هل الحداثة في الاسلام أمر ضروري؟
صلاح سليمان
في سلسلة الكتب المتوالية عن الاسلام والمسلمين والتي تأخذ مكانها في كل عام على أرفف المكتبة الالمانية، نجد كتابا جديدا صدر مطلع هذا العام، اصبح مادة اعلامية متداولة في وسائل الاعلام الالمانية المختلفة، وعنوان هذا الكتاب هو ‘امرأة المانية مسلمة’ ومؤلفته هي ‘ لمياء قدور’ الالمانية سورية الاصل، يبدو عنوان الكتاب للقارئ العربي شيئا عاديا، الا انه يحمل في مضمونه ربما تحدياً للقارئ الالماني الذي يرى ان المرأة لا تتمتع بحقوق كافية في الاسلام. لهذا السبب يبدو عنوان الكتاب مثيرا ذلك ان الكاتبة هي شابة المانية الهوية عاشت وترعرت في المانيا، ولدت في عام 1978 في المانيا لاسرة مسلمة مهاجرة من سورية، تعلمت اصول الدين في نطاق الاسرة ودرست فيما بعد علوم الاسلام في الجامعة، ثم تأهلت للعمل كمدرسة تربوية للتربية الاسلامية في المدارس الالمانية، وهو الامر الذي ساعدها في وضع الكثير من التصورات والتجارب الخاصة التي عاشتها في محيط الاسرة والصداقات وايضا العمل ضمن محتويات الكتاب، فهي تربت في طفولتها في بيئة المانية لا تدعي اي خصوصية للدين، فالمجتمع منفتح ولا يلعب الدين دورا مؤثرا في حياة الافراد، وهو امر مختلف عن بيئة البيت فالاسرة التي تعيش في كنفها تحافظ على العادات والتقاليد المحافظة التي يلعب الدين دورا اساسيا فيها. هذا الاختلاف والتباين بين ما تراه وما تعيشه اوقعها في الحيرة في حداثة سنها حتى انها بدأت تشكك في التقاليد والعادات وسط اجواء الحرية التي كانت تعيشها خارج نطاق الاسرة في فترات الدراسة في المدرسة الالمانية.
دعوة الى المنهج الليبرالي في التفسير
تدعو لمياء قدور في كتابها الى الحداثة والى انتهاج منهج ليبرالي في تفسير القرآن الكريم بشكل يتماشى مع العصر او على الاقل وضع التفسيرات المجددة امام التغيرات الحادثة، وفي حرص منها على ان تنأى بنفسها عن الوقوع في مصيدة انتقاد الاسلاميين فانها تؤكد على حقيقة ان القرآن الكريم هو كتاب سماوي وهو ثابت لا يتغير ولا يمكن التشكيك في تلك الحقيقة، انما الامر يتعلق بالتفسير ومواجهة الواقع المتغير في الزمان والمكان. فهي على سبيل المثال لا ترتدي الحجاب وترى من وجهة نظرها ان ارتداءه في عهد النبي محمد عليه الصلاة والسلام انما كان لحماية المرأة، اما الان فإن هذه الحماية من وجهة نظرها لم تعد مطلوبة اذ ان المرأة قادرة على حماية نفسها دون حجاب.
ترى المؤلفة ايضا انه باستثناء الثوابت الاسلامية المعروفة واركان الاسلام الخمسة، فان الاجتهاد في التفسير هو مطلب هام في كثير من الاحيان للمسلمين، ومن جهة اخرى فهي تنتقد فكرة ان الاسلام ثابت لا يتغير وهو صالح لكل زمان ومكان، ذلك ان جمود التفسيرات والاجتهادات سيجعل الاسلام دائما عرضة للهجوم والتشكيك من قبل الغربيين، ان احد الامثلة على ذلك هو الاستاذ الجامعي المصري ‘ حامد ابو زيد’ الذي تعرض من جراء آرائه الاسلامية الجريئة الى التهديد اكثر من مرة بل اكثر من ذلك اقامة دعوى قضائية عليه للتفريق بينه وبين زوجته على اساس انه مرتد.
ان عدم مسايرة التغيرات الحادثة في التفسير، سيبعد الدين عن العالم الواقعي الذي نعيشه.. وبُعد الدين عن الواقع سيشكل صعوبة في اسلوب الدعوة للاقتناع به، فهي ترى من واقع تجربتها كمدرسة للدين ان التلاميذ الذين ينتمون الى عدة اقطار اسلامية يشتركون في معرفة الاسلام بصورة سطحية من واقع الاشياء المحرمة فقط، كالجنس قبل الزواج او اكل لحم الخنزير او المشروبات الكحولية، في حين ان عليهم عدم الاكتفاء بذلك فقط، انما ان يصلوا الى اعمق من ذلك بكثير الى فلسفة وجوهر الدين المؤثر على النفس البشرية كمنهج اصلاحي للبشر.
حاولت المؤلفة في الكتاب ان تقدم حلولا تتمثل من وجهة نظرها في كيفية تطبيق التفسيرات الجديدة على ارض الواقع والتقليل من التناقض الظاهر بين الدين والحداثة وذلك من خلال وضع الاحكام القرآنية في ظل سياق تاريخي وموضوعي يمكن به الكشف عن المعنى الحقيقي حتى يصبح التفسير ملائما للواقع.
انتقاد التشدد الغربي ضد الاسلام
نراها في موضع اخر من الكتاب وهي تحاول توضيح اهمية عملها كمدرسة للتربية الدينية الاسلامية في هذا المجتمع الغربي، فهي ترى ان ذلك مهم لمكافحة الارهاب وتصحيح صورة الاسلام التي يتعمد البعض تشويهها وفي هذا الاطار توجه نقدا شديدا للكتب التي تظهر في المانيا عن الاسلام وتنحصر فقط في تجارب شخصية، وفي الغالب سلبية، عن الدين الاسلامي لا تخرج موضوعاتها عن جرائم الشرف او الزواج الاجباري للفتيات او ختان الاناث، وهي موضوعات طالما تناولتها وسائل الاعلام هنا حتى انها اصبحت مملة ورتيبة تجد دائما من الغرب التشجيع على نشرها في محاولة لاظهار الغرب على انه المنقذ والمخلص.
تنتقد ايضا لمياء قدور دور مؤتمر الحوار الالماني الاسلامي الذي يعقد مؤتمرا عن الاسلام سنويا، وتقول انه لا يلعب سوى دور رمزي مظهري في اشكالية الاسلام في المانيا، ذلك ان عدد الممثلين فيه عن المنظمات الاسلامية ودور العبادة الموجودة في المانيا لايزيد عن 10 الى 20%، في حين انه يمكن بالفعل ان يلعب دورا أكبر من ذلك بكثير اذا تم التنظيم له بشكل صحيح ..لا ليقتصر فقط على اصوات المتشددين الذين يطرحون افكارا سطحية ضد الاسلام، في وقت يغيب فيه صوت المعتدلين، ووفق رؤيتها فان الحياد في هذا المؤتمر يجب ان يكون هو المعيار الاول لسبب انعقاده.
تحذر لمياء قدور في الكتاب ايضا من مسألة الرفض الجماعي للاسلام من قبل الغرب، كذلك ايضا من اصرار المتشددين الاسلاميين على التمسك بالتقاليد والاصرار عليها دون الاخذ في الاعتبار التجديد والتحديث، وترى ان اصرار كل جانب على موقفه، لن يثمر عن اي حل في اطار الحوار بين الطرفين، من ناحية اخرى فهي ترى ان الحوار بين الجانبين يجب ان يكون جادا وفعالا ذلك ان الاسلام سيبقى جزءا من هذا المجتمع، كما ان تكيف المسلمين مع الموطن الجديد هو امر حتمي لهذا يجب ان يسفر الحوار والنقاش عن هدف واضح بين الجانبين.
‘ اعلامي من مصر
القدس العربي