فوكوياما في حوار حول “نهاية التاريخ” والشرق الأوسط والديموقراطية: الصراع مع إسرائيل أعاق الديموقراطية في الشرق الأوسط العربي
حاوره: رضوان زيادة
يعد فرنسيس فوكوياما أحد أشهر المفكرين الأميركيين خارج الولايات المتحدة، سيما يعد صدور كتابه الشهير “نهاية التاريخ والإنسان الأخير” وما زالت أفكاره وكتاباته تثير نقاشاً وجدلاً حتى الوقت الحالي خاصة بعد حرب العراق الذي أيدها في البداية ثم عاد لينتقد طريقة أداء الإدارة الأميركية لمرحلة ما بعد الحرب.
أنهى فوكوياما كتابه الأخير عن التنمية السياسية ودور القانون والذي يتألف من ثلاثة أجزاء يبدأ من تاريخ اكتشاف الإنسان للسياسة وحتى الوقت الحالي مروراً بالحضارات التي مرت على التاريخ الإنساني وكيف تطور مفهوم القانون لديها بما فيها الحضارة الإسلامية، وقد ألقى عدة محاضرات في جامعة جونز هوبكنز عن كتابه هذا، فكانت مناسبة كي ألتقي به ونثير نقاشاً موسعاً حول الشرق الأوسط والدمقرطة في مكتبه في الجامعة نفسها، فيما يلي مقاطع من حوار مطول سينشر كجزء من كتاب حواري جرى بيني وبين فوكوياما سينشر قريباً .أود أن أشكر هنا جيفري كينغ الذي قام بتفريغ الحوار وساعد على تحرير النص.
[ عندما نشرت كتابك “الإنسان الأخير ونهاية التاريخ”، من أي بقعة من العالم ووجهت بالنقد الأكثر حدة ؟ولماذا برأيك؟
ـ حسناً، من الصعب تحديد هذا الأمر، فقد وُجِّهت لي انتقادات مختلفة من مناطق مختلفة من العالم، ولست متأكداً أياً منها كان الأهم. أعني أنه في الغرب كان هناك الكثير من الشكوك حتى وإن كان الغرب يعتبر جزءاً ديمقراطياً من العالم حول ما إذا كانت الديمقراطية متوطِّدة حقاً أم أنها ستنتشر؟، أو أنها نوع من فقدان الإيمان بالمبادئ الخاصة بالغرب. وقد أتى الدعم الأقوى الذي حصلت من مناطق العالم التي تحولت إلى الديمقراطية مؤخراً، مثل شرق أوروبا أو آسيا، أماكن مثل تايوان، أو كوريا الجنوبية، وجنوب أفريقيا، حيث أعتقد أن الناس لديهم إحساس شديد بما يعنيه العيش في مجتمع ديكتاتوري أو فاشستي، وبالتالي كان هناك تقدير أكبر لفكرة الديمقراطية. أما في الشرق الأوسط، فقد كان هناك ثبات على المبدأ… حيث أن كلمة “الديمقراطية” لا تحمل الدلالات الإيجابية نفسها هناك، خاصة منذ تسلم إدارة بوش، ولكن حتى سابقاً في التسعينيات، لم يكن لها الدلالات الإيجابية ذاتها التي كانت لدى الأوكرانيين أو البولنديين على سبيل المثال، ولذلك كان هناك نوعٌ مختلف من الانتقادات حيث يريد الناس شيئاً ما يشبه الديمقراطية، ولكن يجب أيضاً أن يختلف عما هو موجود لدينا في الغرب في نواح كثيرة.
واحدة
[ ظهر كتابك “نهاية التاريخ” في العام نفسه الذي ظهر فيه كتاب صموئيل هنتنغتون “صراع الحضارات”. وقد تلقى معظم الباحثين في منطقة الشرق الأوسط النظريتيين صراع الحضارات ونهاية التاريخ كنظرية واحدة، وهي بمثابة إعلان لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة، ما رأيك في ذلك؟
ـ حسناً، ذلك خاطئ بشكل كلي. إن هاتين النظريتين متعاكستان تماماً، بمعنى وكما قلت إن نظرية “نهاية التاريخ” تعبر عن حقيقة أن هناك بالفعل قيماً عالمية وثقافة لا تحدِّد من نكون.
[ وماذا عن المشاعر القومية؟ معظم بلدان الشرق الأوسط تستخدم المشاعر القومية كدعامة للحكم السلطوي.
ـ حسناً، إن الأمر معقد، لأنني أعتقد أن قدراً من الشعور الوطني هو أمر ضروري في كل بلد، وذلك لأن البلدان يجب أن يكون لديها نوع من الثقافة المشتركة وبعض أسس الوحدة، وإلا فإنها ستكون مجرد مجموعة من الجماعات العرقية المختلفة أو القبائل أو غير ذلك. ولكنني أعتقد بأنه يمكنك إساءة استخدام النزعة القومية بطرق ما لتبرير الحكم السلطوي ، وأعتقد أن هذا الأمر قد حصل كثيراً. ومرة أخرى، يعود هذا أيضاً للصراع العربي الإسرائيلي، حيث من السهل جداً إثارة النقمة وهذا الأمر مفهوم تماماً لصالح الفلسطينيين، الأمر الذي يخدم تبرير الحكم السلطوي مرة أخرى.
الديموقراطية والتاريخ السياسي المعاصر
[ خلال الموجة الثالثة من الدمقرطة وهو الوقت نفسه الذي أعلنت فيه عن “نهاية التاريخ” كانت العولمة تتخلق في الغرب وأميركا اللاتينية وشرق أوروبا، بينما في الشرق الأوسط حدثت حرب الخليج . في الوقت نفسه الذي بدأ فيه الغرب بعملية العولمة بما تعنيه من إتاحة فرص لا نهاية لها من التطور البشري والتقدم، كانت منطقة جنوب البحر الأبيض المتوسط تخوض حرباً إقليمية وكان الغرب محتاجاً لدعم الحكومات الديكتاتورية من أجل احتواء العراق وإيران .
ـ حسناً، أعتقد أن هناك اثنتين من الخصائص المميزة التي أعاقت الديمقراطية خاصة في الشرق الأوسط العربي؛ الأولى هي وجود النفط، والثانية الصراع مع إسرائيل، وبطرق مختلفة، أعتقد أن كلاً من هاتين الخاصتين.. فإذا ما استطعنا بطريقة ما تصوُّر العالم دون أي منهما، أعتقد أن مسار التطور السياسي العربي ربما سيكون أكثر اختلافاً، لأنني أعتقد بأن النفط بقدر ما هو نقمة قد يكون نعمة؛ فإذا ما نظرنا إلى الطريقة التي نشأت بها الديمقراطية في أوروبا، حيث كانت نتيجة لمقاومة السكان لفرض ضرائب من قبل الحكام السلطويين، ورغبة الناس بأن يكون لهم كلمة مسموعة في الحكومة، ولأنهم لا يريدون دفع ضرائب عندما لا يكون لهم رأي في الوجهة التي تذهب لها عائدات الضرائب تلك.
ففي حال كان لديك اقتصاد نفطي، فإنك لست بحاجة لأن تفرض الضرائب على أي أحد. أنت تقدم لهم المال فقط، وهم لا يطالبونك بالمسؤولية، ويمكنك أن تشتري دعمهم ببساطة بتقديم إعانات مالية لهم. وحتى إن لم يكن هناك نفط في الدولة، فإن الأمر ما زال فاسداًَ كما أعتقد، لأن هناك الكثير من الأموال في المنطقة التي يمكن أن تأتي عبر الحدود، وهذا يعني أن حاجة الدولة لأن تكون مسؤولة عن مواطنيها ستضعف. أعتقد أن الصراع مع إسرائيل ليس مصدر المشاكل في المنطقة، إلا أنه بالتأكيد قد وفر ذريعة جيدة للقادة السلطويين لتجنب المواجهة الفعلية للعديد من المشاكل التي تواجههم، إذ إنه من السهل أن نرمي مسؤولية فشل كل شيء على ذلك الصراع، وبالتالي عدم إيجاد الحل الفعلي لمشاكل التنمية الاقتصادية، والمشاركة السياسية، وهلم جرا.
[ إذا عدنا ثانية لمرحلة التسعينيات، عندما أعلن جورج بوش الأب النظام العالمي الجديد، رأى العالم العربي أن هذا الأمر ضد مصالحه، لأنه في الوقت الذي كان فيه هناك الكثير من التغيرات في العالم، ترسخ الاستقرار السلطوي في المنطقة. كيف تفسر هذه التغيرات في جميع أنحاء العالم والاستقرار الديكتاتوري في المنطقة؟
ـ حسناً، أعتقد أنني استبعدت عنصراً ثالثاً هاماً من ذلك والذي يتمثل بطريقة الولايات المتحدة في معالجة أمور الشرق الأوسط في سياستها الخارجية، ومرة أخرى فإن الأمر يرتبط بإسرائيل والنفط، وذلك لأننا حصلنا على هاتين المصلحتين الهامتين كنتيجة. ففي أميركا اللاتينية، ربما يسعدنا أن نشهد حدوث ثورة ديمقراطية لأننا لا نشعر بأننا حصلنا على هذه المنفعة الإستراتيجية الكبيرة، الأمر الذي يحدث في تشيلي أو شيء من هذا القبيل، ولكن لسوء الحظ، فإن ذلك يحدث في الخليج العربي، وهذا هو السبب باعتقادي الذي جعل جورج بوش الأب يتدخل لصالح الكويت في الوقت الذي لم يكن مهتماً أبداً بالديمقراطية في الكويت أو في أي جزء من الخليج العربي، وهذا لأنه لدينا مصلحة بالحصول على النفط والاستقرار. وفي هذا الصدد، أعتقد أن هناك شيئاً من الصحة فيما قالته كونداليزا رايس رغم أنها لا تحظى بشعبية كبيرة في الشرق الأوسط بأن هذا التقليد بإسناد مصلحتنا وسياستنا على الحكومات الديكتاتورية العربية لم يكن أمراً صحياً على المدى الطويل.
[ وهل ترى أن هناك فرقاً في الاستبدادية في الشرق الأوسط والسلطوية في الشرق الأقصى من آسيا أو أوروبا الشرقية؟
ـ حسناً، دعنا نبدأ بشرق آسيا. أعتقد أن الفرق الوحيد الكبير في الاستبداد في شرق آسيا تكمن في أن الحكام السلطويين كانوا أكثر توجهاً نحو التنمية الحقيقية من أولئك الحكام السلطويين في الشرق الأوسط. وهذا يعني أنهم قاموا بتدريب مجتمعاتهم لإعادة استثمار الأموال؛ إذ وضعوا الكثير من الأموال في عملية التعليم حتى يمتلك شعبهم المهارات المناسبة لنوع من القدرة التنافسية الاقتصادية. ورغم أن هناك الكثير من الفساد في شرق آسيا، إلا أنني أعتقد أن هناك أشخاصاً مثل لي كوان يو Lee Kuan Yew، الذي لم يكن هدفه الأساسي في الحياة إثراء نفسه، بل ليفعل شيئاً للمجتمع بالفعل، وبالتالي فإنني أعتقد أن هناك فرقاً مهماً في نوعية الحكام السلطويين.
[ دائماً، هناك نقاش دائر حول العلمانية في الشرق الأوسط. ولسوء الحظ، فإن معظم المثقفين قد تلقوا النسخة الفرنسية من العلمانية، والتي تحمل فصلاً عميقاً بين الكنيسة والدولة، حتى أنهم لا يستطيعون تعليم أبنائهم شيئاً حول الدين، وليس لديهم علمانية الولايات المتحدة أو كندا. كيف تفسر الفرق بين العلمانية في فرنسا والولايات المتحدة؟
ـ حسناً، أعتقد أنه في الولايات المتحدة وكندا، وبريطانية، والكثير من الدول الناطقة باللغة الإنكليزية، لم يكن هناك خلاف كبير بين الكنيسة الكاثوليكية أو الكنيسة القائمة والأجزاء الحديثة من المجتمع، ولذلك فهم أكثر تسامحاً بشأن الدين كما أعتقد. وحتى في التقاليد الأميركية، فإن الحكومة ليست عدائية تجاه الدين، وهي محايدة بالمجمل. إن الحكومة لا تستطيع اصطفاء دين على حساب آخر، لكن معظم القادة السياسيين الأميركيين كانوا سعداء جداً بأن يكون الناس متدينين، وأن يكون لهم حرية التعبير عن آرائهم. في حين أعتقد بأنه بسبب تاريخ معارضة الكنيسة الكاثوليكية للثورة الفرنسية، اعتقد العلمانيون الفرنسيون أن الدين هو عدو من نوع ما للديمقراطية، ولذلك كان لا بد من السيطرة عليه، وكان لابد للدولة أن تلعب دوراً كبيراً في إبقاء الدين تحت هذه الرقابة المشددة. وأعتقد أن هذا هو النموذج الذي تشرَّبه “الكماليون” في تركيا. وهكذا لم تكن العلمانية متسامحة بشكل خاص اتجاه الدين، بل كان الدين يمثل عدواً للتقدم وهلم جرا. وأعتقد أن الولايات المتحدة بيَّنت بأنه من الممكن أن يكون هناك ديمقراطية ناجحة تماماً، مع أشخاص متدينين حقاً.
[ ولكن من المثير أن تربط ذلك بالكنيسة الكاثوليكية وليس بتاريخ الولايات المتحدة، كأمة من المهاجرين. أعتقد أن فرنسا كان لها التقليد الكاثوليكي نفسه في ذلك الوقت؟
ـ حسناً، لا. ولكن الذي كان في فرنسا رغم ذلك هو ثورة، عارضت فيها الكنيسة الكاثوليكية الديمقراطية. ولذا أعتقد أن جزءاً من معارضة الدين بحد ذاته في فرنسا كانت بسبب أن الأشخاص المؤيدين للثورة رأوا أن الكنيسة كانت عدواً فاعلاً للتقدم. ولذلك أعتقد أن الأمر يرتبط بشكل أقل بالمهاجرين، وبشكل أكبر تماماً بتاريخ الطريقة التي كان يتعامل بها مع الدين… وبكلمات أخرى، في البلدان التي كان فيها الدين عاملاً سياسياً فاعلاً وقوياً في الماضي، فإنك تميل للحصول على حركات رجعية في الجانب اليساري تكون معادية جداً للدين. ففي أميركا اللاتينية، على سبيل المثال، حيث الكنيسة الكاثوليكية فعالة جداً، غالباً ما تأخذ المعارضة شكل الأحزاب الماركسية أو الشيوعية، والتي هي معادية جداً للدين، وهكذا دواليك…
سياسة الولايات المتحدة الخارجية
في الشرق الأوسط :
[ يجمع الباحثون في الشرق الأوسط بأن للولايات المتحدة ثلاث مصالح في المنطقة؛ المصلحة الأولى هي الاستقرار، والثانية النفط، والثالثة أمن إسرائيل. هل تعتقد أن شيئاً ما تغير في عهد بوش، وأنه عاد الآن في عهد أوباما إلى سابق عهده؟
ـ حسناً، أنا لا أعتقد أنه تغير كثيراً في عهد بوش لأنهم تراجعوا عن خطاب القاهرة الذي ألقته كونداليزا رايس بسرعة كبيرة في أعقاب انتخاب حماس في غزة والإخوان المسلمين في مصر، ورغم أنهم زادوا من مستويات تمويل مبادرة الشراكة الشرق أوسطية وغيرها من البرامج، إلا أنني أعتقد بأنهم تخلوا عن هذه الفكرة بأنهم سيدفعون مبارك بشكل قاس جداً أو أي أحد آخر في المنطقة. ولذلك، فإنني لا أعتقد بأنهم قد غيروا سياستهم، ولا أعتقد أن أوباما سيقوم بتغيير كبير في السياسة أيضاً.
[ في كتابك “أميركا على مفترق الطرق: الديمقراطية، السلطة وميراث المحافظين الجدد”، قمت بتعريف الإسلامويين بأنهم الإسلاميون المتشددون أو الجهاديون، وقد استخدمت هذه الكلمة. لقد قلت أن الجهاد أصبح يشكل تهديداً للولايات المتحدة. أي نوع من التهديد؟ هل هو تهديد لمصالح الولايات المتحدة؟ تهديد لقيم الولايات المتحدة؟
ـ حسناً. أحد الأمور التي كنت أناقشها في ذلك الكتاب كانت أننا بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر قد بالغنا إلى حد كبير كما أعتقد بتقدير كم كان التهديد كبيراً. وبرأيي أن تلك المبالغة كانت معقولة، لأنه بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر كان الناس يقولون لبعضهم البعض: “حسناً، إن كان هؤلاء الناس الذين شنوا الهجوم على مركز التجارة العالمي قد فعلوا ذلك باستخدام الطائرات، فماذا إذا كانت لديهم أسلحة نووية، ألم يكن الأجدر بهم استخدام الأسلحة النووية طالما أنهم مستعدون لتفجير أنفسهم”. لذا أعتقد أن الأميركيين قد أخافوا أنفسهم حقاً فيما يتعلق بما يمكن أن يحدث بسبب وجود مجموعة صغيرة من المتعصبين. ولكنني أعتقد في النهاية أنه من الصعب الحصول على أسلحة نووية، وأعتقد بأن قدرة هذه المجموعات على التنظيم الفعلي لإحداث أضرار خطيرة جدية محدودة، وبالتالي فإنني أعتقد بأننا أفرطنا في ذكر ذلك الأمر. وبعد ذلك، ونتيجة للمبالغة في ردود الفعل، جعلنا من التهديد أسوأ لأننا حفزنا الكثير من الجهاديين على الالتزام بسبب غزو كل من أفغانستان، وبشكل خاص العراق، الأمر الذي أعتقد أنه كان له ذلك التأثير.
[ لكنك بعد عام 2001 والحرب على أفغانستان، وقعت على رسالة الحرب العادلة التي أيدت فيها الحرب على أفغانستان ثم دعمت الحرب على العراق …
ـ أجل. إن معارضتي للحرب لم تكن في الحقيقة تستند إلى معارضة أخلاقية. إنني أعتقد أننا لو استطعنا التخلص من صدام حسين بشكل سريع وبإصابات قليلة نسبياً، ولو كان الوضع بعد الحرب سلمياً، ولو قمنا بالانتقال إلى نظام ديمقراطي مستقر جداً في العراق، ولو لم يكن لدينا عصيان، ولو أن الولايات المتحدة قامت بالاستعداد بشكل أفضل لمعالجة ما حصل في العراق، عندها أجل، لن يكون لدي أي اعتراض بحد ذاته على استخدام القوة للتخلص من شخص مثل صدام حسين. ولكن أعتقد أنه لاحقاً ، أعني أنه في الواقع كان لدي الكثير من الشكوك قبل حدوث الحرب نفسها، ولكني أعتقد أن معظمها كانت تتعلق فيما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة للتعامل مع كافة عواقب إطلاق هذا الغزو. وكلما كنا نقترب من الحرب أكثر فأكثر، كان يبدو لي أننا لم نكن على استعداد للقيام بذلك. وقد قدمت إدارة بوش الحجة بأننا قادرون على فعل ذلك ببساطة شديدة وبأن الأمر سيتم بسرعة، وكان رأيي تماماً أنهم مخطئون في ذلك.
[ لماذا تعتقد أن الولايات المتحدة قد فشلت في إدارة فترة ما بعد الحرب، مقابل نجاحها في إدارة فترة ما بعد الحرب في اليابان وألمانيا؟
ـ حسناً. يعود السبب لأشياء عدة، وأعتقد أنه كان فشلاً في تقدير مدى صعوبة هذا النوع من التدخلات، كما أعتقد أنه كان هناك قدر معين من الغطرسة بأنهم كانوا على علم بما يفعلون، ويعرفون ما المتوقع في حال حدوث هذا، وبأنهم قد أسندوا توقعاتهم بالنسبة للعراق على ما حدث في شرق أوروبا عام 1989 بأنك ما إن تتخلص من الديكتاتور ستحصل فجأة على هذا التأييد الكاسح لديمقراطية النمط الغربي، وبالتالي فإنني أعتقد أنهم كانوا ضحية لامتلاكهم هذه الأفكار الواضحة حول ما كان عليه العالم، والتي لم تكن في الحقيقة مطابقة للواقع.
[ إذا ما عدنا للجنرال ماك آرثر في اليابان الذي كان لديه فكرة واضحة حول نزع السلاح ومن ثم التحول إلى الديمقراطية (الدمقرطة)، وهما المستويان أو الدعامتان اللتان قامت عليهما فترة ما بعد الحرب في اليابان. لماذا لم يكن للولايات المتحدة الرؤية الإبداعية نفسها بعد العراق؟
ـ حسناً. أعتقد أن الولايات المتحدة عندما احتلت اليابان قد افترضت، وإلى حد بعيد، أنها ستبقى هناك لفترة طويلة وبأن لديها قوة هائلة، وكان هذا في نهاية حرب طويلة ومكلفة جداً بالنسبة للطرفين. وعلاوة على ذلك، فقد كان الدافع الأساسي لغزو اليابان سبباً استراتيجياً شديد الوضوح؛ فالولايات المتحدة لم تقم بغزو اليابان لجعله ديمقراطياً، بل في الواقع للتأكد من أنه لن يشكل تهديداً على آسيا بعد الآن. أما في العراق، فلا أعتقد أن أحداً في الواقع… وقبل كل شيء، وعلى الرغم من كافة التبريرات بوجود أسلحة الدمار الشامل، لا أعتقد بأن العراق كان يشكل تهديداً مباشراً حقيقياً للولايات المتحدة، ولم يكن قضية حياة أو موت بالنسبة لها، وأعتقد أن إدارة بوش أرادت أن تنجز كل شيء ممكن وبأقل الخسائر، حتى أنهم لم يخبروا الشعب الأميركي أبداً بأنه من الممكن لتلك الورطة أن تكون طويلة أو مكلفة، وبأن مئات الآلاف من القوات ستبقى في المكان، وهكذا دواليك.
السبب
[ ولكن في رأيك، ما هو السبب الرئيسي للحرب في العراق؟ هناك الكثير من الجدل حول النفط، وحول الدوافع الأيديولوجية.
ـ هناك أناس ممن لديهم نظريات المؤامرة المختلفة تلك. فعلى سبيل المثال، دعنا نأخذ النفط فقط، فإذا كنت تقصد بأن الدافع كان النفط، بمعنى أن الولايات المتحدة أرادت مدخلاً حراً لسوق النفط في الشرق الأوسط لا يتعرض للتهديد من قبل أشخاص مثل صدام حسين، فيمكن القول نعم بأنه كان دافعاً واضحاً. ولكن إذا كنت تعني بأن النفط كان الدافع بمعنى أننا أردنا الاستيلاء على نفط العراق واستخدامه فقط لمصلحة الأميركيين واستغلاله فقط من قبل شركات أميركية، فإنني لا أعتقد بأن هذا كان الدافع على الإطلاق، لأنه في الواقع إذا أردت الحصول على نفط العراق وكان هذا هو هدفك الوحيد….
[ لديكم نفط آخر في الخليج…
ـ حسناً. ليس ذلك فحسب، ولكنك كنت تستطيع الحصول عليه عن طريق صدام حسين، فلو أننا رفعنا العقوبات وقلنا “حسناً، سنقوم بالاستثمار في العراق تحت حكم صدام حسين”، فإنه كان ليكون سعيداً بأن يبيعنا النفط بالكمية التي نرغبها، وبالتالي فإنني لا أعتقد بأن تلك كانت هي المسألة. وأعتقد بأن الدوافع الحقيقية كانت تلك التي ذكروها، لذلك وقبل كل شيء كان اعتقادهم بأن هناك أسلحة دمار شامل، والتي تبين لاحقاً بأنهم مخطئون بوجودها، ولا أعتقد بأنهم كانوا يكذبون عندما قالوا أنهم يعتقدون بوجود الأسلحة إلا أنهم كانوا مخطئين بشأن ذلك. ومن ثم اعتقد البعض منهم بأن هناك ارتباطاً من نوع ما بين الجهاديين والعراق، والسبب الثالث والأخير كان الديمقراطية ولكنه لم يكن السبب الرئيسي، بل كان السبب الثالث ضمن ثلاثة أسباب برأيي.
[ هل تعتقد بأن فشل الولايات المتحدة في فترة ما بعد الحرب يعود لعدم فهم المنطقة والقراءة الخاطئة للثقافة؟
ـ أجل أعتقد ذلك. فكما قلت، فإني أعتقد أنه كان هناك تشابه مرغوب بين ما حدث في أوروبا الشرقية وما سيحدث في العراق بأنه سيكون مثل سقوط القياصرة Ceausescuns في رومانيا، إذ كان هناك ديكتاتور أو اثنان مكروهين من قبل شعبهما وتمت الإطاحة بهما، ومن ثم كان هناك إجماع حول التحول إلى الديمقراطية. وأعتقد بأن صدام حسين كان مكروهاً بالتأكيد، ولكن لديكم هذا البعد الاثني الشامل في العراق والذي لم يكن موجوداً في رومانيا. وقد كان الجزء السني من العراق يشكل دعماً للنظام البعثي إلى حد كبير، وفي الواقع ليس هناك شيء مشابه لما كان في رومانيا أو أي مكان آخر من أوروبا الشرقية. وأعتقد بأنكم في البلدان العربية تمتلكون كل مشاعر الاستياء والريبة، والتي أصبحت إرثاً بدأَ مع الاستعمار، ليشمل النزاع الفلسطيني والكثير من الأمور الأخرى التي لم تكن موجودة بالفعل في شرق أوروبا. وأعتقد بأن الفشل في الاعتراف بأن جميع هذه الأمور ستجعل من العراق مختلفاً جداً عن أوروبا الشرقية كان مشكلة في فهم الولايات المتحدة لما لديها ولما تقوم به.
المستقبل