلف الفرقاء اللبنانيين، لا سيما الذين حققوا الغلبة العسكرية في السابع من أيار الماضي.
لم تتعارض باريس مع هذا التحفظ العربي والدولي على اتفاق الدوحة، لكنها تحمست أكثر من سواها من العواصم لهذه الفرصة المؤقتة لاستكشاف قدرة اللبنانيين على الابتعاد عن حافة الحرب الأهلية، ورغبة القوى الخارجية في تحييد لبنان عن صراعاتها، التي كانت فرنسا ولا تزال تقف خارجها الى حد بعيد، وتعمل فعلا على عزلها والحد من تأثيرها على الازمة اللبنانية.
لكن هذه الحماسة الفرنسية أثارت الاستغراب، بل حتى الدهشة عندما بادر الرئيس ساركوزي الى الاتصال بالرئيس السوري بشار الأسد مهنئا وواعدا بالانفتاح على دمشق، وعندما أعلنت الرئاسة الفرنسية بشكل علني وصريح أنها ترى أن الموقف الأميركي من سوريا يتسم ببعض القسوة، ومن لبنان ببعض الحذر غير المبرر.. وهنا لجأ وزير الخارجية برنار كوشنير الى خطوة غير مألوفة عندما دعا الصحافيين العرب المعتمدين في باريس الاربعاء الماضي الى لقاء خاص، عبّر فيه بوضوح عن استيائه من التسرع الرئاسي الفرنسي في فتح قنوات الاتصال مع القيادة السورية!
ولم يكن الأمر تعبيراً عن التنافس التقليدي بين الاليزيه والكي دورسي حول إدارة السياسة الخارجية الفرنسية، بقدر ما كان ترجمة لحرص الرئاسة الفرنسية على إنجاح مشروع الاتحاد المتوسطي الذي أطلقه ساركوزي، ويطمح من خلاله الى جمع الرئيس الاسد ورئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود أولمرت حول طاولة واحدة في باريس الشهر المقبل.
الزيارة الرئاسية الفرنسية اليوم لن تكون مثيرة، ولا مؤثرة ايضا، حتى ولو التحقت بها السيدة كارلا ساركوزي.
السفير