برنارد هنري ليفي: الفيلسوف الوهمي والحروب الضرورية والتسامح الزائد مع ‘المسلمين’!
سأبيع نسخا كثيرة والكتب هي التي تصنع الكاتب لا العكس
ابراهيم درويش
بيرنارد هنري ليفي، المثقف اليهودي المعروف بماركته الخاصة وحياته النجومية التي تشبه نجوم الروك، شعره وقميصه المفتوح وحياته الفارهة وزوجته الجميلة وعلاقاته الخاصة مع السياسيين من توني بلير ونيكولا ساركوزي ودفاعه عن اسرائيل، ومواقفه من الاسلام والمثقفين المسلمين من امثال طارق رمضان، وتعليقاته على الحجاب وذلك في اثناء الجدل حول منعه في فرنسا، حيث تحدث لصحيفة يهودية في بريطانيا ‘جويش كرونيكل’ انه، اي الحجاب، يمثل دعوة واضحة للاغتصاب من الفتاة الذي تلبسه وشبه اللباس الاسلامي بالخيمة السوداء وهو وان كان جزءا من الفلسفة الجديدة في فرنسا وانتقد المؤسسة الفرنسية ودعم مواجهة الصرب في البوسنة الا انه يعيش على الجدل ومعارك طواحين الهواء.
قدم كفيلسوف الا انه متهم بخلط الصحافة بالفلسفة، ويشيرون الى الطريقة التي تتبع فيها ظروف مقتل الصحافي الامريكي دانيال بيرل وسفره الى الباكستان ومناطق اخرى والطريقة المثيرة التي قدم فيها ملامح مقتل الصحافي على ايدي اسلاميين باكستانيين ذهب لمقابلتهم واعداد تقرير لصحيفة ‘وول ستريت جورنال’.
مشكلة برنارد ليفي انه تحول في الايام الاخيرة ‘لاضحوكة’ بين المثقفين وصار خبرا في كل العالم اذا انه وقع في القارىء خداع شخصية غير معروفة في كتابة الاخير ‘في الحرب على الفلسفة’، حيث احال قارئه في اثناء الهجوم على الفيلسوف الالماني عمانويل كانت، لشخص اعتقد انه فيلسوف ولكنه وهمي اخترعه صحافي فرنسي عام 1999. واضطر للقول في واحد من ردوده على الهجوم الذي تعرض اليه ان مصدره لم يكن الموسوعة الشعبية على الانترنت ‘ويكبيديا’ خاصة ان الشخصية الوهمية لديها مدخل في الموسوعة. وفي رد اخر قال الفيلسوف الذي يتصرف وكأنه نجم موسيقى ‘روك’ ان الجدل حول كتابه لن يؤثر على شعبيته بل سيدعو الكثير من القراء لشرائه، اي ‘رب ضارة نافعة’.
بي اتش ال
يعرف برنارد هنري ليفي في الاوساط الاعلامية والثقافية باختصار ‘بي اتش ال’. وفي الكتاب الجديد هاجم بي اتش ال الفيلسوف عمانويل كانت واعتمد كثيرا على محاضرات جين بابتست بوتول وتلامذته. والغريب ان خطأ ليفي بجريمتين لان فردريك بيج، صانع الشخصة، لم يخف ان بوتول ليس الا شخصية خيالية بل وتصفه ويكيبديا- الموسوعة الحرة – انه ‘فيلسوف فرنسي وهمي’ ولا يرضى من كاتب لديه العديد من الكتب ان يقتبس اقواله بدون تثبت. وتعرف مدرسة بوتول بالبوتولية واتباعه يعرفون بالبوتوليين. وتتراوح افكار هذه المدرسة من مناقشة ما بعد الطبيعة والظاهراتية والجبنة والسجق وثدي المرأة وحجمه.
وكانت اودي لانسلين الكاتبة في لونوفيل اوبزرفاتور قد كشفت الاخطاء وتساءلت قائلة ان هذا يطرح اسئلة حول اسلوب ليفي وطريقة بحثه العلمية. وقالت الصحافية ان اقتباسات ليفي من فيلسوف وهمي مرت على المعلقين الفرنسيين الذين لم ينتبهوا اليها وهم المنشغلون بمنح ليفي القاب النجومية. وبدت التساؤلات اكثر في التعليقات على الانترنت التي لم تتساءل عن مصداقية ليفي نفسه بل مصداقية كتاب المراجعات في الصحف والذين فشلوا في الكشف عن الخداع الذي قام به ليفي.
وعلى الرغم من الضرر الذي احدثته الفضيحة لـ بي اتش ال الا انه قال في مقابلة صحافية مع مراسل ‘صاندي تايمز’ انه محظوظ هذه المرة لان كل صحيفة في اوروبا تحاول الحصول على مقابلة منه وهو الذي احتل الصفحات الاولى في صحف ومجلات باريس وصار حديث المجتمعات الادبية حيث بدا ساذجا او ابله واضحكوكة لوقوعه في احبولة شخص غير معروف عندما استشهد به في كتابه الاخير ‘الحرب على الفلسفة’. وفيه يتحدث بي اتش ال بنوع من الاعجاب ويمدح فلسفة ‘بوتول’ وهو فيلسوف من بنات افكار صحافي فرنسي اسمه فررديك بيج. وهو الذي اخترع بوتول والفلسفة البوتولية. وكفيلسوف علاوة على ان يكون باحثا قام بي اتش ال بالحديث عنه وبشكل مطول بدون ان يكلف نفسه بالبحث عن حقيقته او التأكد من معلوماته. وامام العاصفة ومن قبض عليه متلبسا كان رد فعل بي اتش ال عدم المبالاة حيث قال لصحافي ‘صاندي تايمز’ انه لا يهتم. وقال ان العديد من الصحافيين تساءلوا ان كان سيغير جملة من الكتاب حالة اعادة طباعته ‘هه، طبعا، تعرف، انا نفسي ضحكت’. وسكت قليلا ‘اية نكتة’. ويبدو الكاتب هنا معنيا اكثر بكم سيبيع كتابه اكثر من الحديث عن فلسفته حيث يقول انه من المحتمل سيبيع الكثير من النسخ من هذا الكتاب المعقد، المعقد جدا’. وتشير الصحيفة الى علاقاته مع قصر الاليزيه ايا كان ساكنه حيث تقول ان الرئيس نيكولا ساركوزي عرض عليه عام 2007 وزارة الثقافة فيما فعل جاك شيراك نفس الامر عام 2002 ودعته سيغولين رويال، مرشحة اليسار لان يكون مستشارها وخصصت له فصلا كاملا في سيرتها الذاتية. وبعيدا عن شعبيته ونجوميته التي تجعل من سائقي التاكسي في باريس يعرفون من هو بي اتش ال يقول لصحافي صاندي تايمز مستعطفا انه يمثل ‘مجموع 31 كتابا’. ويضيف قائلا ‘اناشد، ليس الكاتب هو من يصنع الكتب ولكن الكتب هي التي تصنعه، اؤمن بهذا، نظريا على الاقل، وعليه فمن انا؟ انا ملتقى كل هذه المغامرات الادبية والفلسفية’. وتشير الصحيفة ان فكرة نقطة اللقاء التي يتحدث عنها بي اتش ال من الصعب التعامل معها لان الكاتب هذا يختلف عن اقرانه من المثقفين الفرنسيين انه شخص يحب الحركة والفعل، فعندما طلبت منه صحيفة ‘لوموند’ تقديم تغطية صحافية فقد قام بزيارة خمس مناطق حرب من ست مناطق في العالم من سريلانكا الى كولومبيا والسودان وانغولا وكشمير حيث منع من بوروندي. ويشير الى انخراطه الصحافي في تغطية الحروب قائلا ‘اريد الحركة، التنقل والتحقيق’.
علينا ان نعلن الحروب احيانا
ويرى ان هذا العمل الصحافي هو جزء من المهمة التي يضعها لنفسه ‘اضع مهمات لنفسي للذهاب والكتابة حول موضوعات، لا انتظر اية عقود من اي شخص، اعتقد ان هذا هو دوري’. وترى الصحيفة ان الحرب من دون الموضوعات تجذبه ‘اكره الحرب، طبعا، واعرف انها المساعدة الكبرى التي تعطيها للقتلة، ولكن عليك ان تتدخل في بعض الاحيان’ في اشارة الى دعمه الحرب على العراق مع انه يقول ان موقفه من الحرب على العراق لم يكن دعما ولكن تعاطفا مع موقف توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق، والذي يصفه بانه من ‘اذكى رجال الدولة ـ السياسيين الذي انجبتهم اوروبا’ وحسب زعمه فقد احيا بلير ‘الفضاء الايديولوجي لليسار’ ولكن الاعجاب لا يمنع الكاتب هذا من القول ان بلير ‘ارتكب اخطاء كبيرة في العراق’ مشيرا الى احاديث بلير الاخيرة التي قال فيها انه اندفع نحو غزو العراق بامر الهي ويصف بي اتش ال هذه الاقوال انها مجنونة، ‘زعيم ملهم من الرب، اكره ذلك، لكنه لم يتحدث عن هذه الاشياء عندما كــــان في الحكم ، الان هذه الاشياء ‘الرب تحدث لي.. هذا جنون’. ويقول انه دعم التحقيق مع بلير من قبل لجنة تشيلكوت ويرى فيه علامة على الديمقراطية. ويقول انه في وسط فضيحة ‘البوتولية’ اتصل به ساركوزي الذي يصفه بالصديق القديم ليس من اجل الموضوع ولكن من اجل السؤال عن مهمة قام بها مع وفد من المعارضة الايرانية لاسرائيل ودعاه لقصر الاليزيه للقاء خاص. وفي نهاية اللقاء يقول بي اتش ال ان فرنسا يمكن ان تقدم لبريطانيا التي قال ان لديها عقولا عظيمة مثل سلمان رشدي ومارتن ايميس، وعن طبيعة هذه الافكار التي يمكن لفرنسا ان تقدمها لبريطانيا ان الاخيرة يجب ان لا تقدم اي شيء تحت مسمى التسامح مشيرا الى قرار بريطانيا المتأخر ترحيل الائمة الذين كانوا ينشرون الكراهية ضد اليهود والمسيحية. وقال ان التسامح في بريطانيا لم يكن عش الديمقراطية ولكن قبرها.اما ما ستقدمه بريطانيا لفرنسا بالمقابل فهو احترام الاقليات وعدم الثقة بالدولة. في وصف ما حدث قالت ‘نيويورك تايمز’ يوم الجمعة ان الفيلسوف الفرنسي اثار الجدل عندما نشر ‘دوار امريكي’ وهي مجموعة رحلاته التي حاول فيها ان يقلد فيها الفيلسوف والمؤرخ الفرنسي في كتابه عن حالة الديمقراطية في امريكا اليكس دي توكفيل. ونشرها اولا في اتلانتك مونثلي ‘على خطى اليكس توكفيل’ في الفترة ما بين ايار (مايو) وتشرين الثاني (نوفمبر) 2005 وفي نقدها كتب غاريسون كيللور نقدا حادا للكتاب في نفس الصحيفة عام 2006 ووصفه بانه عمل طالب مبتدئ.
من هو هنري برنارد ليفي؟
وجه بي اتش ال مألوف وتصريحاته معروفة وما نقدمه من معلومات مأخوذ من موسوعة ويكيبديا الحرة التي تقول انه ولد عام 1948 في بني صاف بالجزائر ويقدم على انه واحد من قادة الفلسفة الجديدة في فرنسا التي بدأت في السبعينات من القرن الماضي. وتعود عائلة ليفي الى اليهود السفارديم، حيث انتقلت الى باريس بعد اشهر من ولادته. ووالد هنري، اندري ليفي كان مليونيرا كبيرا حيث قام بانشاء شركة اخشاب ‘بيكوب’. انهى ليفي دراسته في ايكول نورمال سوبريير عام 1968 وتخرج من قسم الفلسفة وكان من اساتذته جاك دريدا، ولوي التوسير، بدأ ليفي حياته العملية كصحافي في مجلة ‘كومبات’ وهي المجلة السرية التي انشأها البير كامو اثناء الاحتلال النازي لفرنسا. في عام 1971 سافر الى شبه القارة الهندية وغطى الحرب الانفصالية في باكستان الشرقية عن الغربية والتي صارت تعرف باسم بنغلاديش والهمت التجربة كتابه الاول ‘بنغالا ـ ديش: قومية تتمرد’ والذي نشر عام 1973 وبعد عودته الى فرنسا، اصبح ليفي واحدا من مؤسسي الفلسفة الجديدة في فرنسا وضمت الحركة مجموعة من المثقفين الشباب الذين شعروا بخيبة من الشيوعية والاشتراكية والطـــريقة التـي تعاملتا فيها مع حركة الشباب وثورتهم في عام 1968.
وفي هذه الفترة درس ليفي عددا من المساقات في جامعتي ستراسبورغ وايكول نورمال سوبريير. بدأ ليفي يظهر كنجم اعلامي وواحد من وجوه الفلاسفة الجدد عام 1977 عندما ظهر في برنامج تلفازي ‘ابوستروفي’ وفي نفس العام ظهر كتابه ‘البربرية بوجه انساني’ والذي ناقش فيه ان الماركسية ايديولوجية فاسدة. في عام 1981 نشر كتاب ‘الايديولوجية الفرنسية’ الذي يعتبر من اهم كتبه وفيه قدم صورة قاتمة للتاريخ الفرنسي. وعلى الرغم من ذلك انتقد الكتاب والكاتب بسبب لغته الصحافية وموقفه غير المتوازن من التاريخ الفرنسي. بعد وفاة والده اصبح برنارد مديرا لشركة بيكوب حتى تم بيعها عام 1997. وفي نهاية التسعينات اقام مدرسة باسم الفيلسوف اليهودي اللتواني الاصل ايمانويل ليفيانس في القدس. بالاضافة لدعوته للتدخل العسكري في البوسنة وموقفه من العراق سافر عام 2003 للباكستان وافغانستان والهند من اجل التحقيق بمقتل الصحافي دانيال بيرل وجاءت ثمرة التحقيق بكتاب ‘من قتل دانيال بيرل’ والذي ناقش فيه ان الصحافي الامريكي قتل بسبب معرفته الكثير عن علاقة الباكستان ومخابراتها بالقاعدة. وانتقد الكتاب من قبل خبراء الهند والمنطقة لعدم التزامه باداب البحث العلمي ولتصويره الساخر للمجتمع الباكستاني، كما انتقد ليفي من ناحية الاسلوب الذي لا هو فلسفة ولا هو صحافة.
وعلى الرغم من ان كتابات ليفـــــــي لم يترجم الا بعضها في الغالب للانكليزية. ومن ضمن نشاطاته السياســيـة قام عام 2006 بالتوقيع على بيان ضد الشمولية مع 11 مثقفا على رأسهم سلمان رشدي والذي نشر ردا على الاحتجاج العام في العالم الاسلامي على الرسوم المسيئة للرسول والتي نشرت في صحيفة دانماركية.
وفي عام 2009 قام بدعم حركة المعارضة الايرانية والمظاهرات التي اندلعت احتجاجا على نتائج الانتخابات في ايران. ومن انخراطات ليفي كانت دارفور التي دعا الى ضرورة الانتباه لما يحدث فيها ودعم سكان الاقليم. ويفتخر ليفي بيهوديته حيث يرى ان على اليهود ان يقدموا للعالم الصوت الاخلاقي في مجالي السياسة والمجتمع.
وفي كتابه الجديد كرس المفكر المعروف طارق رمضان كتابه ‘ما اعتقد’ للرد على اتهامات وجهها اليه عدد من المثقفين الفرنسيين وعلى رأسهم بي اتش ال الذي اتهم رمضان بانه يدعم كل الوان الكلام المزدوج لكن رمضان رد ان ليفي وكل المدافعين عن اسرائيل لا يريدون صوتا مسلما يدعو الى الحوار والارضية المشتركة .
ناقد من اسرة ‘القدس العربي’
القدس العربي