اسرائيلصفحات العالم

نقاش إسرائيلي عن الحرب

ساطع نور الدين
قراءة الموقف الإسرائيلي، وتعليقات الصحف الصادرة في إسرائيل توحي بأن الإسرائيليين خائفون فعلاً من الحرب. وهو شعور جديد عليهم، على الدولة التي أنشئت على عقيدة القتال وعلى الشعب الذي جمع على فكرة حمل السلاح. المفردات المستخدمة في تحليلهم لاحتمالات الحرب ومخاطرها لم يسبق لها مثيل في قاموسهم السياسي الزاخر بمصطلحات القوة ومفاهميها، التي كانت ولا تزال تمثل تعويضاً عن عقدة ضعف تاريخية تميزت بها الشخصية اليهودية على مر العصور، حتى المحرقة النازية التي سار فيها اليهود الى حتفهم من دون أي مقاومة تذكر.
ثمة خلل جوهري في تلك الشخصية التي كان قيام دولة إسرائيل تعبيراً عن عنفوانها وكبريائها، كما عن تفجر ميولها العنيفة. هي الآن تشهد اضطراباً داخلياً عميقاً. اهتز إحساسها بالأمان الذي ظل يلازمها طوال العقود الستة الماضية من عمر الدولة التي انتصرت في جميع حروبها التقليدية، وأدركت للمرة الأولى أن تفوقها العسكري الهائل لا يمثل مناعة كافية، ولا يحميها من دفع ثمن بشري ومعنوي كبير في أي اشتباك عسكري مع قوى غير تقليدية تستطيع إيذاءها والاختفاء تحت الارض.
لم تعد الحرب مجرد رياضة وطنية يزاولها الإسرائيليون بين الحين والآخر، أو نزهة يخرجون إليها مع كل حكومة جديدة. صارت عبئاً، سؤالاً مقلقاً، يحفز أكثر من ذي قبل البحث عن البدائل مهما كانت مكلفة، ويفتح نقاشاً بعيداً عن قدرة الدولة على الاستمرار في حالة استنفار لا تنتهي، يتنقل شبانها وشاباتها بين مقاعد الدراسة وبين جبهات القتال، من دون وجود بديل ثالث.. سوى الهجرة الدائمة التي كانت ولا تزال ترقى الى مستوى الخيانة الوطنية والتاريخية، وتعادل التخلي نهائياً عن الهوية اليهودية التي صمدت بصعوبة لقرون عديدة.
في إعلامهم جدل غريب، يدور حول الآخر ورغبته بالحرب وحاجته إليها، ويصل إلى الجزم في أن إسرائيل لن تكون هي المبادرة اليها أبداً. تعود بعض الآراء الى التذكير بأن الجانب العربي هو الذي بادر إلى جميع الحروب، أو على الأقل هو الذي أشعل شراراتها الأولى، او هو الذي قدم الذرائع لتنفيذ خطط عسكرية كانت معدة سلفاً وتنتظر الأمر بالتنفيذ. ثم تمضي الاستنتاجات التي لا يجافي معظمها الحقيقة: حزب الله لا يريد الحرب ولا يقوى على خوضها ولا يحظى بتأييد شعبي لإشعالها. حركة حماس أضعف وأذكى من أن تدخل في اشتباك جديد مع إسرائيل لا يخدم أياً من مصالحها السياسية الراسخة في قطاع غزة. سوريا ليست من الحماقة بحيث تدخل في مغامرة عسكرية يمكن أن تؤدي الى دمارها واضطرابها. إيران دولة متطرفة لكنها ليست دولة مجنونة، والدلائل على تعقلها موجودة لدى الأميركيين قبل سواهم.. وهي لا تستطيع أن تنتج قنبلة نووية، وإذا امتلكتها فإنها لا تستطيع استخدامها!
هذه خلاصة نقاش جدي يدور في إسرائيل هذه الأيام. وهو يخشى الحرب وينفيها. ويتحدث عن توازن رعب حقيقي يحول دون نشوبها. لكنه لا يسقط السؤال الملح: كيف تكون الضربة الأولى ومتى؟
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى