صفحات أخرى

«انـقــلاب دسـتـوري» علـى الحـجـاب … وأردوغـان

null

محمد نور الدين

وجهت المحكمة الدستورية ضربة قوية للاستقرار الذي تشهده تركيا منذ سنوات، ولسلطة حزب العدالة والتنمية الحاكم، عندما رفضت التعديلات الدستورية التي أقرها البرلمان للسماح بارتداء الحجاب في الجامعات، وهو ما يدفع الساحة التركية نحو احتمالات مفتوحة للصراع الداخلي.

ويمكن اعتبار قرار المحكمة الدستورية، بالموافقة على اعتراض حزب الشعب الجمهوري وحزب اليسار الديموقراطي، على تلك التعديلات، بمثابة محطة في مسار انقلابي متعدد المراحل، ينتظر أن يستكمل أهدافه النهائية مع الاحتمال القوي بحظر قضاة المحكمة الدستورية أنفسهم للحزب الحاكم ومنع زعيمه رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان و71 من قادته، بينهم رئيس الجمهورية عبد الله غول، من العمل السياسي لمدة خمس سنوات، والذي يتوقع أن يصدر خلال الأسابيع المقبلة.

ولم تكتف المحكمة الدستورية برفض التعديل الدستوري، الذي حصل في 9 شباط الماضي ووافق عليه رئيس الجمهورية، من حيث الشكل، بل دخلت في أساس الموضوع، عبر تفنيد عدم دستورية التعديل.

وناقش 11 قاضياً طوال سبع ساعات، طلباً تقدمت به المعارضة العلمانية. ورأت المحكمة أن التعديل الدستوري يتعارض مع مضمون المادتين الأولى والثانية، كما المادة ,148 من الدستور التي تنص على عدم جواز تعديل المادتين الأولى والثانية من الدستور، بل حتى منع تقديم اقتراح بذلك. وتنص المادتان على أن الدولة في تركيا ديموقراطية وعلمانية واجتماعية وحقوقية.

وفي هذا الإطار، اعتبرت المحكمة الدستورية أن السماح بارتداء الحجاب يتعارض مع العلمانية المنصوص عليها في الدستور.

وفي أول رد فعل لحزب العدالة والتنمية، اعتبر نائب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب بكير بوزداغ أن «قرار المحكمة الدستورية مخالف للدستور، لأن المحكمة تستطيع النظر من ناحية الشكل فقط لمدى مطابقة التعديل الدستوري لأحكام الدستور، ولا يمكن لها أن تدخل في أساس التعديل ومضمونه، لأن صلاحية تفسير الدستور والمصطلحات الواردة فيه تعود لسلطة المؤسسة، أي للبرلمان، وبالتالي فإن الدستور لا يقول إن الحجاب ممنوع في الدستور وان الخلاف على تفسير مضمون العلمنة، وهو ما ليس من صلاحية المحكمة الدستورية التي منحت نفسها صلاحية التشريع الخاصة بالبرلمان».

من جهته، وصف زعيم المعارضة دينيز بايكال قرار المحكمة بأنه اجتهاد مهم يضع أساسا لمرحلة جديدة. أما حزب الحركة القومية، المشارك في التعديل الدستوري، فقد اعتبر زعيمه دولت باهتشلي أن القرار «سياسي وليس حقوقيا»، لافتا الى انه «يسّرع الانقسامات الاجتماعية ويعمّقها». وقال أحد مسؤولي الحزب إنهم يحترمون قرار المحكمة، لكنهم لا يشاركونها الرأي.

وقال رئيس الأركان التركي الجنرال ياشار بويوك انيت، ردا على سؤال بشأن قرار المحكمة، «إذا كانت تركيا علمانية، ودولة ديموقراطية، يجب على الجميع احترام القرارات (التي تتخذها المحكمة). إن قرار المحكمة واضح».

وفي الواقع فإن الاتحاد الأوروبي، الذي يرفض حظر حزب العدالة والتنمية، كان مشاركاً بل متواطئاً بطريقة واضحة جدا مع قرار المحكمة الدستورية التركية إبطال السماح للحجاب في الجامعات، عندما أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، قبل يوم واحد فقط من قرار المحكمة التركية، قراراً رفضت فيه دعوى من مدرّستين تركيتين منعتا من العمل في عام 2001 لارتدائهما الحجاب، معتبرة أن منعهما من ارتداء الحجاب لا يُعدّ انتهاكا للحريات ولحقوق الإنسان.

وشكّل قرار المحكمة الأوروبية توطئة لقرار المحكمة الدستورية في تركيا الذي وجّه ضربة قاضية:

1ـ للحريات في تركيا، حيث إن ارتداء الحجاب يدخل في نطاق الحريات الشخصية.

2ـ للحريات الدينية، حيث إن الحجاب هو جزء من فروض المسلمة وعلى الجميع احترام هذا الخيار.

3ـ للمساواة بين البشر وبين النساء أنفسهن، حيث إن منع المحجبة من دخول الجامعة يحول دون مساواتها في تحصيل حقها في التعليم مع الطالبة غير المحجبة.

4ـ للعملية الديموقراطية في تركيا، حيث إن التعديل الدستوري هو حق من حقوق البرلمان، ممثل الأمة، ومصدر كل السلطات، ولا حق للمحكمة الدستورية أن تكون في وضع المشرّع والمفسّر للدستور وماذا تعنيه العلمنة.

5ـ لم يحترم القرار إرادة الغالبية الساحقة من ممثلي الأمة، حيث إن التعديل الدستوري نال رقما عاليا في البرلمان بلغ 411 صوتا من أصل .550

6ـ وجّه القرار ضربة ساحقة للاستقرار الاجتماعي، عبر إعادة إثارة الغرائز الاجتماعية وإشعار غالبية المجتمع التركي بأنها مضطهدة من أقلية لا يتعدى تمثيلها الشعبي الـ20 في المئة، وعلى هذا يعيد القرار محاولات حزب العدالة والتنمية إزالة الاحتقان الشعبي إلى نقطة الصفر.

7ـ على الصعيد السياسي، ربما يكون الاحتقان أكبر مع طرح كل الاحتمالات أمام الفئات الإسلامية لتحصيل حقوقها وحقها في أن تكون شريكا في مصير الأمة. وهنا قد يعيد معظم الإسلاميين إثارة القضية المزمنة نفسها، وهي أن العلمانيين المتشددين يضعون الإسلاميين مرة أخرى أمام الحائط المسدود: لقد رفض العلمانيون المتشددون نجم الدين أربكان بحجة انه «متشدد»، والآن لا يقبلون «المعتدل» رجب طيب أردوغان، فماذا سيتركون للغد؟ ألا يفتح ذلك الوضع للمرة الأولى أمام أخطار ظهور حركات دينية متشددة قد تستخدم العنف لتحصيل حقوق طبيعية للمسلمين؟

8ـ يفتح القرار الانتحاري للمحكمة الدستورية أمام إعادة تقزيم تركيا على الصعيدين الإقليمي والدولي. ففي وقت تكبر صورة أنقرة ودورها، على مختلف الأصعدة الخارجية، يأتي القرار بتداعياته الانقسامية والتوتيرية ليشغل تركيا في شؤونها الداخلية، ويقدّم أفضل هدية لمن يريد لها أن تنكفئ على ذاتها وتخرج من المعادلات الإقليمية والدولية.

9ـ إن إلغاء المحكمة الدستورية لقانون السماح بالحجاب في الجامعات بغالبية كبيرة (تسعة من أصوات القضاة في مقابل اثنين فقط هما رئيس المحكمة هاشم كيليتش وساجد أدالي) مؤشر قوي على ما ستنتهي إليه الدعوى المقامة لحظر حزب العدالة والتنمية، خصوصا أن تعديل قانون الحجاب يقع في أساس المطالبة بحظر الحزب، وبالتالي فإن حظر الحزب مسألة وقت، وليس أمام قادته سوى انتظار قرار الإعدام ما داموا قد قرروا الالتزام بالمسار القانوني للقضية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى