‘حماس’ من المجتمع الإسلامي الى ‘حماستان’ غزة: ماذا بعد؟ وهل يتحقق السلام من دونها؟
ابراهيم درويش
في الفقرات الاخيرة من كتابهما الجديد الصادر عن بوليتي برس في كامبريدج البريطانية تستكتشف الباحثة بيفرلي ميلتون- اداوردز والصحافي ستيفن فاريل السيناريوهات القادمة والمتوقعة للقضية الفلسطينية عبر منظار حماس وفي ضوء سيطرتها على قطاع غزة. ويتساءل الكاتبان في الكتاب الذي يحمل عنوان ‘حماس’ عن امكانية تحقيق السلام من دون الحركة، وإن تحقق فبأي صورة؟ هل ستقوم اسرائيل التي شنت حملة دامية على القطاع حرب 2008 / 2009 وتمارس حصارا قاتلا على القطاع بالحديث مع حماس من اجل التوصل لاتفاق؟ وهل تعترف الحركة بوجود اسرائيل وما هو موقف السلطة الوطنية من الوضع القائم وامكانيات حدوث هذا؟ والاشكالية المطروحة في داخل الكتاب هي اشكالية خطاب فمن ناحية قدمت الحركة خطابا براغماتيا لكنه ظل غامضا ويتمسك بأولويات ومبادئ الحركة الايديولوجية التي ميزت ميثاقها الذي نشر مع بداية الانتفاضة عام 1987، ومن جهة اخرى يتسم الخطاب الرسمي الاسرائيلي حولها عبر رؤية ‘الحل النهائي’ وهو ان لا سلام في المنطقة من دون القضاء على حماس وتكسير عظامها وانه يجب عدم الثقة بحماس لانها لن تتخلى عن رؤيتها القائمة على ‘تدمير’ اسرائيل.
حقيقة لا يمكن تجاهلها
واشكالية هذا السيناريو هو ان كسر عظام حماس هل يمنع من ظهور حركة اسلامية اكثر تشددا في المستقبل؟ في ظل ما حدث للحركة منذ الانتفاضة الثانية وعبر استهداف معظم قادتها الكبار والمؤسسين في غزة والضفة، من الشيخ احمد ياسين وعبدالعزيز الرنتيسي الى قادة الحركة في الضفة، فالحركة واصلت المسيرة وحققت انتصارا في عملية انتخابات نزيهة وحازت على ثقة الناخب الفلسطيني عام 2006. كل هذا لان الحركة ليست حركة تتمحور حول قياداتها وان كان هذا واحداً من الاسباب لنجاة الحركة ومع ذلك فتجارب التعامل مع حركات الاسلام السياسي في العالمين العربي والاسلامي اثبتت ان سياسة اليد الحديدية لا تنفع معها. اما من الجانب الفلسطيني، وخاصة السلطة الوطنية التي خسرت غزة عام 2007 في ‘انقلاب’ او ‘حسم’، ايا كان الاسم، فهناك من يرى ان حماس ترغب في تحويل غزة الى امارة اسلامية على غرار امارة طالبان في افغانستان وان سجلها الديمقراطي ضعيف ويشهد بهذا سجلها في غزة منذ عام 2006. اما الفلسطينيون الذين يدعمون الحركة وأجندتها الاسلامية فيرون ان حماس، وحماس وحدها، هي القادرة على تحقيق حلم الدولة والاستقلال. ويشعر هؤلاء بالامن في ظل نظام اسلامي محافظ يوفر لهم الامن وتنبع مواقفه من تعاليم الاسلام الرئيسية خاصة في المجالات الاجتماعية والسياسية وعلى مستوى الاقتصاد. وعلى المستوى الدولي وهو المعني والذي اسهم في سياسة الحصار، فهناك اعتراف داخل الاروقة المغلقة سواء في داخل ادارة اوباما والرباعية وغيرها، أو كما بدا في تصريحات الرئيس الروسي ديمتري ميدفيدف في انقرة الاسبوع الماضي، حول اهمية اشراك حماس في التفاوض. وينقل الكاتبان عن ناصر الدين الشاعر ، احد قادة حماس في نابلس قوله ‘لقد فشلوا في الخلاص من حماس في غزة وهذه رسالة للسياسيين انه لا حل من دون حماس’ فقد اصبحت الحركة حقيقة وواقعا لا يمكن تجاوزه. لكن كيف وصلت حركة اسلامية بدأت في النشاط الاجتماعي وفي ظل الاحتلال وفي احياء الفقر والتشرد ومن ابناء لاجئين الى ما وصلت اليه؟ للاجابة على هذا السؤال يقودنا الكاتبان في رحلة طويلة مع الجذور.
من ثورة القسام الى المجمع الاسلامي
ولاحق الكاتبان جذور الثورة والثورات وعلاقتها بفكرة حماس خاصة قصة وراثتها لتجربة عز الدين القسام الذي ظل حتى عام 1987 بطلا وطنيا وقائدا ثوريا قابلا للقولبة فهو اب الفقراء ونشيدهم وهو والد الحركة الوطنية وهو قومي عربي كونه من سورية وهو اسلامي نهضوي باعتباره ازهريا ومن تلاميذ مدرسة الاصلاح وهو سلفي حارب البدعة فالكل وجد في هذا الشيخ الذي انطلق صوته من جامع الاستقلال ما يناسبه ووجدت فيه حماس رمزا لكتائبها العسكرية وصواريخها المصنعة محليا، اي رمزا للجهاد. وقصة حماس كما تبدو من هذا الكتاب والذي يركز على جذورها في فلسطين ونهوضها في الضفة الغربية والقطاع وعلاقتها بالاخوان المسلمين كونها خرجت من معطفهم وظلت حتى انطلاقتها تمارس نشاطها الاجتماعي ممثلة لنشاط الاخوان المسلمين وافكارهم القائمة على التغيير الهادئ والمرحلي للمجتمع واسلمته من خلال التعليم والنشاط الاجتماعي والصحي، ولم تهتم منذ البداية بالنشاط الجهادي او العسكري وان كان هناك اهتمام، فقد دعت اليه الظروف لحماية مؤسسات الحركة ومنجزاتها من المجمع الاسلامي والجامعة الاسلامية ومساجد الحركة، او استخدامه لمواجهة منافسيها على الساحة من الوطنيين العلمانيين والشيوعيين.
الشيخ احمد ياسين والمجمع الاسلامي
‘حماس’ يركز على اهمية انشاء المجمع الاسلامي في غزة عام 1978 ونشاطه الذي تركز على دعم القاعدة المحرومة من ابناء القطاع وتوفير الدعم الصحي والمالي والتعليمي لها، فبناء المؤسسات كان ضروريا في المرحلة الاولى، والصراع مع الاحتلال كان مهما لتأمين المؤسسات. ومن هنا ينظر الى تطور الحركة عبر ثلاث مراحل الاولى في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي وهي مرحلة النشاط الاجتماعي والثقافي والتعليمي والديني، والثانية من الانتفاضة الاولى الى الثانية وهي مرحلة المواجهة والعمل العسكري، العمليات الانتحارية، والاخيرة من تحول الحركة الى حركة سياسية عسكرية ويؤرخ لها من 2006 وحتى الان. طبعا هناك اشكالية في التحقيب لان مراحل النمو والتطور عادة ما تتداخل فيها التحديات. والنشاط العسكري بدأ في الثمانينات من القرن الماضي وان لم يكن ناجحا نظرا لقلة خبرة الحركة في هذا المجال.
لماذا التأخر بالعمل العسكري؟
وبالعودة الى تأخر الحركة بالدخول لهذا المجال فقادة الحركة ألمحوا الى هذا المظهر واثره على صورتها من ناحية علاقتها بالحركات الوطنية الاخرى التي ظلت تعيير ابناء الحركة الاسلامية بأنهم ليسوا وطنيين بالقدر الكافي بل وانهم، اي ابناء الحركة الوطنية، هاجموا الاسلاميين الذين قللوا من نضالاتهم لان الحركة حكمت على النضال الوطني عبر رؤية اخلاقية دينية. قارئ الكتاب يرى فيه جهدا كبيرا من البحث وقراءة التجربة فالكاتبان قابلا تقريبا كل من يهم الحديث معه في داخل الحركة وخارجها من مراقبين وسياسيين ومحللين وقادة الحركة في الضفة والقطاع وفيه نتاج تعامل مع الحركة منذ اكثر من عشرين عاما لكن الكتاب وان تراوح اسلوبه بين التحليل العلمي الرصين والسرد الصحافي يتميز بطابع السرد التاريخي والاهتمام بالرواية الشفوية والمقابلة، حيث يترك القارئ كي يقوم بتحليله الخاص، والمقدمة للكتاب وإن اعطتتا صورة عن ملامح التحولات من حركة اجتماعية إلى جهادية واخيرا جهادية سياسية الا ان الملامح العامة والانطباعات التي يخرج منها قارئ الكتاب هي التركيز على علاقة الحركة على التنافس والصراع الفلسطيني- الفلسطيني والذي لا زال علامة الواقع الان فمنذ ولادتها رفضت الحركة الاسلامية الاعتراف بالتيار الوطني العلماني الذي حمل مسؤولية الهزائم عربيا ومحليا لتبنيه ايديولوجيات غير اسلامية. ونشاط الحركة الاسلامية في فلسطين هو انعكاس لتيار الصحوة وصورة عنها وان كانت له ظروفه الخاصة. لكن ما يميز نضالات الاسلاميين في غزة والضفة هو محاولتهم الحصول على شرعية وطنية عبر المنظور الديني ولهذا ظل الصراع بين القوى الاسلامية والوطنية، خاصة فتح، التي تسيدت القرار الوطني منذ ولادتها نظرا لشخصية الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الكاريزماتية.
دور اسرائيل
الجانب الاخر وهو الذي يحاول الكتاب استكشافه، هو ما يشاع عن الدور الاسرائيلي في انتعاش التيار الاسلامي حيث كانت اسرائيل تبحث عن اطار يؤثر على شعبية حركات وطنية ممنوعة في فترة ولادة التيار الاسلامي خاصة فتح والتيارات الثورية الاخرى . والقضية وان تناولها الكتاب الاسرائيليون منهم والباحثون في حركة حماس فالكاتبان هنا ينقلان عن عدد من القيادات العسكرية، والمستشارين الامنين، ممن عملوا في غزة، اقوالا تتراوح بين الدعم المباشر وغض الطرف والنفي التام فالجنرال يوسي كوبرواسير من وحدة الاستخبارات العسكرية يقول ‘نعم كان قراراً غير صائب’ مما يعني ان اسرائيل وجدت في الاسلاميين تيارا يمكن استخدامه لمواجهة تأثير منظمة التحرير فيما يقول يستحاق سيغف الذي عمل حاكما عسكريا لغزة في الفترة ما بين 1979 1981 ان الاسلاميين لم يمثلو ا مشكلة ‘صفر، صفر، صفر’. ويزعم سيغف انه قام باجراءات لمعالجة الشيخ ياسين في مستشفيات اسرائيلية بتل ابيب لكن الاطباء وجدوا انه من المستحيل اجراء عملية . ويمضي سيغف قائلا انه مع ان المجمع كان مؤسسة دينية الا انه كان يتعامل مع الوضع في غزة بانه ‘كارثة’ للاسرائيليين من ناحية بقائهم فالقطاع يمثل قنبلة ديموغرافية موقوتة وتتزايد فيه معدلات الولادة بشكل كبير وهناك امكانيات لتأثر هذا المجتمع بالتيارات الاسلامية كما في مصر وسورية والاردن والجزائر. ويقول انه لم ‘يفكر باحمد ياسين على انه جهاد اسلامي، لكنني كنت الاحظ المجتمع يتجه نحو الاصولية’ وهذا الحديث وان لم يفسر ما يراه غض الطرف عن الاصولية الاسلامية الا انه يواصل قائلا ان الاسلاميين في غزة كانوا يحاولون استغلال فشل منظمة التحرير الفلسطينية ويقول ‘سكان القطاع كانوا يعانون من الفقر ففي حالة توفر الأموال لدى رجال عرفات فقد كانت تذهب إلى جيوبهم ولكن عندما كانت تصل الاموال الى ياسين فقد كان يوزعها على الناس، واذا وصلت الاموال من السعودية فقد كان يبني مسجداً ويوفر التعليم للاطفال او نادي رياضي، لقد عمل الكثير لمساعدة الناس، حقيقة’ كما يقول. في اتجاه اخر حذر افنير كوهين، من مغبة دعم الاسلاميين وآثاره في المستقبل فيما كتب داني روننشتاين عن قيام يغال الون، نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي في فترة السبعينيات بافتتاح كلية اسلامية في الخليل. وحذر فلسطينيون في غزة الحكم الاسرائيلي بانه يلعب بالنار. وبعيدا عن هذا هناك في اسرائيل من نفى وجود هذا الدعم وان اسرائيل لم تنتبه لخطر الاسلاميين في غزة الا في وقت متأخر وهو رأي شالوم هراري مسؤول الشؤون الفلسطينية في وزارة الدفاع الاسرائيلية. ورأى اخرون ان موقف المؤسسة الاسرائيلية في حينه من المجمع كان يقوم على فكرة ‘فرق تسد’ حيث حاولت المؤسسة استغلال الخلاف الايديولوجي بين الاسلاميين والمنظمة لصالحها وتضمين الحركة الاسلامية ضمن الحلول البديلة عن المنظمة، وهي الحلول المحلية والتأثير على قيادة الخارج. في نفس الاطار يسجل موقف عدم الاهتمام بنشاطات الاسلاميين، عن قيادات منظمة التحرير خاصة صلاح خلف ( ابو اياد) وخليل الوزير ( ابو جهاد) وكلاهما كانا على علاقة مع الاخوان قبل مشاركتهما في تأسيس فتح فقد تعاملا مع الشيخ احمد ياسين ونشاطاته بانها لا تمثل تهديدا خاصة ان الشيخ المقعد تم التشكيك في مؤهلاته الدينية وانه ليس شيخا مؤهلا للتدريس، فيما تم التشكيك بكل كادر الجامعة الاسلامية الاول وفي انه لم يكن مؤهلا. وايا كانت المواقف التي تعود الى فترة التشكل في حماس وظرفها في المجمع الاسلامي، فحسابات احمد ياسين ظلت في المرحلة الاولى هي التركيز على العمل الاجتماعي، والتحليل عن موقف اسرائيل الليّن لا يأخذ بعين الاعتبار ما برز في تحليلات اخرى عن الحركة وعدم راحة عدد من ناشطيها من عدم الاهتمام بالعمل العسكري خاصة ان جماعات اسلامية الطابع بدأت تظهر متأثرة بالثورة الاسلامية في ايران وهو مما زاد الضغوط على قادة الحركة في حينه ودفعهم للبحث عن وسائل عسكرية وانشاء اجنحة عسكرية مثل المجد والمجاهدين الفلسطينيين.
ايا كان الوضع وعلاقة الاسلاميين مع الحركات الفلسطينية ذات الطابع العلماني في بدايات التشكل الاولى لحماس، فالانتفاضة الاولى غيرت قواعد اللعبة حيث برزت حركة المقاومة الاسلامية ‘حماس’ في الساحة وحاولت طرح نفسها كمنافس للقيادة المشتركة للانتفاضة ودخلت في صراعات مع الحركات الاخرى من ناحية استقلالية قرارها.
الانتفاضة الاولى والصراع على الشرعية
والكتاب وان لم يتطرق الى سؤال من اطلق الانتفاضة الذي ظل واحدا من الاسئلة الاشكالية في تفسير الانتفاضة الاولى الا انه يلاحق الخطوات التي قامت بها حماس بعد الاعلان عن نفسها وصدور بياناتها ومحاولتها الاستقلالية والدخول في المعادلة الوطنية. والكتاب يركز على فكرة انقسام البيت الفلسطيني ويعطي انطباعا ان الحركة وصراعها مع المنظمة ظل عاملا مهما في تحديد اولويات وصعودها في المسار الوطني الفلسطيني، فيما ظل الموقف الاسرائيلي اللين من الاسلاميين كما هو على الرغم من ظهور حماس وميثاقها ولكنه تغيرفي 1989 بعد اختطاف الجنديين ايلان سعدون وافي ساسبورتاس واعتقال الشيخ احمد ياسين والحكم عليه بالسجن. وعندما حاولت حماس اطلاق سراحه من خلال اختطاف جندي اسرائيلي من حرس الحدود وقتله ورد حكومة اسحق رابين على القتل بعملية اعتقال جماعي لاهم رموز حماس في الضفة والقطاع حيث تركهم الجنود في مرج الزهور وهو ما اعطى حماس دعما وتعرف العالم عليها واصبحت في مركز الاهتمام العالمي. يسجل الكاتبان على ان الظروف المحلية والدولية والنتائج التي تركتها الانتفاضة ادت الى فتح الفرصة امام منظمة التحرير الفلسطينينة لتعزيز موقعها بعد العزلة والشح المالي بسبب دعم الرئيس عرفات لصدام حسين في غزوه للكويت.
مدريد والعملية السلمية
ويرى الكاتبان ان منظمة التحرير رأت في الانتفاضة فرصة للدخول في عملية سلمية قد تسمح بتحقيق الحلم الفلسطيني والدولة وهو ما كانت تفتقده حماس التي انتقدت مشاركة منظمة التحرير في مؤتمر مدريد وانتقدت تشكيلته واعضاءه. ومع تطور المفاوضات والقنوات السرية في اوسلو وتوقيع اتفاقه عام 1993 يرى الكاتبان ان حالة الهامشية التي عاشتها حماس ورفضها لمدريد ولاوسلو جعلها تعمل على افشاله. فالحركة وان ابدت في هذه المراحل ومراحل اخرى نوعا من المرونة في التعاون مع اشكالية الصراع وتطور الطرح للحركة من التحرير الكامل الى الهدنة الا ان اوسلو مثل معضلة لها من ناحية تأثيره على الصراع المسلح والمقاومة، ففيه قرأت امكانية لنهاية المقاومة كما ان الاتفاق فشل في ضمان الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني. ويرى الكاتبان ان مشكلة حماس في التفاوض تنبع من فهمها للصراع الذي يقوم على تحرير فلسطين التاريخية من النهر للبحر كما ينص عليه ميثاقها.
جاءت عودة عرفات الظافرة إلى غزة لتعيد تشكيل قواعد اللعبة بين المنظمة ‘السلطة’ وحماس، ففي البداية حاول عرفات لعب فكرة القائد المؤمن اي بشروط حماس بعد ايقن انه من غير الممكن استبعاد حماس والقضاء على تأثيرها في المساجد والشارع. وفي الوقت الذي حاولت فيه الجماعتان ضبط الاجنحة المسلحة لديها الا انهما واصلتا الاستعداد، السلطة التي امتلكت اجهزة كبيرة ومعدات اكثر، وحماس التي عملت جهدها على الحصول على السلاح من مصادر متعددة وبالتهريب.
رهينة الظروف
لا يمكن فهم تطور حماس من دون فهم الظروف التي واجهتها، صراعها مع المنظمة ومواجهتها لاسرائيل، فاذا كان عام 1987 بداية لنهاية مرحلة التربية وولادة حركة لها جذور في الشارع وعام 1989 اعلان المواجهة المسلحة فعام 1994 غير قواعد اللعبة مع اسرائيل بعد مجزرة الحرم الابراهيمي في 25 شباط ( فبراير) 1994 وبعدها ردت حماس بعملية نفذها رائد زكارنة في 6 نيسان ( ابريل) من نفس العام وهي العملية التي علمت بداية العمليات الانتحارية السلاح الجديد لكتائب القسام وهو السلاح الذي يراه الكاتبان ذا حدين، معاقبة اسرائيل على استهدافها المدنيين الفلسطينيين واخرى افشال العملية السلمية. وقد ادت زيادة الضغوط على السلطة لملاحقة حماس واعتقال رموزها وناشطيها في سجون القوات الامنية التابعة للسلطة. ما يميز هذه الدراسة انها وان حاولت تقديم صورة شاملة عن صعود حركة حماس في السياسة الفلسطينية الا انها تركز في الكثير من اللحظات على ‘البيت الفلسطيني’ المنقسم بين حماس والسلطة ‘فتح’ وتلاحق عمليات النقد الذاتي داخل الحركتين خاصة الاخيرة التي خسرت انتخابات عام 2006 وبعدها بعام خسرت غزة بسبب ممارستها واحتكارها للسلطة. وهناك جانب اخر، انه على الرغم من تركيز معظم الدراسات السابقة على دور الخارج في قرار الحركة وتشكل حماس في الخارج لكن الدراسة الحالية لا تثير جذور الحركة في الخارج ومشاكلها الا بقدر.
مرونة وتطور
وتشير الدراسة الى ان حماس ظلت قادرة على التحول والتطور على الرغم من الضربات القاسية التي تعرضت لها بقتل قادتها وتدمير مؤسساتها وبقائها وحيدة بعد الانتخابات حيث استخدمت واشنطن واسرائيل والمجتمع الدولي معها ورقة الضغط المالي ووجدت نفسها محاصرة تعتمد على المساعدات من جهات خارجية متعاطفة معها فيما ازدهرت تجارة الانفاق وزاد الانتقاد عليها من جماعات متضررة من سياساتها. وفي ظل فشل الحل العسكري واستمرار معاناة السكان بسبب الحصار وقدرة حماس على النجاة يصبح السؤال المطروح امام المجتمع الدولي هو: كيف يتم التعامل مع حماس؟؟. على الرغم من البراغماتية التي تميزت بها حماس والمرونة وعدم ممانعتها الحوار مع اطراف لها مصلحة في الحل الا ان الاسئلة المطروحة على الفكر السياسي نابعة من غموض السياسة وتناقض المواقف ورفض التخلي عن المبادئ في ميدان السياسة المرنة البراغماتية، وان كان قرار الدخول في الانتخابات صائبا ام لا؟ كما ان هناك اشكالية اخرى تنبع من محاولة حماس المزاوجة بين السياسة ـ الحكم والمقاومة وهي في رأي محلل نقل عنه الكاتبان ترتكب نفس اخطاء عرفات الذي ظل ثوريا وفشل في السياسة. ومن القضايا الاخرى التي تبرز في تحليل الكاتبين لعملية سيطرة حماس على قطاع غزة ما يريانه من الاثار المدمرة على الحركة وهو استعداد حماس لـ ‘القتل بدم بارد من اجل التخلص من اعدائها’ مع ان التحليل للعملية يشير الى ان حماس كانت قادرة على اختراق القوات الامنية التابعة للسلطة وان محاولات دايتون دعوة قادة القوى الامنية لتجميع قواهم والرد على حماس لم تلق آذانا صاغية فقد انتهى كل شيء.
سرديات مختلفة
في النهاية مشكلة حماس هي في تعريف اهدافها بوضوح فالعالم ينظر اليها من خلال المنظور الاسرائيلي وميثاقها الذي وإن قالت انه بات قديما الا انها لم تراجعه وهناك بعد آخر هو مسألة وجهات نظر وسرديات بين من ينظر لنفسه مقاوما ويطالب بحقوقه وبين عدو ينظر اليه كإرهابي وقاتل بدم بارد. وقراءة حماس كما تظهر الدراسة لا تمكن قراءتها بعزلة عن واقعها الاجتماعي المحلي، فهي ليست منظمة سياسية وعسكرية بل متجذرة في الحياة الفلسطينية وهذا الوجه عادة ما لا يظهر في التحليلات الغربية. كما أن حماس والقضية الفلسطينية تدفعان ثمن التغييرات الدولية والحرب على الارهاب التي جرمت الفلسطينيين واستغلتها اسرائيل لمصلحتها القصوى مع تركيز الكتاب على عدد من ملامح الحركة مثل مؤسسة كتائب القسام والمرأة ودورها في الحركة، فمع تركيز الميثاق على دور مهم لها الا انها لا تلعب دورا مهما في مجلس شورى الحركة. وايا كان الدور فحماس تعتمد المرأة والاخيرة تدعم الحركة لاسباب ايديولوجية او لكونها اما وزوجة لقادة الحركة او لعدم وجود بديل ذي مصداقية عن حماس، فالمرأة عنصر مهم في البنية الحركية لحماس – النشاط. التعامل مع حماس ينبع من تجادل في الرؤى، الغرب وحليفته اسرائيل ينظرون لحماس على انها طليعة حركة اسلامية متشددة تريد اقامة حكم اسلامي قروسطي فيما يرى داعموها انها نموذج عن حركة تمثل بديلا عن الفساد والاستبداد ولهذا صوت لها الفلسطينيون وعوقبوا. اخيرا: تقود الحركة قيادات شابة بعد غياب معظم القيادات التاريخية والمؤسسة ومن هنا فموقف هذه القيادات من العمل السياسي سيحدد مسار الحركة في المستقبل، التقدير الان حسب علي الجرباوي الذي تنقل عنه الدراسة ان الحركة على الرغم من براغماتيتها ( يكررها 3 مرات) تورطت في السلطة ‘لقد ارتكبوا اخطاء وتورطوا في الحكم، لم يفهموا ان الحكم دمر فتح، دمر ابا عمار، وهم ليسوا استثناء’.
HAMAS
By: Beverly Milton-Edawards & Stephen Farrell
Polity Pre/ Cambridge
2010
‘ ناقد من اسرة ‘القدس العربي’
القدس العربي