صفحات أخرى

زيارة منازل نزار قباني وأسمهان على رأس أجندة السياح في سورية

دمشق: هشام عدرة
بيوت بعضها كبير واسع وبعضها الآخر قصور بنيت على طراز العمارة الشامية التقليدية… بعضها تحول ومنذ سنوات إلى أماكن ثقافية وسياحية وبعضها ينتظر الترميم والتوظيف الثقافي والسياحي، ومع ذلك فهي تستقطب السائحين والزوار بشكل دائم من خلال المجموعات السياحية التي تطلب زيارتها في أجندتها أثناء زيارة سورية أو بشكل فردي للاطلاع على عمارة وتاريخ هذه البيوت والقصور… إنها بيوت وقصور المشاهير من أهل السياسة والفن والأدب والمجتمع في دمشق والمدن السورية الأخرى، التي مازالت قائمة كما هي ولكن ومن خلال استملاكها من قبل وزارة السياحة أو الثقافة السورية واستثمارها لأغراض عامة أو من قيام أحفاد بعض هؤلاء المشاهير بفتح منازل أجدادهم أمام السياح، فإن معظم هذه البيوت صارت مزارات سياحية يؤمها السياح وحتى المثقفين والباحثين عن مكان يجتمعون به في مناسبات معينة، حيث يجدون فيها ضالتهم، وهذا بالفعل ما حصل قبل أسابيع قليلة، وتحديدا أواخر شهر مارس (آذار) الماضي عندما اجتمع عشاق ورواد وفنانو المسرح السوري في منزل مؤسس المسرح السوري (أبو خليل القباني) في منطقة كيوان غربي العاصمة دمشق وأحيوا هناك احتفالية يوم المسرح العالمي في 27 مارس، ولفتت خطوتهم تلك الأنظار إلى ضرورة الإسراع بتحويل منزل القباني إلى متحف ومسرح ومكان ثقافي وسياحي، حيث كانت وزارة السياحة السورية قد استملكته قبل خمس سنوات وأعدت مشروعا لتوظيفه سياحيا من خلال ترميمه وإصلاحه، وخاصة أنه في وضعه الحالي عبارة عن بقايا منزل تهدمت معظم غرفه ولم يتبق منها سوى الأطلال، ومع ذلك فهي تجذب باستمرار الزوار والسياح وعشاق مسرح القباني. بيت نزار قباني وأسمهان والنعسان: في دمشق القديمة وفي حي يتميز بثرائه بالبيوت التقليدية يدعى (مئذنة الشحم) يفصل بين الأسواق القديمة وحي الأمين والشاغور والباب الصغير، وفي أحد منازلها الشامية التقليدية، ولد وعاش الشاعر الشهير نزار قباني، الذي سكنه سنوات طويلة، وفي السنوات الأخيرة وبعد رحيل نزار قبل 12 عاما استقطب المنزل السياح والزوار والمثقفين والأدباء لزيارته، وهو المنزل الذي أعطاه إلهام الشعر من خلال شجيرات الياسمين والنارنج والكباد في ساحته الواسعة ومشاهدة بحرته وسط الباحة الواسعة المبنية من الحجر الأبيض والأسود والوردي، حيث كان يجلس نزار متأملا مياهها الرقراقة، وليشاهدوا أيضا غرف المنزل العشر في الطابقين الأرضي والأول. وفي العلية حيث الطابق العلوي هناك غرفة نزار، حيث ما زالت تتمدد على جدرانها نباتات اللبلاب وأغصانها متدلية على شبابيكها وعلى درابزين الدرج، وفي غرفته هناك الطاولة الخشبية المزخرفة بالصدف والموزاييك الدمشقي والمحلاة بالفضة، حيث كتب عليها قصائده، وهناك الخزانة وصورة والده المجاهد توفيق قباني وكتب تاريخية وتراثية. وليس بعيدا عن منزل نزار قباني كثيرا وقبل الدخول في حي مئذنة الشحم للقادم من سوق البزورية، فإذا ما انعطف الزائر يسارا وأخذ الشارع المستقيم الشهير، والذي سيوصله في نهايته إلى باب شرقي هنا وبجانب الباب التاريخي وعلى يساره يوجد قصر النعسان ومشغله العريق، حيث يتميز القصر بمساحته الواسعة وعمارته الجميلة التي تشبه عمارة قصر العظم!.. ندخل قصر النعسان من بابه الواسع، الموجود في بداية الطريق الكلاسيكي المتجه إلى ساحة باب توما وليستقبلنا الحفيد (سليم النعسان)، الذي ورث وشقيقه القصر والمشغل عن أجدادهم وليعرفنا أن هذا القصر بناه قبل 500 عام مؤسس ومبتكر فنون الأرابيسك والموزاييك الدمشقية، الذي حوله إلى مدرسة على مدى القرون الماضية، تخرج فيها العشرات من حرفيي دمشق بل ويفتخر سليم، الذي فتح قصر جده أمام السياح والزوار وبشكل دائم، بالأحداث التي شهدها القصر والشخصيات المهمة العالمية التي زارت القصر وسجلت كلمات مؤثرة في الكتاب الذهبي للقصر، كما أنه حول إحدى غرفه لمعرض صور لأجداده الذين اشتهروا بفنون الزخرفة اليدوية والبروكار الدمشقي. ويروي سليم لكل سائح وزائر وبشكل عفوي قصة ثوب الملكة إليزابيث الثانية، الذي صنع في هذا القصر من الحرير الدمشقي (البروكار) وبطلب من الحكومة السورية آنذاك لإهدائه للملكة في يوم زفافها قبل خمسين عاما. وليس بعيدا عن باب شرقي وفي زقاق مكتب عنبر، المتفرع عن الشارع المستقيم، يقع بيت شاعر الشام (شفيق جبري)، الذي حوله الحفيد رائد جبري قبل أكثر من عشر سنوات إلى مطعم سياحي وغاليري ينظم فيه المعارض الفنية والأمسيات الأدبية، ويستقبل الفنانين التشكيليين والسياح بشكل دائم. وفي جنوب العاصمة السورية دمشق وتحديدا في مدينة السويداء عاصمة جبل العرب، حيث المسافة لا تزيد على المائة كيلومتر وساعة ونصف الساعة بالسيارة عن دمشق، كانت وجهتنا منزل المطربة الشهيرة أسمهان (آمال الأطرش)، الواقع في وسط المدينة. هنا في هذا المنزل المبني على نمط العمارة الغربي وتحديدا الفرنسي في أوائل عام 1930، ولدت وعاشت أسمهان مع زوجها قبل هجرتها ورحيلها إلى القاهرة، وهنا تعمل وزارة السياحة السورية ممثلة بمديريتها في السويداء على تحويل المنزل إلى متحف ومسرح هواء طلق بعد أن استملكته منذ عدة أشهر وخروج الجهة الرسمية التي كانت تشغله منه، جهاد أبو زكي مدير سياحة السويداء والمتابع لتوظيف المنزل سياحيا، قال لـ«الشرق الأوسط»: يعد هذا البيت من البيوت التاريخية لعدة أسباب، منها المكانة القيادية التي كان يحتلها حسن الأطرش (زوج أسمهان) في تلك الفترة كمحافظ للسويداء 1936 – 1948، بالإضافة إلى طراز البيت الذي يعتبر أحد نماذج العمارة الفرنسية إبان الانتداب الفرنسي لسورية، حيث يقع في منطقة تدعى الحي الفرنسي القديم ويجاوره عدد من البيوت القديمة ذات الطراز الفرنسي والطابع المعماري المميز من حيث الفخامة والاتساع، ويطل على ساحة تسمى ساحة الشهداء التي يتوسطها نصب تذكاري، يجاور المنزل الفندق السياحي في السويداء ذات التصميم الفرنسي أيضا، ولكن بخبرات المهندسين المصريين إبان عهد الوحدة مع مصر. والمنزل عبارة عن (فيلا) مؤلف من قبو وطابقين أرضي وأول، وبناؤه من الحجر مع أسقف مائلة في الأعلى مكسوة بقطع الآجر الأحمر، وفي ما يتعلق بتوظيف المنزل – يضيف أبو زكي – فالطابق الثاني سيكون متحفا لمقتنيات الفنانة أسمهان، أما الطابق الأرضي فسيوظف كمتحف للموسيقار فريد الأطرش وللتراث الفني في السويداء، التي تشتهر بوجود الكثير من الفنانين المبدعين فيها، ومنهم المطرب الراحل فهد بلان. أما الحديقة الملحقة بالمنزل، فستحول إلى مسرح في الهواء الطلق. ويتم حاليا إعداد الدراسة لتأهيل هذا المنزل، الذي سيتضمن استحضار أدوات وطرائق البناء المتبعة في فترة الأربعينات وإعادة إظهاره كما كان عليه عام 1941، بالتزامن مع ذلك، تسعى وزارة السياحة إلى تشكيل لجنة مختصة بإعادة جمع تراث الفنانين ووضع التصور المطلوب لمحتويات هذا المنزل، الذي سيكون نقطة جذب فنية وثقافية وسياحية عالية. منزل العظمة وخالد العظم والزهراوي: ونعود إلى دمشق، وتحديدا إلى منطقة المهاجرين في سفوح جبل قاسيون وفي إحدى جاداته المطلة بشكل بانورامي على دمشق، يوجد منزل (يوسف العظمة) وزير الدفاع السوري إبان الحكومة العربية الفيصلية الأولى (1918 – 1920)، الذي اشتهر بقيادته لمعركة ميسلون غرب دمشق ضد الجنرال غورو قائد الجيش الفرنسي، حيث استشهد العظمة في المعركة، وكان العظمة قد سكن المنزل وخرج منه للمعركة ولم يعد، وقد أهمل في ما بعد حتى منتصف تسعينات القرن الماضي، عندما همّ أحد تجار البناء بهدمه وتحويله إلى مبنى سكني فكان الاكتشاف أن هذا المنزل ليس سوى بيت يوسف العظمة ولتصدر التوجيهات في ما بعد من القصر الجمهوري بالعمل على ترميمه وتحويله إلى متحف ومكان عام لاستقبال السياح والزوار وهذا ما حصل بالفعل، حيث تم إنجاز أعمال الترميم قبل سنوات قليلة. والمنزل عبارة عن بيت عربي شامي قديم عمره نحو 115 سنة، ويتكون من طابقين وباحة واسعة وأواوين وشرفات ومربض للخيل ويتميز البيت بزخارفه الجميلة وأقواسه المعمارية وخطوطه العربية التقليدية. وليس بعيدا عن المهاجرين وفي ضاحية دمر، وتحديدا في منطقة الربوة غرب دمشق، التي تتميز بعراقتها السياحية، هنا وفي مرتفع عن الأرض يوجد قصر الأمير عبد القادر الجزائري الذي رمم قبل سنتين بتمويل أوروبي وأعيد له الحياة بعد أن كان مهملا وآيلا للسقوط وتحول إلى مركز حضاري ومكان لاستقطاب الزوار والسياح. وننزل من سفوح قاسيون ومن الربوة وحي المهاجرين لنعود إلى المدينة القديمة، وتحديدا إلى منطقة ساروجة بجانب شارع الثورة وجسره الشهير، ومع ارتقائنا لبضع درجات من الرصيف، نجد أنفسنا أمام قصر تاريخي كبير، ولن نجد صعوبة لنعرف أن هذا القصر الواسع كان حتى خمسينات القرن الماضي منزل رئيس الوزراء الأسبق (خالد العظم) والقصر بني في القرن الثامن عشر، ويعتبر نموذجا رائعا للبيت الشامي العريق بباحاته وقاعاته وحمامه ورخامه وفسقياته وأشجاره وعرائشه وبحراته، ولذلك فقد حولّ ومنذ عام 1980 إلى متحف لتاريخ دمشق يستقبل كل يوم عشرات السياح والزوار، بينما حوّل قسم منه إلى مركز للوثائق التاريخية يستقبل أيضا الباحثين العرب والأجانب. وفي الجانب الآخر من ساروجة، حيث يفصل الجسر بين المنطقتين يوجد قصر السياسي السوري (محمد علي العابد)، أول رئيس سوري في ثلاثينات القرن الماضي، ويتميز بيته بالفخامة المعمارية، وعلى الرغم من الحاجة لترميمه فإنه يستقطب عشرات السياح الذين يزورون منطقة ساروجة كما تقام فيه الكثير من الفعاليات الثقافية والسياحية. وليس بعيدا عن ساروجة وفي منطقة القنوات التاريخية يوجد بيت البارودي، الذي تتم عليه حاليا أعمال ترميم واسعة لتحويله إلى مكان عام للأغراض الثقافية والمعمارية ولاستقبال السياح والزوار واشتهر البيت من خلال صاحبه الأديب والسياسي السوري (فخري البارودي)، الذي عرف بحبه للأدب والنكتة ومجالسة الفنانين والشعراء وعرف بتبنيه المطرب السوري المعروف صباح فخري في خمسينات القرن الماضي، حيث أعطاه اسمه الأول وأسكنه في بيته، ويتميز البيت بطابعه الشامي التقليدي. ونتجه من دمشق إلى حمص، المدينة الرائعة التي تتوسط سورية وتقع شمال دمشق بمسافة ساعتين تقريبا في السيارة، هنا وفي وسط حمص القديمة يوجد قصر الزهراوي، الذي عاش فيه وسكنه السياسي والمجاهد والعلامة الحمصي (عبد الحميد الزهراوي) في أوائل القرن العشرين، وكان يستقبل فيه الناس وحوله إلى مركز للتوعية الحضارية والعلمية والسياسية ضد العثمانيين، والقصر الذي يؤمه السياح بشكل كبير لمشاهدة روعة بنائه وزخارفه حتى إن اختصاصيين ومهندسين وسياح أجانب زاروه واعتبروه بحد ذاته مدرسة معمارية ذات خصوصية تبرز جماليات عمل المهندس المملوكي، كما يؤكد مدير آثار المدينة (فريد جبور)، حيث يعود تاريخ بنائه للعصر المملوكي ويتألف من خمسة أقسام وأجنحة وباحات واسعة ويتكون من طابقين. وإلى الغرب من مدينة حمص على الطريق الدولي، الذي يصل إلى مدينتي طرطوس واللاذقية الساحليتين، وفي منطقة الشيخ بدر التابعة لطرطوس وتبعد عنها نحو نصف ساعة بالسيارة، يوجد بيت المجاهد السوري الشيخ صالح العلي، الذي قاد ثورة ضد الفرنسيين في الجبال الساحلية السورية في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، وقد عملت الجهات المعنية قبل عدة أشهر على ترميم المنزل وتحويله إلى موقع ثقافي وتراثي وسياحي يزوره سنويا السياح والمثقفون، ويقام كل عام بجانبه مهرجان أدبي يشارك فيه عشرات الشعراء والكتّاب.
الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى