ما يحدث في لبنان

فتـنــة مـذهبـيـة

null

ساطع نور الدين

لم يعد الإنكار مجديا: ثمة فتنة مذهبية مشتعلة هذه الايام بين السنة والشيعة في لبنان، وهي لا تقتصر على الحوادث المتفرقة التي تشهدها خطوط التماس الجديدة بين أتباع المذهبين في العاصمة ومختلف المناطق المختلطة، ولا تنتظر تحديد المسؤولين عن إشعالها، ولا الاتفاقات التي تؤدي الى إخمادها.

هي بمثابة هواية وطنية يزاولها اللبنانيون كلما انسدت آفاق نظامهم السياسي، واضطربت اوضاع محيطهم العربي، اكثر مما هي استجابة لنداءات واحوال المسلمين في بقية انحاء العالم الاسلامي، الذين يبحثون هذه الايام عن ارض جديدة لتنفيس أحقادهم وتصفية خلافاتهم التاريخية… ووجدوا على الارجح ضالتهم في لبنان.

هي بمثابة تطور طبيعي لهذا الصراع اللبناني الذي خرج من نطاقه السياسي، ولم يبق منه سوى الفصل بين غالبيتين تقودان لبنان في اتجاهين متنافرين، بعدما ضاع الوسيط الثالث او غاب نتيجة الديموغرافيا القاتلة، ونتيجة الحرب الاهلية التي قوضت مكانته التقليدية في الكيان وفكرته الاصلية عن اسباب العيش والبقاء لمختلف الطوائف اللبنانية.

ما يعلن ويُنشر عن حوادث واشتباكات امنية يومية هو الفتنة بعينها، برغم ان وسائل الاعلام كافة لا تزال تتهيب الكشف عن الخلفية المذهبية لمفتعليها، ولا تزال تزعم انها حوادث سياسية ينتمي المتورطون فيها الى احزاب وتنظيمات وتيارات لا تخفي هويتها ولا تتردد في تبادل الاتهامات بإيقاظ النائم الذي لم ينم اصلا منذ 1400 سنة.

وما يجري تداوله على الانترنت، ومن قبل مستخدمي الشبكة اللبنانيين من السنة والشيعة، مرعب فعلا، لأنه يتخطى حاجز التكاذب الاعلامي والسياسي السائد، ويشعل شرارات لحريق هائل، يمكن ان تكون الحرب الاهلية الاخيرة بالمقارنة معه، مجرد نزهة عابرة او عطلة رسمية قصيرة، امضاها اللبنانيون في مناورات على الخطف والذبح على الهوية.

اما الكلام على ان اللبنانيين تعلموا دروس تلك الحرب الماضية، فهو اقرب الى المزاح، الذي يتعارض مع ما يجول في خواطر السنة والشيعة من افكار وتصورات عن اسباب الفتنة ووقائعها وادواتها ونتائجها المفترضة، ويتنافى مع كل ما قرأوه وسمعوه عن الفتنة العراقية الرهيبة، التي كان الانتحاري السني او الشيعي، ولا يزال، يقطع بمتفجراته حواجز الاحتلال الاميركي كي يصل الى هدفه المرجو… الى الجنة.

اما الزعم ان اللبنانيين اشد وعيا واقل دموية من اشقائهم العراقيين، فهو لا يمكن ان يصمد امام اي مقارنة بالارقام والتجارب والنسب المئوية، وهو مثل الادعاء انه ليس في لبنان مشروع فتنة مذهبية، بل مواجهة سياسية، كتلك التي لا يزال اهل العراق يخوضونها وذهبت بنحو ثلاثة ارباع مليون عراقي، خلال السنوات الخمس الماضية، التي سقط فيها نحو اربعة آلاف قتيل اميركي اكثر ولا اقل.

أما القول ان الخارج لا يريد فتنة في لبنان، فهو مهين بحق كل الذين يرسلون المال والسلاح والكتب والنصوص المذهبية، التي يتلقاها السنة والشيعة، ويتشبعون بها صبحا وعشيا.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى