لوحات سلفادور دالي تعرض في دمشق للمرة الأولى
سعاد جروس
مصادفة موفقة أن يتزامن أول معرض لأعمال رائد السوريالية العالمية سلفادور دالي في دمشق مع ذكرى مولده في 11 مايو (أيار) 1904 في كتالونيا الإسبانية. والمعرض الذي افتتح في صالة «تجليات» يوم 12 الحالي، شكل مفاجأة للجمهور السوري، إذ عرض نحو 99 لوحة حفر تحمل عنوان «السيمفونية الإلهية». وهي حسب ما قاله إدوار الشاعر منظم المعرض لـ«الشرق الأوسط» تمثل رؤية دالي البصرية للكوميديا الإلهية، مقسمة إلى ثلاث مجموعات، كل منها 33 لوحة، تعبر عن جزء من أجزاء الكوميديا الإلهية: الجنة، الجحيم، المطهر.
وعن مصدر هذه اللوحات التي تحمل رقم 55/100، أي النسخة رقم 55 من أصل 100 نسخة وقعها دالي، قال إدوار: «إنها تعود لمقتني أعمال فنية سوري، اشتراها من أوروبا منذ 25 عاما، وقد استغرقنا عامين لإقناعه بإقامة معرض لها». ويضيف إدوار أنها «المرة الأولى التي يقام فيها معرض في دمشق، يضم لوحات أصلية لفنان مثل دالي».
وكان لافتا أن اليوم الأول للمعرض شهد بيع نحو 12 عملا، كما أن السعر كان مفاجئا، إذ لم تتجاوز قيمة اللوحة الواحدة ثلاثة آلاف دولار، وهو ما أوضحه إدوار بالقول إن «لوحات الحفر عادة لا تكون أسعارها مرتفعة وهي متقاربة في كل العالم ومعروفة، لأنها نسخة أصلية من عدد محدود من النسخ». وردا على ما قيل من أن هذا السعر أقل من سعر لوحة لأي فنان سوري شاب، قال إدوار إن هذا المعرض «فرصة لتهدئة السوق التشكيلية. ففي السنوات الأخيرة ارتفعت الأسعار بشكل غير منطقي، وعندما يرى الشباب أن لوحات لدالي تباع بأسعار معقولة سيعيدون النظر في تقييم أعمالهم. صحيح أن أعمال دالي حفر لكن من النادر أن تجتمع نسختان متشابهتان في بلد واحد. ومن شأن معرض كهذا أن يعيد التوازن إلى معايير السوق الفنية». وحول وجود تدخل باليد على بعض أعمال دالي «الحفر» التي من المفترض أن لا يكون فيها تدخل قال إدوار إن «ذلك ممكن، فالفنان أحيانا وبعد انتهاء الطباعة قد تكون لديه ملاحظة ما فيتدخل ليعدلها باليد، لكن هذا يكون بشكل طفيف وتصبح اللوحة أجمل بكثير، لافتا إلى أن التعديل، يتم على كامل النسخ التي توقع وتوثق ومن ثم تتلف الكليشة كي لا يعاد الطبع».
صاحبة صالة «تجليات» ميساء الشهابي بدت مندهشة من الإقبال الكبير للشباب وطلاب الفنون الجميلة على المعرض، في حين أن النقاد والفنانين السوريين والأساتذة قلة منهم من حضر الافتتاح، ورأت أن إقامة معرض لدالي تتيح فرصة نادرة للمهتمين، وبالأخص الشباب الذين لا يمكنهم السفر للاطلاع على أعمال عالمية، فاللقاء مع اللوحة الأصلية فيه حساسية مختلفة تماما.
المعرض الذي يستمر لأكثر من أسبوعين يتيح للجمهور التعرف على أعمال دالي الأصلية في فن الحفر، مع أنه لم يشتهر بالحفر، والغرافيك بمعناه التقليدي. إنه الحفر على الأسطح الخشبية أو المعدنية أو الحجر أو أي مادة أخرى بهدف الحصول على أشكال فنية مختلفة عن طريق طباعتها. ويُسمى أيضا بفن الرسوم المطبوعة وفن الحفر والفن المطبوع أو التصميم. ويعتمد الحفر الليثوغرافي على نظريّة تنافر الدهن والماء. إذ يُرسم على الحجر الجيري بقلم دهني ثم تتم تندية الحجر بالماء، فيغطي الماء سطح الحجر إلا الأماكن المرسومة بالمادة الدهنية، وعند تحبير الحجر بحبر الطباعة، يغطي الحبر الأماكن المرسومة بالقلم الدهني وتتم الطباعة بعد ذلك من خلال مكبس خاص بتلك النوعية من الطباعة. ويمكن من خلال ذلك الحصول على عملين فنيين مختلفين تماما أو متطابقين تماما، واحد على الحجر وآخر على المسطّح المطبوع عليه لكن لكل منهما شكله وإحساسه وتعبيره الفني. وأعمال دالي المعروضة هي طباعة ملونة على الحجر، يصعب على المتلقي العادي تمييزها عن الرسم المائي، من حيث تدرج اللون وشفافيته، كما بدا في بعض اللوحات تدخل من قبل الفنان بعد الطباعة، بإضافة خطوط، أشبه بخط القلم الجاف. إلا أن السحر التي تحمله الأعمال هو في رؤية دالي السوريالية وتخيله للعالم الميتافيزيقي (الجحيم والجنة والمطهر) كمفاهيم دينية. حيث برع في تحويلها إلى قصائد تشكيلية ترصد هلوسات النفس البشرية، أكثر مما هي تصوير لعالم غير محسوس كما في الكوميديا الإلهية. ومع أن كل لوحة تقابل قصيدة من القصائد الـ99 لدانتي المكتوبة على شكل ثلاثيات تخيلت القصاص في الجحيم والثواب في الفردوس وحالات الحزن الصامت في المطهر، إلا أن المتلقي أمام أعمال دالي كان يجد عوالم العقل الباطن ودواخل النفس البشرية وهلوساتها، كما عاشها الفنان في لحظات الألم ولحظات الصفاء والتأمل. وقد برع دالي في إضفاء أبعاد أكثر عمقا من خلال غوصه في اللاوعي ومحاولة التعبير عنها بتكوينات وإيقاعات سوريالية، سرها في أنها ما تزال تحتفظ بقدرتها على الإدهاش.
الشرق الأوسط