صفحات أخرى

كارلوس ليسكانو: صوت الأوروغواي

null
انتخبت الأروغواي أخيراً رئيسا للجمهورية، جوزيه موجيكا، المسؤول السابق في منظمة “توباماروس” المسلحة. الكاتب كارلوس ليسكانو الذي كان عضوا في نفس هذا التنظيم، وقضى 13 عاما في السجن، أصدر كتابا هو “الكاتب والآخر”، يروي فيه كيفية تحوله الى كاتب وهو داخل السجن. “النوفل ابزفاتور” الفرنسية (17 آذار 2010) حاورته عن الكتابة والرئيس الجديد.وهنا مقتطفات من الحوار:
– “النوفل ابزفاتور”: تقول في كتابك الجديد: “من الصعب أن نروي عن التعذيب في السجن، لأنه شيء حميم”. ومع ذلك تروي هذه التجربة في روايتك “عربة المجانين”..
– كارلوس ليسكانو: التعذيب مثل المرض. من الصعب جدا التحدّث عما نشعر حياله. نفعل ذلك بالتدريج. في روايتي “عربة المجانين” لم أسلّم الا بعضا من هذه التجربة. التعذيب كموضوعة أدبية لا يهمّني (…). كان في البدء تحدياً بيني وبين نفسي. وبعد ذلك تحول الى شهادة. عرفت انها تساعد آخرين، لما تعرّضوا له. قال لي بعضهم انهم رأوا في هذا الكتاب صورة عنهم، لأنهم لا يستطيعيون رواية التعذيب. بالنسبة لي، هذا الاعتراف هو الأهم. لأننا نستطيع ان نبالغ، أن نلعب دور الابطال، ولكن مع رفاق السجن لا نستطيع ان نخبّئ شيئا… هذا هو الوضع في سجون العالم كلها. في السجن ينتهي بنا الأمر الى أن نكون ما نحن حقيقةً. لا مفر من ذلك.
– “لو نوفل أوبزفاترو”: ان تنجح في الكتابة حول أمر ينطوي على كل هذا الألم، هل كان بالنسبة لك انتصارا؟
– كارلوس ليسكانو: نعم، ولكن بالمعنى الاجتماعي والعائلي. فأنا قادم من اسرة عمالية. لم يكن في بيتنا كتاب واحد. كنت أشعر بالاعتزاز لكوني قادر على تكريس نفسي للكتب. اما الكتابة فشأن آخر. أنا لا أمنحها الصفة الخلاصية ذاتها التي اعطيها للقراءة، لأنها تفرض العديد من الالتزامات، فضلا عن عزلة كبيرة. نعتقد ان الكتابة هي تحرر عظيم، لكننا ندرك أثناءها اننا خاضعون للتقاليد والقواعد والأنواع الادبية (…).
– “لو نوفل اوبزفاتور”: كتبتَ في آخر إصدارك: “لا أشعر بالحقد تجاه الذين مارسوا التعذيب ضدي، بل بالاحتقار”. والحال انك تعيش الآن في “منوتيفيديو” (العاصمة) المليئة بالجلادين، بممارسي التعذيب السابقين… بعدما استفادوا من العفو عام 1989. وغالبيتهم لم يحاكَموا. كيف تعيش هذا الوضع؟
– كارلوس ليسكانو: انها مشكلة تتعلق بالمجتمع الاوروغوايي، وليست مشكلة شخصية. أعتقد بأن الارهاب الذي في الرأس له مفعول أقوى من الديكتاتورية نفسها. بل انه جزء من مشروع الديكتاتور: ان يرهب الآن، ليستمر الارهاب غدا. في السجن الآن رجلان من الديكتاتوريين الكبار ودزينة من المعذّبين. نحن نتعلم الآن ان الديكتاتورية لا تنتهي بمجرد وصول الديمقراطية. نحتاج الى سنوات عديدة لإعادة اللحمة الاجتماعية.
– “لونوفل ابزفاتور”: هذا الماضي الثقيل، أما زال جاثما على المجتمع في الاوروغواي؟
– كارلوس ليسكانو: المجتمع ينسى بسهولة. من هم في العشرين من العمر لم يعرفوا الديكتاتورية. ومعاصرو الديكتاتورية لا يريدون ان يعرفوا شيئا. كذلك الضحايا أيضا. أعرف ذلك من التجربة. من الصعب جدا التكلّم مع الضحايا. يجب الانتباه الى عدم جرحهم. في السجن قد نشعر بالكراهية موقتا، قد نتمنى أسوأ الاشياء للجلادين. ولكننا لا نستطيع تكريس حياتنا كلها للكراهية، وإلا أفسدنا كل شيء. انه لأمر مدمّر. أعرف أناسا لم يعُد بوسعهم العيش بسبب سموم الثأر (…).
– “لو نوفل أبزرفاتور”: منظمة “التوباماروس” تخلّت عن العمل المسلح عام 1985 واختارت طريق الاقتراع. الرئيس الجديد جوزيه موجيكا الذي تولى مسؤولياته منذ أيام، هو قائد سابق في هذا التنظيم. ما رأيك بهذا الانقلاب للتاريخ؟
– كارلوس ليسكانو: من الزاوية السياسية كان طريقا طويلا؛ ولكن بالنسبة لي شخصيا كان أمرا رائعا. لأن السياسة ليست بالمعاندة بل بتغيير الواقع. من الزاوية الانسانية الرئيس الجديد بذل جهدا هائلا ليتعلم حياة أخرى، ويجد طرقاً أخرى للاندماج في المجتمع. أبلُغُ الآن الستين من العمر، وأهتم بالسياسة منذ أربعين عاما. العديد من الوزراء هم أصدقائي، أعرفهم منذ أربعين عاما. لقد مررنا بكل المراحل. قبل اربعين عاما كنا نعلم بأن علينا الانتظار كثيرا. هناك ثقة عميقة بيننا حيث، طوال هذه المدة، بات كل منا يعرف أين هو الآخر. طبعا، تغيرنا كلنا. والواقع أيضا تغير (…).
المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى