صفحات أخرى

جيل اليوم لا يهتم بجمع المعلومات بل بمعرفة أين يجدها!

null

نشرت مجلة “نيوزيوك” (10 حزيران 2008) مقالة تناولت مشكلة الأجيال الجديدة مع تحصيل الثقافة والمعلومات. ومنها نقتطف:

من السهل جداً إيجاد أمثلة عن جهل المراهقين والشبان الذين في العشرينات من العمر. إليكم بعض تلك الأمثلة ستدهشكم وتثير قلقكم عام 2006. عجز ثلثا طلاب السنة الأخيرة في المدارس الثانوية الأميركية عن تفسير معنى لافتة موجودة على باب مسرح في صورة قديمة كتب عليها “مدخل الملونين” وفي عام 2001، قال 52 في بالمائة إن المانيا أو اليابان أو ايطاليا، وليس الاتحاد السوفييتي، كانت حليفة أميركا في الحرب العالمية الثانية. وربع الشبان الذين تراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً لم يعرفوا من هو ديك تشيني في استطلاع للآراء أجري عام 2004.

على غرار الاساتذة الذين يصدمون عند رؤية جهل الطلاب لموضوعات مثل الدردشات الرئاسية أو معركة انتيتام أو حتى بيرل هاربر، وعلى غرار الأهل الذين يروعهم أن أولادهم الأحباء الذين يحضرون صفوفاً اعدادية لدخول الجامعة لا يميزون بين شوسير وشوبان، فإن مارك بارولاين يرى في هذا الجهل كارثة فكرية واقتصادية واجتماعية مستقبلية. في كتابه الاستفزازي الجديد بعنوان (الجيل الأكثر غباء: كيف أن العصر الرقمي يجعل الشبان الأميركيين مغفلين ويعرض مستقبلنا للخطر) يعرض أستاذ اللغة الانكليزية في جامعة إيموري المؤشرات المعتادة، الكبيرة منها والصغيرة. بناء على أدلة مثل تراجع مستوى الثقافة لدى الراشدين (40 في المائة من خريجي المدارس الثانوية كانوا مثقفين عام 1992؛ و31 في المائة فقط كانوا مثقفين عام 2003) وازدياد الجهل في المعلومات الجغرافية (47 في المائة من الخريجين عام 1950 كانوا قادرين على تسمية أكبر بحيرة في أميركا الشمالية مقارنة بظ 38 في المائة عام 2002) مثلاً، خلص بارولاين إلى أن “ما في جماعة في تاريخ البشرية أحدثت هوة شاسعة إلى هذا الحد بين ظروفها المادية ومستواها الفكري“.

ليس بارولاين أول الساخطين بهذا الشأن بالطبع. فالأكبر سناً يقلقون من قلة ثقافة الشباب وجهلهم للتاريخ، على الأقل منذ أن تذمر محبو سوفوكليس واسخيلوس من مدى شعبية اريستوفانيس (مؤلف مسرحية “الضفادع) بحق الإله زوس؟!) معتبرين أن ذلك سيؤدي الى نهاية الحضارة الاغريقية كما يعرفونها. وكان جيل الحرب الأهلية مصعوقاً بعد انتشار الروايات المثيرة الرخيصة في أواخر القرن التاسع عشر، كما أن المثقفين في الحقبة الفكتورية اعتبروا ديكنز، ذلك الروائي المحب للحبكات والعاطفي المفضل لدى الجماهير (مؤلف رواية A Christmas Carol) (ترنيمة عيد الميلاد) ضئيل الشأن مقارنة بغيره من المؤلفين في تلك الفترة، لكن الحضارة، والثقافة الراقية وغير الراقية، استمرت بالرغم من كل ذلك، هل ستتمكن من تخطي جهل الجيل الجديد للمسائل التاريخية؟ فيما يتعلق بالذين ولدوا بين عامي 1980 و1997، يتحسر بارولاين قائلاً: “ما من ذاكرة للماضي، تماماً مثلما قال الخمير الحمر “هذا يوم الصفر”. ذاكرة التاريخية ضرورية ليكون الشعب حراً. ان لم يكن المرء يعرف ما الحقوق التي يضمنها التعديل الأول للدستور الأميركي، كيف يمكنه أن ينتقد الحقوق في الولايات المتحدة؟” هذا صحيح، لكننا نعتقد انه اذا لم يكن الشبان يعرفون شرعة حقوق الانسان أو معنى لافتات قديمة كتب عليها “مدخل الملونين” ـ وهي أمور يجب أن يعرفوها ـ فهذا لا يعكس غباءهم بل فشل النظام المدرسي والمجتمع (الذي يديره الراشدون) في الزامهم بمعرفة ذلك، بالاستناد الى ذاكرتنا التاريخية لا بد من الاشارة الى أن الفيلسوف جورج سانتيانا كان ايضاَ يائساً من جهل الجيل الجديد في المسائل التاريخية، محذراً من أن “الذين لايتذكرون الماضي محتم عليهم أن يكرروه”. هذا كان عام 1905 المشكلة الكبرى تكمن في تحديد بارولاين لعبارة “الأكثر غباء”. ان كان يعني بذلك “من لديه أقل قدر من المعلومات”، فقد يكون محقاً. إن جيل شبان اليوم المولودين قبل عام 1978 لا يهمهم جمع المعلومات بقدر ما يهمهم ان يعرفوا أين يمكنهم إيجاد المعلومات. ومن المخزي أن ينفق أرباب العمل 1.3 بليون دولار سنوياً لتعليم موظفيهم مهارات الكتابة الأساسية، حسبما تبين في استطلاع لآراء المديرين عام 2003. لكن اذا كان الغباء يعني الافتقار الى القدرات الإدراكية الأساسية مثل القدرة على التفكير النقدي والمنطقي، وتحليل الحجج، والتعلم والتذكر ورؤية التشابهات وتمييز الوقائع عن الآراء… هنا يبدو جدال بارولاين غير متماسك.

أولاً، إن حاصل الذكاء في كل البلدان التي تقيسه، بما فيها الولايات المتحدة، يرتفع منذ ثلاثينات القرن الماضي. وبما أن الامتحانات تقيس القدرة البحتة على التفكير وليس المعلومات ـ أو ما يسميه علماء الإدراك بالذكاء المرن، لأنه يمكن تطبيقه على المشاكل في أي مجال ـ نجد أن جهل الشباب اليوم للمعلومات (أو المعلومات التي يظنها الأكبر سناً مهمة) لا يعكس الغباء بل الخيار. ومن الذي يقرر انهم أغبياء لأن عدداً اقل منهم مقارنة بجيل أجدادهم.

يكترث لمعرفة هوية مؤلف المعزوفة الدينية Messiah (وهو أمر كان يعرفه 35 في المائة من طلاب السنة الجامعية الرابعة عام 2002، مقارنة بـ 65 في المائة عام 1955)؟ وكذلك، نفترض ان تراجع نسبة طلاب السنة الجامعية الأولى الذين يقولون إن متابعة الشؤون السياسية أمر مهم من 60 في المائة عام 1996 إلى 36 في المائة عام 2005، يعكس على الأقل جزئياً ان السياسة عام 1966 كانت تحدد ما اذا كان سيتم تجنيد الشبان للذهاب الى فيتنام. أما اللامبالاة السائدة عام 2005 فهي تعكس العالم خارج عقول أبناء جيل اليوم وليس العالم داخلها، وهو عالم نرجح أنه تغير بعد ترشيح باراك أوباما التاريخي لرئاسة الولايات المتحدة. لكن النفور لا يدل بالضروررة على الغباء.

بارولاين ليس أول العلماء الذين يلومون التكنولوجيات الحديثة (اتذكرون التلفزيون؟) على التقصير الفكري لجيل الشباب وهو يدين “العصر الرقمي” في هذه الحالة. لكن ما من أدلة دامغة على أن الانهماك في ارسال الرسائل الفورية على الأنترنت والرسائل القصيرة على الهواتف الخليوية والاستماع إلى أجهزة آي بود ولعب الألعاب الإلكترونية وكل ما شابه ذلك على شبكة الإنترنت يعوق القدرة على التفكير. يقول كين كوزيك، من جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا، وهو أحد مديري معهد أبحاث العلوم العصبية هناك: “لم يتضح بعد ما إذا كان لهذه التقنيات تأثير ايجابي أو سلبي” على الإدراك. “لكن من المؤكد أنها تغير طريقة معالجة أدمغة الناس للمعلومات”. في الواقع، فإن المبادىء الأساسية للعلوم العصبية تدعو للتفاؤل: يقول عالم الادراك مارسيل جاست من جامعة كارنيغي ميلون: “نحن نتحول تدريجياً من أمة ذات أيد خشنة إلى أمة ذات أدمغة مرنة. وبما أن التكنولوجيا المعلوماتية الجديدة تمرن أدمغتنا وتزودها بالمزيد من المعلومات، فلا بد أنها تحسن قدرتنا على التفكير“.

نحن نظن أن على أساتذة اللغة الإنكليزية أن يحترموا الفرق بين الترابط والسببية: كون الجيل الجديد أصبح يجهل البحيرات الكبرى والمعزوفات الدينية مع انبثاق العصر الرقمي لا يعني أن هذا العصر هو سبب هذا الجهل.

لاثبات ذلك، نحتاج الى بيانات. لسوء الحظ، ما من بيانات تذكر. فمن الصعب إجراء الاختبار المثالي: لدراسة تأثير التكنولوجيا الرقمية على المعالجة الإدراكية بشكل علمي، علينا أن نشكل مجموعات متفرقة من الشبان الذين يستعملون التكنولوجيا كثيراً أو قليلاً أو لا يستعملونها أبداً، ومن ثم متابعتهم على مدى سنوات، لكن على حد قول أحد معارفنا البالغ من العمر 19 عاماً عن احتمالات ايجاد مراهقين يقبلون بالتطوع في المجموعة التي لا تستعمل التكنولوجيا أبداً، “هل فقدت عقلك؟“.



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى