ماركيز وحياته
اسكندر حبش
كلّ شيء بدأ بجملة. تقول القصة إنه في العام 1965، كان هذا الكاتب الشاب يشعر بأزمة كتابة منذ أشهر. حاول كثيرا لكنه لم ينجح في الوصول إلى أيّ جملة مفيدة. لذلك قرر أن يأخذ إجازة قصيرة (كان يعيش يومها في المكسيك) ليذهب مع زوجته وأولاده إلى أكابولكو. وفوق الطريق غير المعبدة التي أشعرتهم بالإرهاق، جاءت جملة لتحتل روحه وعقله. كانت تبدأ على الشكل التالي: «بعد مرور سنين عديدة، وأمام فصيل الإعدام، تذكر الكولونيل اورليانو بوينديا تلك الظهيرة البعيدة…». وأمام إلحاح هذه الجملة عليه، استدار وعاد إلى منزله، ليبدأ بكتابة تلك الرواية التي لم تجعل منه فقط واحدا من كبار كتاب القرن العشرين، وإنما أيضا لتؤسس لمرحلة أدبية، لم يستطع أدب قارة (والعالم أيضا) تجاوزها بسهولة.
إنه غابرييل غارسيا ماركيز، والرواية كما تعرفون «مئة عام من العزلة». وإن كنت أستعيد هذه الحادثة، فلأن كتاب الباحث البريطاني جيرالد مارتن «سيرة حياة غابرييل غارسيا ماركيز» – (صدرت ترجمته العربية مؤخرا عن «الدار العربية للعلوم ناشرون» (بيروت) بالتعاون مع «ترجم» (مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم – الإمارات) وقد نقله إلى العربية محمد درويش) – يعيد «تذكيرنا» (من نسي حقا؟) بتفاصيل كثيرة من حياة وأعمال هذا الكاتب الذي عرف كيف يصوغ عوالم، من الصعب نسيانها بعد قراءتها.
وبهذا المعنى أيضا يأتي كتاب مارتن، إذ إنه كتاب من الصعب تركه قبل أن تصل إلى صفحته الأخيرة. تماما مثل بعض روايات ماركيز التي تعلق بها، عند قراءتها، من دون أن تتمكن من الإفلات منها، قبل أن تصل إلى نهايتها.
في الأساس كان يرغب مارتن في أن يكتب «السيرة الرسمية» الأولى لماركيز (نوبل للآداب العام 1982)، لذلك استمر 17 عاما في الإعداد لعمله هذا، بيد أن الكتاب يتخطى مجرد سيرة رسمية إذ نقع أيضا على قراءة لأعمال المؤلف الكولومبي الشهير، عبر مرآة حياته، لنخرج أمام كتاب لا بدّ أن يؤرخ لنوع أي سيرة ذاتية مستقبلا.
ما من تفصيل عن حياة الكاتب وأعماله، إلا موجودة هنا، عبر كلّ تحولاتها: بدءا من الولادة، وصولا إلى الكتابة، ومن الكتابة إلى نوبل، ومن الأدب إلى الالتزام الثوري، ومن غابرييل إلى غابيتو، مرورا بكل تلك الأسماء التي تطلق على كاتب عرف كيف يأخذ الرواية إلى مناطق لم تكن مألوفة.
كتاب مدهش، تماما مثل هذه الجملة التي ينقلها مارتن عن ماركيز حين نبهه: «اكتب ما تراه، ومهما كان ما تكتبه، فسأكون موجودا». بالتأكيد، إنه موجود في كل شيء، على الأقل من الصعب تخطي هذا الأدب الذي كتبه، أكنت معه أم ضده. من هنا، ربما يكون من المفيد أن يعيد المرء قراءة أعمال ماركيز، حين ينتهي من هذه السيرة.
السفير