النهضة العربية مشروطة بقراءة علمية متفتحة للإسلام دون إهمال القومية
طيب تيزيني
الجزائر – مصطفي فتحي
استضاف العدد الثامن من سلسلة الندوة التي تنظمها المكتبة الوطنية، هذا الأسبوع، الفيلسوف السوري طيب تيزيني الذي وصفه مدير المكتبة الدكتور أمين الزاوي، في كلمته الترحيبية، بالجامعة وبشيخ الفلسفة الذي أمضي نصف قرن من حياته وهو يكتب في قضايا الفكر والتراث وعلم الاجناس البشرية.
ندوة تيزيني كانت فلسفية بامتياز، حيث طرح اسئلة جادة تدور حول مشروعه الخاص ب “النهضة والتنوير في العالم العربي” وهو جانب من التأسيس لعقلية تنويرية جديدة في العالم العربي.
وشدّد تيزيني علي أنّ البنية العربية حاليا باتت مخترقة لأنه ليس هناك أي جديد يمكن أن يواجه به العرب، إذ لا يملكون إلا الأدوات الرثة والضعف الداخلي ما يفسر تداعي الامم عليهم، وبالتالي فلا عجب، حسبه، أن تسقط بغداد ومعها مدن وعواصم أخري لأنها سقطت بفعل عوامل داخلية.
وربط المفكر السوري النهضة العربية الجديدة بشروط عملية، أولها قراءة متفتحة وعلمية للإسلام، دون إهمال القومية كمفهوم ضروري لكنه بحاجة إلي مراجعة وإصلاح.
طيب تيزيني تأسف لواقع العالم العربي الذي وصفه بالعالم غير السليم نظرا لتفكك النظم العربية داخليا، وبروز معطيات جديدة لا قبل له بها. ووصف واقع النهضة العربية بأنه حطام مفتوح يناقض ما قدمه العلماء، داعيا إلي عدم تصديق مقولة أن البنية التاريخية للعالم مغلقة، بل هي مفتوحة في غياب الفاتح وسيادة السؤال من أين نبدأ.
ورأي أن اشكالية المشروع النهضوي العربي تكمن في أنه عجز عن تقديم اجابات واضحة بشأن الماضي والحاضر، وبات منحصرا في بنية مغلقة رغم أن التاريخ لا يخضع للبني المغلقة.
وانطلق الفيلسوف السوري في محاضرته من كتابه “من التراث إلي الثورة” الصادر 1976، والذي قال بشأنه إنه قديم في محتواه وعميق في جوهره وصارت نظرياته ومصداقيته اليوم منتقصة، بفعل تأثير التحولات العالمية وانهيار المعسكر الاشتراكي ومخلفات حرب الخليج الثانية، وثورة الاتصالات والمعلومات التي أفرزت نظاما عالميا جديدا في مجالات الاقتصاد والاجتماع والثقافة، يسعي إلي ابتلاع البشر وهضمهم بعد وتمثلهم في سلع تحت شعار “القرية الكونية الواحدة” مما نتج عنه تفكك الانساق العالمية.
وبرأيه، فقد تزامن تفكك النظام العالمي مع تفكك النظام العربي الداخلي الذي ظهر في السبعينيات من القرن الماضي مع بروز مرحلة تاريخية جديدة أطلق عليها اسم النفط السياسي الذي تحول الي نقمة نتج عنها تفكيك البنية الاجتماعية والبنيوية واندثار الفئات الوسطي المستنيرة عقليا والمنتج الحقيقي للثقافة العربية، والقادرة علي الحراك الاقتصادي، بعد أن قضت عليها الثروات النفطية والطبقة الاستهلاكية الجديدة.
ويعتقد أنه في الوقت الحالي لم يعد هناك نظام عربي يمكن المراهنة عليه، ووصف هذه الحالة ب”السقوط علي مستوي المؤسسات والأفكار والقيم بما فيها مفهوم السيادة”، الي درجة أن السؤال المطروح حاليا من قبل المثقفين جاء في عبارة درامية تقول “أمازلنا قادرين علي البقاء ضمن الحدود التاريخية”، وهو تساؤل يمس حتي الهوية والحق في الوجود، بينما كان سؤال فترة النهضة العربية الحديثة في القرن ال18 يقول ببساطة “كيف نتقدم كما تقدم الآخر” هو ما يمثل برأيه قمة التأخر والانحطاط.
كما تطرق المحاضر إلي ظاهرة الدولة الامنية في البلاد العربية وما تقترفه في حق الشعوب، التي استولت علي المجتمع وأفسدته، فراحت تسقط حقول ثلاثة هي: المجتمع المدني، المجتمع السياسي وأخيرا المجتمع العام. وأضاف بأنّ عملية انتاج الرهانات من أجل مشروع وطني قومي جديد قد توقفت، لأن الدولة الامنية تصادر كل ما قد يأتي أو قد يكون.