الديمقراطية: أين هي مشكلة؟ وكيف تكون الحلّ؟
غسان تويني
لئلا يذهب زهو المهرجان الساركوزي سدى، فنظنه مجرد مهرجان نورث ذكراه ونطويها بعد حين في المحفوظات التاريخية!
ولئلا نخيّب آمال جميع الذين قاموا بمبادرات (“أخوية” كانت أم غير أخوية) من الدوحة، مروراً بعواصم الجامعة العربية الست وامانتها العامة، وبلفتة رئيس الدولة السورية بصفته الرئيس الدوري للقمة العربية وصولاً إلى الاتحاد الاوروبي (بالجملة والمفرّق) ومنظمة الأمم المتحدة وأمينها العام ومجلس الامن فيها الى مختلف برلمانات العرب والاسلام الخ… الخ.
لئلا نكون جنينا من كل ذلك لا شيء سوى وقف إطلاق بعض النار في بعض شوارع العاصمة وبعض المدن والقرى النائية والمنسية (بشامون مثلاً!)… وانتخاب رئيس لجمهورية كانوا يريدونها ان تستمر من دون رئيس حتى تتلاشى، فإذا بالرئيس المنتخب بتوافق (نسبي الدستورية!) تكاد تتلاشى صلاحياته وتعهدات خطاب القسم الدستوري – الذي أدّى – على وقع حرب التصريحات والمطالب والشروط التي تحفل بها عملية “استشارات” تأليف الحكومة التي صارت أشبه ما تكون بلعبة كلمات متقاطعة وحقائب وأسماء وحقوق طوائف وتيارات الخ… على خلفية “رياضيات وزارية” ابرز حساباتها طريقة الوصول بسلامة إلى ابتكار آلة تعطيل الحكم قبل أن تباشر الحكومة ممارسته… مما يثير هواجس عودة الحروب التي خاضها “الآخرون”بفضل “أمراء الحروب” المستمرة إماراتهم ويستزيدون!!!
و”الأمراء” هؤلاء يبدون لنا كأنهم شكلوا حلفاً، بل “نقابة” تدافع عن “مطالبهم” في وجه رئيس الحكومة المكلف، فتلهيه عن المطالب المشروعة: مطالب الاصلاح ومكافحة الفساد وتأمين تقدم اقتصادي واجتماعي وامني يعيد الى المواطنين اطمئنانهم الى الحكم.
•••
ذلك ان الحكم الديمقراطي يفترض ان يجري اختيار الوزراء تبعاً لحاجات الحكم كي يكون صالحاً مصلحاً، وليس تبعاً لطموحاتهم ومصالحهم وانتساباتهم حتى الحزبية، فكيف بالطائفية؟… وكأن مجلس الوزراء مفروض فيه أن يصبح مجلساً تمثيلياً مصغّراً للطوائف، بل مجلس محاصصة في ما بينها، مما يشكل تجاهلاً، بل مخالفة لميثاق الطائف الذي نصّ صراحة على ان الطائفية هي أمّ العلل ويجب العمل على إزالتها تدريجاً (وهذا ما لم نفعله فلم نعيّن “الهيئة الوطنية” التي يفترض أن تكلّف السير بالدولة في طريق الإلغاء هذا… واذا بنا نزيد الطين بلّة بتخصيص هذه الطائفة أو تلك بوزارات معينة … وكأنها مغانم وأسلاب – وكدنا نقول “أوقافاً”! – بناء على اعتبارات او طمعاً بمصالح لا حاجة الى الإفصاح عن المزيد من “أسرارها“!
•••
ماذا نطلب، ماذا نقترح؟
صراحة – وهذا ما قلناه للرئيسين في الاستشارات – ان يطلع الرئيس المكلف الرئيس الذي كلّفه تأليف الحكومة على اجواء الاستحالة التي يواجهها وأن يسأله ما إذا كان يطمئن – وهو المسؤول دستورياً عن حسن تطبيق الدستور، فكيف عن حسن تطبيق رؤيته للحكم التي تضمنها خطاب القَسم – الى أن هذا وذاك من المطالب التي سردها ووعد بها يتحقّق بمجرّد مجيء وزير من هذا الحزب او هذه الطائفة بدل وزير قد لا يكون من هذا الحزب او الطائفة انما هو الاكثر كفاية ومعرفة وأمانة.
عمليا، أليس هذا موقفاً يقاربنا من الخيال، بدل الواقع؟
كلا… إنه الواقعية بعينها، لانه ينقذنا من أن تتحوّل وزارة الثلاثين وزيراً الى وزارة الثلاثين أزمة، حتى لا نقول الثلاثين فضيحة… ولبنان في الأصل لا يحتاج حكمه إلى ثلاثين وزيراً، قياساً بدول من حجمه، بل دول أكبر منه حجماً وأكثر سكاناً وأعظم شأناً وتكتفي بالأقل عدداً… فلماذا، غير إرضاء “نقابة أمراء الحرب” نقع في فخ تأليف الحكومة المبهبطة المستحيلة؟
… والتي لا يحميها كونها تحمل في “فرمان” تأليفها وصفة “تعطيل” الحكم من قبل ان ينطلق!
وبعد، يجدر بنا ان نتذكر، اذا ظننا ان في الكمية السلامة، ان اهم حكومات لبنان كانت الأقلها عدداً.
حسبنا ان نتذكر منها ان الحكومة التي عدّلت الدستور وألغت الانتداب الفرنسي وقادت الشعب في وجه جيش اجنبي كانت من ست وزراء فقط: رياض الصلح، حبيب ابي شهلا، عادل عسيران، كميل شمعون، الامير مجيد ارسلان، سليم تقلا. ثم الحكومة التي ألفها الرئيس (اللواء) فؤاد شهاب ووضعت حداً لاول “حرب اهلية” في لبنان كانت من اربعة وزراء فقط لا غير: رشيد كرامي، حسين العويني، ريمون اده، بيار الجميّل.
وبعد، وبعد…
قد يقول رئيس الحكومة المكلّف ان عليه الحصول على ثقة المجلس، وهو على حق و… على خطأ في آن واحد: عليه الحصول على ثقة المجلس، نعم، ولكن ثقة المجلس ليست ولم تكن مرة رهناً بان تأتي الحكومة مختصراً لتكوينه، والا فلا معارضة! والمعارضة، هي، هي ضمان استقامة الديمقراطية.
أضف ان التاريخ البرلماني يعلمنا ان ثقة المجلس بالحكومة الاولى في عهد جديد غالباً ما تكون مرآة الثقة بالعهد.
والمطلوب ان ننقذ الثقة بالعهد التوافقي الذي جاء للانقاذ… لا للاغراق. جاء ليضع حداً للحروب وما اليها، وليس لاعطاء افرقائها وسيلة اضافية للاستمرار بها وساحة مصغّرة لخوضها من فوق، اي من مواقع سلطوية بدل خوضها من تحت، اي من الشارع.
• • •
الديمقراطية، قلنا، هي ان تكون الحل حتى ساعة يمكن ان يكون التقيد بها هو المشكلة، بل الازمة! و… استمرار الحرب.
النهار