الدولة الامة والقضية الكردية في سوريا (4 -5)
بنكي حاجو
الحدود الشمالية لـ سوريا:
قبل الدخول في لب الموضوع أي التعرض لمفهوم الدولة الامة، أريد الإشارة الى الحدود الشمالية الفاصلة بين سوريا وتركيا. هذه الحدود هي في القسم الأكبر منها عبارةعن سكة
حديد القطارالذي بناه الالمان في زمن الحرب العالية الأولى، بين استانبول وبغداد. القطار القادم من برلين، بهدف نقل العتاد والجيش الى ساحات
الدولة، الامة والقضية الكردية في سوريا (3- 5)
المعارك. تم الإتفاق المبدئي على رسم هذه الحدود وسوريا تحت الإنتداب الفرنسي. في الحقيقة كان إتفاقاً بين فرنسا وتركيا ولم يكن للسوريين فيه أي شأن. الانكليز كانوا قد إحتلوا مناطق كيليكيا والمناطق المعروفة بجبل الاكراد قبل عام 1920 ولكنهم تخلوا عن هذه الأراضي وسلموها الى الفرنسيين مقابل تخلي فرنسا عن مطامعها في ولاية الموصل. هذه الحدود أصبحت حدوداً دولية رسمية لأول مرة في عام 1929(للمزيد يفضل الرجوع الى ما ينشره د.خالد عيسى من ثائق وزارة الخارجية الفرنسية وأرشيف الجيش الفرنسي، فرنسا دخلت سوريا عام 1920) ولا زالت الحدود هي نفسها دون تغيير، بالرغم من”القضم” التركي بين الفترة والأخرى على غرار ما تفعله اسرائيل.
هل من المعقول أن يرسم الأجنبي المحتل حدود (الامة)؟. ليس هذا فحسب وإنما على طول سكة قطار بناها أجنبي آخر، وكلاهما من قارة أخرى(المانيا وفرنسا) والأنكى من كل هذا وذاك أن يتم ذلك بالإتفاق مع محتل سابق(تركيا العثمانية) في تاريخها أربعة قرون من الرق والعبودية لأبناء تلك (الامة).
تلك الحدود كانت كارثة حلت بالكرد، إذ شتتت تلك السكة الحدود شمل العائلات والأسر والأخوة والأبناء والعمات والخالات….الخ. لقد وجد هؤلاء أنفسهم فجأةً في دولتين منفصلتين، وحصل الإنقطاع الكلي بينهم بعد زرع تركيا للألغام على الحدود فيما بعد.
يعتقد الكثير من العرب أن علاقة الكرد السوريين بكرد تركيا هي قومية أو عرقية صرفة على نمط العلاقة الموجودة بين السوريين والمصريين أو الفلسطينيين.علاقاتنا تتجاوز ذلك بكثير وهي كما ذكرت علاقات عائلية أسرية، ومن النادر أن تجد عائلة كردية سورية ليس لها أقارب من الدرجة الأولى على الطرف الآخر من الحدود. ولا ننسى تأثيرالإنتفاضات الكردية التي لم تنقطع في تركيا وأكبرها كانت ثورة الشيخ سعيد بيران في دياربكر. تلك الإنتفاضات كان يشارك في بعضها كرد سوريا لاسيما إنتفاضة جبل آغري على حدود ايران إذ كان هناك إتفاق بين الكرد السوريين وأخوتهم في الشمال على ضرب القوات التركية من الجنوب بقصد التخفيف عن الثوار في الشمال على تخوم جبل آغري. يعني أن الأجداد كان لديهم الشعور بالمصير المشترك بحيث أن الحدود كانت وهمية بالنسبة لهم (جريدة “الأحرار” السورية تحت عنوان “الثورة الكردية” العدد 1502 تاريخ 10 آب 1930).
منذ تاريخ رسم تلك الحدود وحتى يومنا هذا يُطلِقْ كرد المنطقة وعلى جانبي الحدود تعبير”فوق الخط ” تركيا “وتحت الخط” أي سوريا، وليس بالعادة ذكر إسم الدولتين. الدافع لإستعمال هذه التسمية ليس سياسياً أو نوعاً من الشماتة وإنما كان وصفاً دقيقاَ لخط الحدود السكة الإصطناعي.
أدناه نجد تعريفاً آكاديمياً لمفهوم الدولة الامة وما بين الأقواس هو مقارنة مع الوضع السوري :
الامة: “هي جماعة طبيعية من البشر قادتهم الارض والاصل والعادات واللغة (الكرد مختلفون في كل ذلك في سوريا) الى وحدة في نمط الحياة والوعي الاجتماعي. ومن اصل العناصر الثلاثة التي تشكل الدولة لايتوفر في الامة الا عنصر واحد وهو عنصر السكان، واما العنصران الاخران – وهما الاقليم (سورياً: رسم حدودها المحتل وبسكة حديد وماشابه) والسيادة (كانت فرنسية) فلا يتوفران في الامة دوماً، لهذا لا يمكن للامة ان تصبح “دولة” الا اذا وجدت لها اقليماً خاصاً بها واقامت فوق هذا الاقليم (الذي جاء على مقاس الفرنسيين بعد الإتفاق مع الانكليز) سلطتها الوطنية المستقلة.
” الامة – الدولة-: وهي الامة التي حققت نفسها سياسياً ضمن حدود وطنية خاصة بها، وبهذا تنطبق حدودها السياسية على حدودها القومية
اترك ما ورد أعلاه الى ضمير ووجدان القارئ الكريم لمعرفة مدى حيازة سوريا على شروط مفهوم الدولة الامة الذي هو في طريقه الى الزوال في العالم الديمقراطي المتحضر.
لماذا هذا التحسس من كلمة كردستان، خاصةً عند العرب السوريين؟.
الحقيقة ليس هناك أي مبررلذلك. في فترة الحقبة العثمانية كانت المناطق المأهولة بالكرد يٌطلقْ عليها إسم “كردستان” وبشكل رسمي في جميع معاملات وأمور السلطنة الرسمية. تلك المناطق كانت تشمل جغرافياً كل شرق وجنوب شرق الدولة التركية الحالية بما فيه جزء كبيرمن منطقة الجزيرة السورية الحالية، إذ لم يكن هناك أي وجود للحدود حينها. هذه التسمية “كردستان”حُذفتْ من القاموس التركي بعد عام 1923 وبالذات بعد ان تمكن مصطفى كمال اتاتورك من الإمساك بزمام السلطة،علماً أن اتاتورك نفسه كان يستعمل إسم “كردستان” في مراسلاته وأوامره الرسمية عندما كان بحاجة إلى الدعم الكردي قبل وأثناء معارك الإستقلال. الصحفيون والمثقفون الليبراليون في تركيا يطالبون الدولة بين فترة وأخرى بنشرتلك الوثائق التي كان يكتب فيها اتاتورك وبخط قلمه بالذات إسم كردستان التي أصبحت ولا تزل محظورة في مراسلاته. يقول الصحفي التركي المعروف السيد حسن جمال:”للإمعان في الدجل وطمس التاريخ وضعت الدولة الحظر(سانسور) حتى على ما قاله وكتبه اتاتورك بهدف تجنب لفظة كردستان بعدعام 1923″.
في ايران أيضاً توجد مقاطعة إسمها كردستان، والإسم لم يتبدل حتى في عهد الشاه. قبل عدة سنوات وفي عهد رئيس الوزراء الأسبق بولند اجاويد على ما أعتقد حدثت أزمة سياسية بين تركيا وايران عندما حَطتْ طائرة الرئيس الايراني خاتمي في مطارأنقرة حيث أن الطائرة كانت تحمل إسم كردستان، ذلك الإسم الذي يكهرب المسؤولين الاتراك. ايران فعلت ذلك عن قصد ودراية لإستفزاز الاتراك المحسوبين على امريكا في عقر دارهم.
القصد من كل ما ورد ذكره أعلاه ليس رفضاُ للوطن السوري الحالي وبحدوده الحالية من قبل الكرد، بقدرما هو سرد تاريخي للوقائع التاريخية المعاصرة وعمرها لم تتجاوز المئة عام بعد. هذا التاريخ ينبغي علينا نحن السوريون جميعاً معرفته حتى يكون وجداننا وضميرنا نقياً وخالياً من عُقدْ الذنب عند إتخاذ القرارات المصيرية للإتفاق والتوافق على إيجاد صيغةٍ للعيش المشترك وبرضى كل الأطياف ويشعر كل فرد سوري أنه شارك في القرار.
للحديث بقية…
طبيب كردي سوري السويد
ايلاف
اقرأ:
الجزء الأول من هذا المقال