ثقافة المناصب التلفزيونية: رأي قبل… ورأي بعد!
محمد منصور
بعد أسابيع قليلة من سجالنا مع مدير قناة الدراما السورية الزميل مروان ناصح… الذي اتهمنا عندما انتقدنا القناة التي يديرها بالرغبة التي لا تخمد في إيذاء الآخرين، وبتعّمد (إيذاء إعلام بلد بكامله دون وجه حق) ناهيك عن إلصاق صفات ونعوت كثيرة بنا كالعدوانية والوقوع تحت الأهواء الذاتية وإصدار الأحكام القدرية الباترة… أقول بعد أسابيع قليلة تمت إقالة السيد ناصح من منصبه في جملة تغييرات ومناقلات شكلية طالت بعض المفاصل وإدارات القنوات في التلفزيون السوري…
بعض الزملاء في التلفزيون السوري الذين تحفظوا على ردي على السيد مروان ناصح، رغم اتفاقهم معي في الرأي حول ضعف وبلادة قناة الدراما، والذين اعتبروا أنني قسوت عليه في ردي المنشور في هذه الزاوية، اتصلوا بي بعد صدور قرار إقالته، وقد تغير رأيهم مئة بالمئة… فقد اعتبروا أنني كتبتُ ما يجب أن يكتب… بل وحتى أنه كان يمكن أن يكون الرد أقوى وأقسى… مادام هو لم يتوان في تسفيه رأيك وتجريدك من أبسط درجات الموضوعية على حد تعبير أحدهم!
طبعاً أنا لا أكتب هذه المرة لأشمت في زميل أقيل من منصبه… فالنقد حالة حوار ومراجعة وإبداء وجهة نظر قد تخطأ وتصيب… والناقد الذي يريد أن يستمر في مزاولة مهنة يحبها ويحترمها يجب أن يتسامى عن مشاعر الشماتة أو الرغبة في الانتقام… فالسيد ناصح بلغ سن التقاعد القانونية وكان يشغل منصبه بالتمديد الاستثنائي كما سبق وذكرنا- وهو سيخرج عاجلا أم آجلاً… لكنني أكتب هذه المرة لأتحدث عن تعبير طريف سمعته من صديقي الدكتور فؤاد شربجي قبل أيام، يتصل بهذه الحالة… إنه تعبير (ثقافة المناصب) السائدة في أجواء الوسط الفني والإعلامي السوري…
والمقصود بثقافة المناصب… هو أن أي شخص يشغل منصباً يمكن أن يجد من يدافع عنه ضد أي حالة نقد أو إبداء رأي في عمله… فثمة دائماً مستفيدون يعتبرون أن جزءاً من حماية مصالحهم، يكمن في القتال على جبهة هذا المدير ضد النقد والصحافة، وضد ما يعتقد أنهم (أعداء شخصيون) وهكذا فالمنصب يجعل الكثيرون، يرون مزايا ومحاسن في صاحب المنصب، سرعان ما تختفي… وسرعان ما يجردونه منها، عندما يخرج أو يُقال.. عندها يصبح ما قاله هذا الصحفي أو ذاك صحيحاً مئة بالمئة… ويصبح الرأي الشخصي المغرض موضوعياً وصائباً!
إن هذه الثقافة السائدة بقوة، هي جزء من أجواء لا يمكن أن يُنصف فيها العمل المخلص فيما لو وجد، لأن التقدير هو تقدير للمنصب فقط، كما أنه لا يمكن يُقرأ فيها الرأي الآخر قراءة موضوعية، سواء تم الاتفاق أو الاختلاف معه… لأن الاختلاف والاتفاق هنا مرتبط بالرغبة في التقرب من صاحب المنصب والذود عنه… إنها باختصار ثقافة نفاق سافر، تهدم ولا تبني… وتشوه ولا تصحح أو تفزر صحيحاً.
وفي الاتجاه نفسه يتغير رأي المدراء أنفسهم في مسألة التطوير الإعلامي الذي يلمسونه ويدافعون عنه… كما يصبح دفاعهم المستميت عن (النهضة الإعلامية الكبرى) التي كان يتحدثون عنها عندما كانوا في المنصب، بوحاً شفافاً ومريراً عن المعوقات التي تكبر يوماً بعد يوم، وعن الوساطات التي تستفحل فلا تترك مجالا لأصحاب الكفاءة… وعن خفايا القرارات التي يصادرها المسؤول الأعلى أو الوزير فلا تترك لهم فسحة للتطوير!
وهكذا فثمة رأي قبل… ورأي بعد… رأي يتفاخر بالإنجازات ويتهم من لا يراها بأنه ذو فم مريض… ورأي يرثي لواقع الحال بعد أن يصبح أسير مقولة (دوام الحال من المحال) في البقاء في الكراسي!
وما دامت ثقافة المناصب هي الضمير المهني السائد اليوم تلفزيونياً واجتماعياً… فقل على الدنيا السلام!
حقوق المصريين في الخارج: الكيل بميكالين!
صورة الانتقام من الشاب المصري محمد مسلم في قرية (كتر مايا) اللبنانية… والتي تداولتها وسائل الإعلام المصرية في الأسبوعين الماضيين.. تحولت بالطريقة الحارة التي يتناول بها الإعلام المصري عادة مثل هذه الحوادث، إلى مسلسل من الأفعال وردود الأفعال… التي ينتجها ويستهلكها هذا الإعلام بنفسه… والتي كانت آخر تطوراتها ما أورده برنامج (تسعون دقيقة) من اقتراح المدعي العام بإضافة فقرة في قانون العقوبات، تجعل القانون المصري هو المسؤول عن محاكمة المصريين في الخارج… كي لا ينزل أياً كان قانونه الخاص في عقابهم، أو يلفق لهم تهمة لا سمح الله، وكي لا يكون العقاب على طريقة قصاص أهالي قرية (كتر مايا) الذين تلذذوا بالتمثيل بجثة شاب ميت، وتفننوا في تصوير إعدامه وسحله، فأعادوا إلى الأذهان تراث الحرب الأهلية اللبنانية الدامي، والحافل بكثير من صور الانتقام الجماعي الوحشي التي لطالما اختلط فيها الحق بالباطل، والضحية بالجلاد!
لكن السؤال التلفزيوني الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لم يتحرك المدعي العام، تجاه ما تعرض له أنصار البرادعي في الكويت، من عملية تهجير وطرد، وهم نخبة مثقفة لم ترتكب أي ذنب، ولم تتورط في أي تجاوز… سوى أنها تفكر في أن هناك بديلاً لحسني مبارك يمكن أن ينتخب سلمياً… وثارت مشاعره الوطنية لمقتل شاب (مع تحفظنا الشديد على همجية الثأر منه) متهم بقتل أربع أشخاص (منهم طفلان) في تلك القرية اللبنانية؟!
السر يكمن في الولاء فقط، إذ يمكن أن تكون قاتلاً… ولكن تبقى حقوقك مصانة مادمت لم تخرج عن الولاء للسيد الرئيس… في حين ستكون لا شيء لو فكرت بأن السيد الرئيس لن يبقى رئيساً في الانتخابات القادمة!
‘ (الكرة بملعبك) نجاح يستحق الإشادة!
حققت قناة (الدنيا) تميزاً وحيوية ملحوظة في تغطية نشاطات ومشاكل وهموم الرياضة السورية من خلال برنامج (الكرة بملعبك) الذي يعتبر من أفضل البرامج الرياضية على قنوات التلفزيون السورية… فمعد البرنامج يتميز بالحرفية وسرعة البديهة، وهو يتناول قضايا الرياضة السورية برؤية نقدية سجالية ليس فيها مجاملة وتمجيد أبله… ناهيك عن حسن المتابعة في مكان الحدث ونشاطات الأندية والفرق.
ولأننا نرى الجيد كما نرى الرديء… نقول لمعد (الكرة بملعبك) شكرا على الجهد المبذول، وشكراً لاحترام صيغة البرنامج التلفزيوني الناجح … التي افتقدناها في الأشهر الماضية في (الدنيا) بغض النظر عن توجه البرنامج واختصاصه!
ناقد فني من سورية
Mansoursham@hotmail.com
القدس العربي