كتابة العربية بالأرقام والحروف اللاتينية “الأرب ايزي ” تسخيف للغة أم تبسيط لها ؟
بيروت – لم تكن اللغة العربية سهلةً في يومٍ من الأيام؛ فهذه اللغة ذات البنى الفعلية المركبة والأصوات الحلقية والمفخمة عندما نقرأها فجأةً بالأحرف اللاتينية يغدو الأمر أكثر تعقيدًا بكثير وسهلاً جدًا في الوقت نفسه ، فثمة نوع من الزهو في وسط بيروت، حيث تتباهى شركة صناعة سجائر بأحد أصنافها على الملصق الإعلاني بالجملة التالية: «Betchouf 7alak fiya». وثمة صورة لامرأة بجانب أخرى ليجاور الجملة ترى نفسها معكوسة على علبة سجائر كبيرة كأنها ترى نفسها في المرآة
إعلان بلغة الارب ايزي كما ظهر في شوارع بيروت
إعلان بلغة الارب ايزي كما ظهر في شوارع بيروت
أما بالنسبة للكلام المكتوب فلا يمكن للسخفِ أن يكون أكبر من ذلك، لأن «Betchouf 7alak fiya» “بتشوف حالك فيا” تعني ترى نفسك فيها. بيد أن القادم من الخارج وحده من يلاحظ هذا السخف، ويبدو أن العرب قادرون على التعرف على أنفسهم من خلال هذا النوع اللاتيني من لغتهم.
الأعداد بدلاً من الحروف
أما ما لا يُطاق في خفة هذه العربية فيكمن في ظهور الأبجدية اللاتينية في مكان الأبجدية العربية. وهي عملية تنجح مثلاً لكتابة «Inschallah» إن شاء الله أو «Salamat» سلامات، لكن الأمر يصبح معقدًا عندما لا يكون هناك حروف لاتينية ترادف الحروف العربية وبخاصةٍ لأن نسبة الحروف الصامتة باللغة العربية كبيرة ومتعددة.
بيد أن عقولاً مبتكرةً وجدت حلولاً في هذا المجال أيضًا، حيث يتم كتابة حرف “ع” بالعدد “3” الذي يشبه حرف العين شكلاً لكنه يعاكسه في الاتجاه. كما يُستبدل حرف الـ”خ” بالعدد “5”، ولكن يمكن أيضًا استخدام العدد “7” بديلاً لحرف الـ”ح” الذي يشبه الخاء شكلاً لكنه لا يشبهه نطقًا. لكن كل من يفقد الإلمام العام بالكتابة على ضوء هذه العثرات سيجد ضالته على صفحة ويكيبيديا التي أعدت لوائح للتصريف ولإيجاد الرديف.
تقول جميلة الشابة السورية ابنة الاثنين وعشرين عامًا أن هذه الموجة اندلعت أصلاً مع الانترنت بشكل أساسي. ولا تستطيع جميلة أن تتذكر متى استخدمت لوحة المفاتيح العربية آخر مرة أثناء استخدامها لسكايب «Skyp» أو تويتر «Twitter» أو عندما كتبت رسالة نصية قصيرة SMS. لأن Arabizi (العربية الميسرة) أكثر أناقة «schicker». بيد أنها بالكاد تعرف ما معنى «easy»، لأن لا معرفتها باللغة الإنجليزية ولا معارف أصدقائها بها في غرف الدردشة على الانترنت تكفي لفهم معنى الكلمة. رغم ذلك لا يقلل هذا الواقع نهائيًا من سعادتها بنقر الأحرف الإنجليزية على لوحة المفاتيح.
عربية جديدة
هذا الأمر يدفع البعض للنظر بأسى إلى الزمن الغابر الذي كانت فيه الأبجدية العربية تتوسع لتُعتمدُ في لغاتٍ أخرى كالفارسية والكردية والتركمانية والصومالية والسواحيلية وبعض اللغات القوقازية والبربريّة. أما القطع الأشد فقد أتى مع مصطفى كمال أتاتورك الذي ألغى الكتابة بالأحرف العربية وأمر على الفور بكتابة التركية بالأحرف اللاتينية.
ولكن المناطق الناطقة بالعربية تعرضت لتأثير بسبب تفضيل قوى الاستعمار لاستخدام الإنجليزية والفرنسية في المقام الأول، وينسحب هذا الأمر على العولمة. أما تبعات ذلك: بالكاد يوجد لبناني يقول جملة عربية كاملة دون أن يُدخِل فيها كلماتٍ من هاتين اللغتين، وبينما نجد على أكياس الحليب في سورية عبارة “ميلك مان” «Milk Man» المكتوبة بأحرف عربية، تتبوأ العربية المرتبة الثالثة بعد الإنجليزية والأُردو الهندية دولة الإمارات العربية المتحدة.
وبينما يُقطب المتشددون من الإسلاميين والقوميين جبينهم إزاء ذلك، لا نجد الباحث نادر سراج عالم اللسانيات اللبناني غير المتأثر بالتيارين المذكورين سعيدًا بتعامل الشباب مع اللغة العربية كـ”مادة امتحان”، فهؤلاء “يدرسونها كما يدرسون الكيمياء، أي لكي يتمكنوا منها في الامتحانات وينسونها بعد ذلك”، بحسب ما يقول نادر سراج.
أفول اللغة العربية؟
ولكي نفهم تشبيه اللغة الأم بالكيمياء تحديدًا لا بدَّ من إلقاء نظرة على مستويات اللغة العربية المتباينة. فالعربية الكلاسيكية التي نشأ صرفها ونحوها في القرن الثامن الميلادي على أساس النصوص القرآنية غير مستعملةٍ اليوم. وقد استُبدلت بالعربية الفصحى التي غدت الحلقة الرّابطة بين جميع العرب بعد إخلائها من الشوائب، لكن ليس في الحياة اليومية التي تتسم باللهجات العامّية المحلّية. وتتباين اللهجات المحلّية من بلد إلى آخر بشكلٍ كبير، وبحيث يتعذر التفاهم بيسرٍ بين من يتكلم اللهجة العراقية ومن يتكلم اللهجة المغربية مثلاً لولا وجود اللغة الفصحى المشتركة بينهما.
ولا يكون للهجات المحلّية المتنوعة أحيانًا سوى صلة ضعيفة باللغة الفصحى وليس لها أبجدية لتُكتب بها. لكن هذا الواقع لا يمنع أحدًا من حفظ لهجته عبر الكتابة. وهذا يُشكِّل خطرًا كبيرًا على اللغة الفصحى الغنية بحسب ما يرى نادر سراج الذي يجد في تراجع المعرفة بالنحو والصرف الكلاسيكيين والتركيز على اللهجات المحلية تراجعًا في مستوى اللغة عمومًا.
إنَّ برامج نسخ كتابة لغة بحروف لغة أخرى والتي تحوِّل الكلمات العربية المكتوبة بالأحرف اللاتينية إلى الأبجدية العربية توثق لهذا الانفصال عن اللغة الأم، فهناك البرنامج «Ta3reeb» “تعريب” الذي أدرجته شركة غوغل في عام 2008، وبرنامج «Maren» “مرن” الذي عرضته شركة مايكروسوفت فرع مصر في حزيران/يونيو الفائت، أو برنامج «Yamli» “يملي” الذي طرحه اللبناني حبيب حداد في الأسواق عام 2007 والذي يتبوأ المرتبة 37981 على لائحة أكثر صفحات الإنترنت المائة ألف تصفحًا في العالم بحسب “مخدِّم ألكسا للمواقع الإلكترونية”، وتبلغ نسبة المستخدمين من المغرب 10.2 في المائة ومن تونس والجزائر 9.4 في المائة، ولكن من ألمانيا أيضًا 6.4 في المائة والولايات المتحدة الأمريكية 5.7 في المائة.
ويُشكِّل التعليم المسألة المفصلية لنادر سراج، فأعداد العرب الذين يتلقون تعليمهم في الخارج أو يدرسون في أوطانهم باللغة الإنجليزية أو الفرنسية يزداد باضطراد. ويقول سراج بهذا الصدد: “لم يتعودوا الضرب على لوحة المفاتيح العربية وإذا فعلوا ذلك يكونون شديدي البطء ويحتاجون لوقت طويل ليجدوا الحرف المطلوب”.
اغتراب عن اللغة أم صون لها؟
بيد أن الباحث في علوم اللسانيات لا يرى في ذلك مؤشرات على نهاية اللغة العربية، فمن الملاحظ أيضًا أنَّ خريجي الجامعات من حملة شهادات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه لا يحيِّون بعضهم البعض بقولهم«How do you do?» الإنجليزية بل بـ«Kifak?» “كيفك؟” (كيف حالك؟) العربية، ويقول نادر سراج: “من هذه الزاوية يحافظون على لغتهم بواسطة أبجدية أجنبية”. يحافظون عليها من التحجُّر بحسب ما تعتقد جميلة في دمشق، وتضيف الشابة التي تعتمر غطاء الرأس مثل معظم الشابات السوريات راغبةً في المواجهة: “في النهاية ألا يُنظر إلى العالم العربي بعين الريبة بسبب العودة إلى الإسلام، لكن لماذا يُطلب منا في نفس الوقت أن نتكلم لغة القرآن إلى الأبد؟
يبدو الأمر بهذا القول حسنًا. لكن يُقال أيضًا إنه يؤثر على مناحٍ ثقافيةٍ متنوعة، فالقرآن المفعم بالقصص والحِكَم يقلُ فهمه ويُترك أمر تفسيره للإسلامويين باضطراد. لكن من شأن ذلك أن يكون ثمنًا باهظًا جدًا للارب ايزي
الخميس 25 مارس 2010
قنطرة