كتاب جيب لكل الأعمار .. البيئة والإنسان: تفاضل أم تكامل
وائل السواح
لست من هواة الكتب العلمية بسبب قصور في ذائقتي، وليس بسبب خلل في الكتب نفسها. ومع ذلك قرأت في حياتي بضعة عشر كتابا في هذا المجال، كان أمتعها بالنسبة لي كتاب (الإنسان ذلك المجهول) لألكسيس كاريل أحد أقطاب العلم في التاريخ والحاصل على جائزة نوبل في العلوم. وقد استمتعت بالكتاب لأنه كتب بلغة مبسطة وأمثلة تفيد القارئ غير المختص مثلي.
ومنذ قراءتي لكارليل، لم أشعر بالمتعة ذاتها إلا عندما قرأت كتاب الباحث السوري كامل عباس الصادر مؤخرا عن الهيئة العامة للكتاب في سورية “البيئة والإنسان: تفاضل أم تكامل.”
عندما رأيت الكتاب الذي وزعته صحيفة البعث مجانا هذا الشهر، قلت لنفسي: “هو ذا كتاب علمي ممل آخر يحتوي نصائح مملة وغير مفهومة عن قضايا البيئة والمجتمع.” على أن ذلك الرأي لم يستمر سوى دقائق معدودة، فما إن بدأت بقراءة السطور الأولى حتى غرقت فيه كلية، ووجدت نفسي أقرأ بمتعة لم أعهدها في قراءة المواضيع العلمية.
“البيئة والإنسان: تفاضل أم تكامل” بحث مبسط ولكنه ليس سطحيا في قضايا البيئة. والجديد في الكتاب أن عرضه لمشاكل البيئة جاء ضمن عرض شامل لمبحث الطبيعة، التي تشكل الإطار الأم لقضايا البيئة.
ولا يدخل القارئ في مبحثه مباشرة بل يهيأ للقارئ مدخلا يساعده بليونة على الولوج إلى عالم البيئة وعلاقتها بالإنسان. ويدخل من حيث يجد القارئ نفسه راغبا في الاستزادة، فيبدأ ببحث عن الطبيعة ما قبل الإنسان ومكانة الأرض في المجموعة الشمسية والمجرة والكون، مستعرضا بيسر وتلخيص مكثف تاريخ هذا الكون وعلاقة عناصره واحدها مع الآخر.
ولئن كان أحيانا يعيد ما هو معروف للقارئ إلا أن الأخير لا يحس بأنه يقرأ مكرورا، بل يشعر أنه يعمق ما يعرفه في بعض المجالات، ويستزيد في مجالات أخرى معرفته فيها أقل. ويربط الباحث الميكرو كوزم بالماكرو كوزم مبينا العلاقة بين العالمين الذين على اختلافهما البين يشكلان معا وحدة هذا الكون. فيبحث في الذرة وخصائصها، والعلاقة التي تربط ما بين جزيئاتها، لتشكل العناصر، التي تشكل فيما بعد المادة المشكلة للكون الشاسع.
وينتقل الباحث ليعرف بعد ذلك بالحياة والنظام البيئي ومكوناتها: الحية منها وغير الحية، مؤكدا على الدور الذي تلعبه الطاقة في هذا النظام المتشابك.
وتذهلك أحيانا الأشياء البسيطة أكثر ما تفعل المعقدات من الأمور. لنأخذ على سبيل المثال التمثيل الضوئي الذي تعلمناه جميعا في الصفوف الأولى من مدرستنا الابتدائية. نعرف جميعا أن التمثيل الضوئي عملية طبيعية تحقق التوازن في الحياة الطبيعية بين استهلاك الأكسجين وإنتاجه. دور الكتاب الذي بين أيدينا هو أن يجعلنا نتمثل هذه العملية ونتصورها كأننا نراها بأعيننا، فتتحول بذلك من درس مقيت في علم الأحياء إلى حكاية ملون ومبهجة. وهي ليست الحالة الفريدة في الكتاب، بل إن فكرة الكتاب تقوم على هذه النقطة: تحويل الفكرة إلى صورة حية في الذهن، لتَرسَخ وتبهج وليس لتعلِّم وتضجر.
إلى ذلك ثمة إضافة أخرى يحققها المؤلف في كتابه وهي تعريفنا بجوانب في الإساءة إلى البيئة لم نكن نعيها. فنحن جميع نعرف الأثر المدمر للمعامل والسيارات والآلا ت العملاقة على البيئة. ولكن قلة منا فقط ينتبهون إلى أن في إقامة بعض الحدائق اعتداء على البيئة أيضا، بما تضمه من نباتات مستوردة، وما تخططه من ممرات وأحواض وتشكيلات تفرض مفاهيم وتصورات على تلك البقعة المحددة من الأرض، لا تناسبها، وتشكل بالتالي اعتداء على خصوصيتها الطبيعية.
وقلة أيضا هم الذين يعون أن صناعة العطور تترك أثرا مدمرا للبيئة، فبعض العطور يتألف من مواد كيماوية قد تكون مسرطنة أو مثبطة للجهاز العصبي، ويحرم القانون دفنها في الأرض بجانب بيتك، ولكنه لا يفعل شيئا إذا جاءتك في زجاجة ملفوفة بورق السيلوفان كزجاجة عطر.
ومن إضافات الكاتب أيضا تحليله للعلاقة بين الإنسان الطبيعة، حيث ينظر الإنسان إلى الطبيعة كأنها جزء من حديقة بيته، يرتبها كما يشاء غير عابئ بالتوازن البيئي.
وبالطبع يمر الكاتب بتوازن على القضايا البيئية الأخرى كالاحتباس الحراري وثقب الأوزون، ويعرج على البيئة ومستقبل الكوكب، فيسترض الجهود البشرية لتخفيض التلوث وحماية البيئة واستخراج طاقة بديلة تكون صديقة للبيئة. كل ذلك في سلاسة ولغة جميلة آسرة، تأخذك م يدك حتى تكمل قراءة الكتاب.
هو كتاب لكل الأعمار، وكل الفئات. ولقد كان من الحكمة توزيعه مجانا مع جريدة يومية، ولعل من الحكمة أيضا إعادة طباعته من جديد.
النشر الورقي: بلدنا
النشر الإلكتروني: ألف