صفحات أخرى

بعد 50 عاما على وفاته منتحرا: صدور الترجمة العربية لـ’المجموعة القصصية الكاملة لهمنغواي’

ناجي ظاهر
اصدر المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب في دولة الكويت، ضمن سلسلة كتبه الشهيرة’ ابداعات عالمية’ التي تصدر مرة كل شهرين، الترجمة العربية للمجموعة القصصية الكاملة للكاتب الامريكي ارنست همنغواي، وذلك بعد خمسين عاما على وفاته منتحرا.
قام بالترجمة ونفذها بتكليف خاص من المجلس الدكتور موسى الحالول- من مواليد سورية عام 1965وراجعها الدكتور اسماعيل صافية- من مواليد سورية ايضا عام 1961. هذه الترجمة استغرقت سنتين ونصف السنة من العمل المكثف، وسوف تصدر في ثلاثة اجزاء، علما ان ما صدر منها هو الجزء الاول.
تاتي اهمية هذه الترجمة كما يقول مترجمها، من انها هي الترجمة الاولى الكاملة للاثار القصصية التي ابدعها الكاتب الامريكي ارنست همنغواي، علما ان القارئ العربي تعرف اليه من رواياته خاصة ‘الشيخ والبحر’ التي بيع منها حين صدورها عام 1952 مليوني نسخة خلال يومين من صدورها الاول، اما فيما يتعلق بالاعمال القصصية لهمنغواي، فان المترجم الحالول يقول انه تبين له ان ما ترجم منها للعربية لا يتجاوز نصفها، اضف الى هذا ان ترجمة اعمال اي كاتب لاي من اللغات انما ياتي لعدد من الاسباب منها ان الترجمة قد تنفذ من الاسواق، وربما تتغير اللغة المترجم اليها وتتطور، ومنها ان تعدد الترجمات قد يرضي الاذواق المختلفة.
يعزو المترجم عدم ترجمة الاعمال القصصية الكاملة لهمنجوي للغة العربية في السابق، لعدد من الاسباب منها ان همنغواي طعّم اعماله هذه بتعابير من اربع لغات اضافية اخرى هي: الفرنسية، الاسبانية، الايطالية والالمانية، ما يزيد في صعوبة ترجمتها، اضف الى هذا ان هناك سببا اخر يجعل من ترجمة قصص همنغواي للعربية مهمة صعبة، يتمثل في تلك الخصوصية الثقافية لبعض قصصه، ويقدم المترجم نموذجا لهذه الخصوصية من قصة تحكي عن صيد الاسماك، ويضيف قائلا: انه قد يتبادر الى ذهنك للوهلة الاولى ان تلك قصة سخيفة وخالية من اي مضمون، غير ان القراءة الثانية، تكشف لك ان رحلة الصيد هذه لم تكن سوى اطار قصصي اراد همنغواي عبره، ان يلمح الى جرح عميق الغور لدى بطله، كما اراد من خلاله ان يمجد العمل الانساني والمثابرة في تحقيق الذات والاصرار على الحياة، فابطال همنغواي عموما يعانون جراحا عميقة يحاولون نسيانها او تجاوزها عبر الانخراط اما في صيد الاسماك او الحيوانات البرية او مصارعة الثيران او في التزلج على الجليد او في سواها من الانشطة الاخرى، ويضيف المترجم قائلا، الا ان الاسلوب المعمى المجرد من كل تفاصيل او تزويق هو المسؤول عن اي سوء فهم قد يحصل، ويسمي همنغواي هذا الاسلوب ‘مبدأ جبل الجليد’، اذ ان همنغواي تعلم من جرترود شتاين ان يترك شخوصه يعيشون حياتهم ولا يقول عنهم شيئا، بل يجعل افعالهم هي ما يشير لدواخلهم، كما تعلـّم من الشاعر الامريكي ازرا باوند الذي كان يراجع له مخطوطاته، ان يجعل اسلوبه اكثر بساطة ويحذف الكلمات الطنانة، وقد شرح همنغواي نظريته هذه بتشبيه الكتابة الادبية بجبل الجليد يظهر ثُمنه فوق سطح الماء، بينما تبقى سبعة اثمان مغمورة تحته، بمعنى اخر، يستطيع الكاتب، خاصة من يمتلك معرفة كافية بموضوعه، ان يحذف بعض الامور، ويستطيع قارئه ان يدركها، كما لو ان صاحبها /الكاتب صرح بها.
ولد الكاتب الامريكي ارنست مـِلر همنغواي في اوك بارك احدى ضواحي شيكاغو في ولاية الينوي عام 1899، لاب يعمل طبيبا وام تعمل معلمة للموسيقى. نشر اولى قصصه في صحيفة المدرسة وهو لما يزل على مقاعد الدراسة. عمل مراسلا حربيا في الحرب العالمية الاولى، وتزوج عددا من المرات. من ابرز رواياته: ستشرق الشمس ايضا، وداعا للسلاح، لمن تقرع الاجراس، ومضت عشرة اعوام بعد صدور روايته الاخيرة هذه، قبل ان ينشر روايته’ عبر النهر وبين الاشجار’، (1950 )، غير ان هذه الرواية وكاتبها، تعرضا لهجمة عنيفة من بعض النقاد، تركت جرحا عميقا في نفس همنغواي، فقرر ان يرد الصاع صاعين الى منتقديه، واصدر في عام 1952 روايته ذائعة الصيت’ الشيخ والبحر’، فلاقت ما لاقته من نجاح تجاري كما سلف ضمن اشارة سابقة، ولاقت هذه الرواية التقبل من عدد وفير من النقاد، ما ارضى صاحبها ، وحصل همنغواي لقاء هذه الرواية على جائزة ‘بوليتسر’ وهي ارفع جائزة امريكية، كما منحته الاكاديمية الامريكية للاداب ميدالية الاستحقاق للرواية، وحصل عام 1954 على جائزة نوبل للاداب لاتقانه فن السرد، الذي برهن عليه في روايته هذه، وللتأثير الذي مارسه في الاسلوب المعاصر، كما ورد في قرار لجنة منح جائزة نوبل.
تروي ‘الشيخ والبحر’، حكاية صياد كوبي مسن يدعى سانتياجو، يظل اربعا وثمانين يوما دون ان يتمكن فيها من اصطياد سمكة واحدة، مما يجعله هدفا لسخرية زملائه الصيادين او شفقتهم، في افضل الاحوال، بيد انه لا يستسلم، وتعلق صنارته في اليوم الخامس والثمانين بسمكة هائلة، ويبقى يصارعها طوال يومين قبل ان يتمكن من قطرها الى الشاطئ، غير ان اسماك القرش تروح تنهش بها حتى انها لا تبقي منها سوى هيكلها العظمي، ومع هذا يسمو الصياد العجوز سانتياجو بنفسه عن نظرات الياس ونظرات المشفقين. كما هو واضح من هذا فان هذه الراوية تحمل دلالات رمزية اراد همنغواي على ما يبدو، ان يرد عبرها على منتقديه، فشبههم باسماك القرش، ليؤكد لهم انه لم يعجز عن الابداع تماما وانه لن تخور له عزيمة رغم ما حاق به من نكسات.
تعرض همنغواي في اخريات ايامه لعدد من الحوادث الجسام منها اصابته بجراح وحروق بالغة في تحطم طائرتين في حادثين متتاليين، وراحت الامراض تنهش جسمه القوي، فاصبح فريسة للاكتئاب، ما زاد في تعطشه للمشروبات الكحولية، وادخل همنغواي في ايلول من عام 1960 الى مصحة ‘كتشم’ في ولاية ايداهو الامريكية، للعلاج من ضغط الدم المرتفع ومن امراض الكبد، وكان يعالج بالصدمات الكهربائية، ما ادى الى فقدان كبير في ذاكرته، وراح يفقد الكثير من وزنه حتى بدا هزاله مخيفا. حاول همنغواي ان ينتحر في ربيع 1961، فاخضع للعلاج بالصدمات الكهربائية مرة اخرى، غير انه تمكن في صباح الثاني من تموز، من العام ذاته، من قتل نفسه ببندقية صيده المفضلة.
كاتب من فلسطين
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى